إيران ما بين الخطين 23 و29

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“ما حدا فهمان شي من شي” هذا ما يمكن استخلاصه من موضوع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فما يحاك في الكواليس يزيد الغموض غموضاً حول طريقة المفاوضات وما إذا كان لبنان سيكسب ثروته أم سيفرط بها في ظل تخبط الطبقة الحاكمة في جعل هذا الملف الوطني مجرد ورقة إبتزاز لحماية مصالحها.

زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة الى لبنان، رسمت صورة متفائلة وأوحت بتقدم في عملية التوصل إلى إتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لكن عملياً الرسائل التي أطلقت مبهمة، فلم يتبين كيف سيجري إنهاء الخلاف القائم حول خط الترسيم الذي سيعتمد 23 أو 29، والواضح أنه في ظل توقف المفاوضات حول النووي الايراني وترحيلها الى ما بعد انتخابات مجلس الشيوخ والكونغرس المقررة في 8 تشرين الثاني المقبل، لا يبدو أن ملف الترسيم سينجز في هذا العهد وستنتقل مشكلاته وإشكالياته الى العهد الجديد إن لم يجر تدويره بجبران باسيل.

وبرأي مصادر متابعة أن “هذا الربط موضوعي، فمن كان يفاوض على ترسيم الحدود البحرية إيران وليس لبنان، وكان واضحاً أن لبنان عندما بدأت المفاوضات، لم يكن يملك معلومات كافية ولا اطلع على الخرائط ولم يحدد الأطر التي يجب أن يتم التفاوض على أساسها، إذ ذهب منذ البداية الى التفاوض وفقاً للخط 23، وكشفت الخرائط والصور أن الحدود الاقليمية للبنان هي الخط 29 وليس الخط 23 الذي جرى التفاوض عليه مع قبرص بما عرف بـ (خط هوف) وتبين عدم صحته وكان يجب سحب خرائطه الخاطئة من الأمم المتحدة، وجاء الوسيط الأميركي لاحقاً ليكرّس المفاوضات وفقاً لهذا الخط الخاطئ، وبعد أن تم اكتشاف النفط والغاز في البلوكات وتوزيعها، حصر بلوك الغاز التاسع في شركات ثلاث هي نوفاتاك الروسية وتوتال الفرنسية وايني الايطالية وتألفت منها شركة قابضة”.

وأشارت المصادر الى أن “ايران عوّلت، منذ بداية قدوم ادارة جو بايدن، على الادارة الاميركية الجديدة للخروج باتفاق حول النووي وتحقيق انتصار، وبطريقة غير مباشرة سمح الايرانيون بعملية التفاوض، وكانت جرت مفاوضات من قبل وفد عسكري تقني خاض عدة جولات مع الأمم المتحدة وحدد بالخرائط والرسوم الطوبوغرافية المنطقة البحرية – الاقتصادية التي تبلغ حوالي 3000 كيلومتر مربع كان لبنان يتخلى عنها، لكنه أثبت أن هذه المساحة حق شرعي للبنان وبالتالي لا بد من الانتقال الى الخط 29 كونه ملكاً فعلياً للدولة اللبنانية والشعب اللبناني. لكن هذه الطبقة السياسية التي حكمت البلد طوال الفترة السابقة وفاوضت كانت غير أمينة على ترسيم حدود لبنان والحفاظ على ثروته، وكان هدفها الحفاظ على مصالحها وتقديم التنازلات على حساب اللبنانيين وعدم الاصطدام مع الولايات المتحدة للتخلص من تهديدات فرض عقوبات عليهم ولذلك ساوموا معها، هذا داخلياً اما خارجياً، فإن ملف الترسيم موجود بيد الايراني وهو الذي يفاوض على عملية ترسيم الحدود البحرية، ومن يدرس كيفية تقديم التنازلات للولايات المتحدة (من كيس غيرو)، وفقاً لمسار مفاوضات الاتفاق النووي لتحصيل منافعه الخاصة. ومن هنا كان هذا الغموض حول المفاوضات من الطبقة السياسية التي لم تعمل على التشبث بالخط 29 وكانت تراوغ، لكن الجيش الوطني أعلن على الملأ أن هذا الخط حق شرعي للبنان ويجب التمسك به. ونحن نتذكر موقف العميد بسام ياسين ومخاطبته رئيس الجمهورية بضرورة التمسك بالخط 29 للحصول على الخط 23 وما فوق، لكن ضعف المفاوض اللبناني وارتباكه أظهر للعيان أن القرار ليس بيده”.

