رسالة ميقاتي الى غوتيريس… للشعبوية بلا مفاعيل عملانية

هيام طوق
هيام طوق

وجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تحدث فيها عن تداعيات أزمة النزوح السوري، وكلفتها على الاقتصاد اللبناني وعن عبء النزوح الذي يؤثر على الأمن المجتمعي مما يثير الخوف من نشوء توترات وردود فعل خطيرة تنعكس سلباً على أمن النازحين أنفسهم وعلى استقرار المجتمعات المضيفة، داعياً الى البدء بتنفيذ الآليات الدولية الواردة في النصوص المعتمدة لدى المفوضية العليا للاجئين ومجلسها التنفيذي حول عودة اللاجئين. واعتبر أن مبدأ التقاسم العادل للأعباء ومبدأ التضامن الدولي اللذين تفرضهما مبادئ القانون الدولي على المجتمع الدولي غير محققين، لا سيما نظراً الى الكلفة الباهظة للأزمة على لبنان واقتصاده وموازنته العامة.

الرسالة جيدة وضرورية، ولكن هناك علامات استفهام حول مضمونها وتوقيتها، ففي عز الأزمات الداخلية المعقدة خصوصاً العرقلة على مستوى الاستحقاقين الدستوريين الحكومي والرئاسي، يعتبر البعض أنها تأتي في هذه المرحلة تحديداً لإلهاء اللبنانيين وحرف اهتمامهم عن سوء ادارة البلد نحو قضية يمكن أن تشكل خطراً وتهديداً للكيان. وكل الخطوات على هذا الصعيد اليوم يمكن وضعها في خانة المزايدات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس ميقاتي خصوصاً أن الدولة سجلت فشلاً ذريعاً في ادارة ملف النزوح السوري منذ البداية.

وللقراءة في مضمون الرسالة وأهميتها وتوقيتها، تواصل “لبنان الكبير” مع المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ الذي قال: “قضية النازحين السوريين كما قضية اللاجئين الفلسطينيين تتعلق بحقوق الانسان وبالهمّ الكياني اللبناني، وليس هناك من توقيت لاثارة الموضوع لكن المفارقة أن ميقاتي تولى حكومتين: الأولى، في بداية الأزمة السورية، واليوم الحكومة الثانية بعد 11 سنة من هذه الأزمة، ولم نر منذ البداية بناء سياسة عامة تتعلق بتنظيم وجود اللاجئين السوريين. كما أن الحكومة الحالية لم تقدم سياسة عامة مخصصة للعودة بعد الهدوء في سوريا في بعض المناطق. التوقيت له معنى كأن هناك حفلة مزايدة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في حين أن الرجلين لا يقدمان أي حل عملاني لعودة لنازحين السوريين خصوصاً أن حليفهما الأساس حزب الله يمسك بمنطقة القلمون والزبداني والقصير التي يمكن أن يعود اليها 300 ألف نازح سوري”.

وأشار الى أن “الرئيس ميقاتي اختار أن يضع المسؤولية على المجتمع الدولي في فشل العملية السياسية السلمية في سوريا لتأمين العودة، هذا أمر أساس لكن السؤال: من يمسك بمنطقة القلمون والزبداني والقصير؟”، معتبراً أن “الرسالة تكرر الخطاب نفسه الذي اعتمد منذ العام 2011 أي أنها تتضمن توصيفاً للأزمة وعدم القدرة على تحمل أعبائها. هنا يتبنى ميقاتي خطاباً خطيراً وكأن الأزمة المالية – الاقتصادية – الاجتماعية في لبنان أساسها النازحون أو اللاجئون الفلسطينيون وليس أساسها سوء الحوكمة في ادارة البلد. كما أن الرئيس ميقاتي لم يتطرق الى مسار المفاوضات في جنيف لحل الأزمة السورية، وفي هذا المسار يتواجد النظام السوري والمعارضة، وكان الأجدى به أن يطرح طرحاً عملانياً في الرسالة ويطلب وضع أزمة النازحين السوريين على طاولة هذه المفاوضات”.

أضاف الصائغ: “الروس الذين هم أصدقاء الرئيس ميقاتي وأصدقاء حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون، قدموا مبادرة لعودة النازحين السوريين، لماذا لم يتحدث عنها الرئيس ميقاتي في رسالته؟ ثم ان كلامه عن القانون الدولي الانساني كلام فضفاض وعام. وفكرة الدفع باتجاه العودة ضمن القانون الدولي الانساني تتطلب تأمين ضمانات للاجئين، وهذه الضمانات تقتضي تعاوناً مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ضمن توقيع بروتوكول تعاون، اذ على المفوضية تحديد الأماكن والمناطق التي يمكن العودة اليها وبأي طريقة وكيف تتأمن هذه الضمانات، فلماذا يرفض لبنان حتى الساعة توقيع بروتوكول مماثل؟”.

ورأى أن “وضع المسؤولية فقط على المجتمع الدولي الذي فشل في الحلّ السياسي حتماً، وتغييب من يمنع عودة النازحين الى سوريا خصوصاً الى المناطق الحدودية وعدم طرح فكرة انشاء مراكز ايواء مؤقتة حدودية أو مراكز ايواء مؤقتة في المنطقة الحدودية غير المتنازع عليها، يدل على أن ليس هناك من قرار لطرح حلول عملانية”، لافتاً الى أن “كل ما قدمه الرئيس ميقاتي في رسالته هو خطاب تقليدي كلاسيكي يصف المشكلة، لكن لا يعطي حلاً لها كأنه يقول انه قام بواجباته وأرسل رسالة الى أعلى مرجعية أممية، في حين أن الحكومة مسؤولة عن تقديم بعض الحلول العملانية من تنظيم وجود هؤلاء اللاجئين وتصنيفهم بين عامل ولاجئ، وتحديد الخروج من لبنان ومن الفئة التي يمكن أن تعود أو لا تعود، وتوحيد الأرقام الاحصائية للاجئين، وهذا كله لم يحصل بمعنى أنه بدل أن يرتب لبنان بيته الداخلي بإقرار سياسة عامة لأزمة النزوح وعلى أساسها يكون هناك توازن مع المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة، يكمل بالخطاب نفسه والطريقة نفسها التي لا توصلنا الى أي حل عملي للعودة. واذا سأل الأمين العام للأمم المتحدة، الرئيس ميقاتي: لماذا لا تتحدث مع حلفائك لتأمين عودتهم الى القلمون والزبداني والقصير؟ فماذا سيجيبه الرئيس ميقاتي حينها؟”.

وشدد الصائغ على أن “الرسالة ضرورية وجيدة، لكن لا مفاعيل عملانية لها اذ يجب على الحكومة اللبنانية إقرار سياسة عامة بما فيها توقيع اتفاقية تعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. علينا مخاطبة المجتمع الدولي من خلال خطة عملانية”، متسائلاً: “ماذا فعلت الدولة لتنظيم وجود النازحين؟ ماذا فعلت لتميز بين العامل وبين اللاجئ؟ ماذا فعلت لتعرف احصائياً عددهم وأماكن تواجدهم والى أي مناطق يمكن أن يعودوا؟ ماذا فعلت لتنظيم عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؟ ماذا فعلت لتنظيم عمل المجتمع المدني؟ لا مفاعيل عملانية لهذه الرسالة مع اعترافنا بأن المجتمع الدولي مقصر، لكن هذا النوع من الرسائل خطابي، ارتجالي، شعبوي وديماغوجي”.

وأكد أن “القضية مهمة لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار مأساة اللبنانيين ومأساة النازحين وأن تكون هناك ديبلوماسية للعودة أي خطة ومسار تشاوري مع كل الأطراف. لا يريدون حلولاً للقضية انما المتاجرة بها، وليست الخطورة اليوم بالنزوح فقط، انما بمن ساهم في تهجيرهم، ومن يساهم في منع عودتهم.انه تجيهل للفاعل وسنحمل تبعاته في الذاكرة اللبنانية – السورية مستقبلاً”.

شارك المقال