وبحسب هذه المصادر فإن “هذه الجولات الجديدة التي قام بها المبعوث الأميركي لم تنجز شيئاً، وتوسعت دائرة الداخلين الى التفاوض من دون إنجازات، سوى تصريحات كلامية تدعو الى التفاؤل، بينما على الأرض لا يبدو أن هناك إمكاناً لاتفاق في الأفق المنظور قريباً أو حصول انفراج في هذا الملف المستعصي على الحل والمحتجز من دول اقليمية، فعملية التفاوض الأخيرة وسع بيكارها ودخل على الخط اللواء عباس ابراهيم كجزء أساس من الهيكلية الجديدة، مما لفت النظر الى اجتماع هوكشتاين به فيما استبعد الجيش اللبناني”.

ولفتت إلى أن “أي جديد لم يحصل سوى إشارات من إسرائيل عن احتفاظها بحقل كاريش وقانا للبنان وما بينهما يمكن أن يتم حفر بئر تتولى شركة توتال عملية التنقيب والاستخراج والبيع بالمناصفة، وهذا كلام لا يمكن الوثوق به. وفي المقابل كان هناك بيان من شركة (انرجي) المولجة بالحفر في كاريش أعلنت فيه التوقف عن العمل ريثما يتم حل الأزمة التي باتت علنية ودخانها ظهر في مسيرات حزب الله، وطالما أن الرأسمال جبان ولا يريد أن يدخل في أزمات، إذ أن هذه الشركة تجهزت لوجستياً على مدى سنة ونصف السنة في سنغافورة وجاءت الى لبنان على مرأى من الجميع وكان الكل ساكتاً ومراقباً ولم يتم التلفظ بأي كلام حولها، وهذا يدل على توافق من الأمم المتحدة ومن أميركا وموافقة ضمنية من لبنان على بدء الحفر في كاريش كونه لا نزاع عليه، ودخول اللواء عباس ابراهيم على المشاركة في هذه العملية والتحضير لزيارة قريبة له الى قطر التي دخلت على الخط مع أميركا في عملية التفاوض مما يزيد من ضبابية الصورة”.

واعتبرت المصادر أن السؤال الذي طرحه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط حول التأثيرات الخارجية على ملف الترسيم وعما إذا كان مرتبطاً فعلياً بلبنان، أم بملفات خارجية أخرى، موضوعي. “فهذا الملف مرتبط بالملف النووي الايراني وبالعلاقة الايرانية ــــ الأميركية، والبحث فيه ينطلق من المكاسب التي ستحققها إيران”.

ولكن هل يمكن إخراج الملف من التجاذبات الخارجية والتعامل معه كملف وطني؟ وهل يحضر لبنان نفسه لتشكيل وفد لبناني مفاوض يعمل وفق استراتيجية وطنية بغض النظر عمن يكون في ظل التوجهات التي ستملى عليه، أجابت المصادر: “لقد كانت تجربة الوفد العسكري اللبناني والعميد بسام ياسين جيدة وأظهرت أن هؤلاء الأشخاص موثوقون وأمناء على تنفيذ هذه العملية بغض النظر عن التجاذبات السياسية، خصوصاً أنه علينا في النهاية استخراج هذا الغاز سريعاً والاستفادة من ارتفاع الأسعار حالياً التي تحلق اليوم، لأن الغاز مطلوب وأي تأخير في عملية الترسيم سيؤخر إستفادة لبنان منه، وبالتالي سيخسر الشعب والدولة لأن الغاز سيفقد قيمته لاحقاً اذا هبطت الأسعار وتصبح تكلفة انتاجه عالية”.

ورأت هذه المصادر أن “ما زاد الطين بلة، أن حزب الله الذي كان أعلن أنه مع الدولة وما تقوم به ويساندها، تدخل عبر اطلاق مسيراته على مناطق كاريش مما خلط الأوراق لا سيما وأن هذه المنطقة لا تعتبر منطقة لبنانية مرسمة ضمن الخط 29 لأن رئيس الجمهورية لم يوقع على المرسوم 6433 ولم يرسله الى الأمم المتحدة لكي يتم التفاوض على أساسه لتصحيح خط الحدود، وتبين أن كاريش منطقة تقع تحت سيادة لبنان وعدم التوافق والتوقيع طرح علامة استفهام كبيرة، واللافت للنظر هنا، أن اتفاق 17 أيار 1983 قد أعطى لبنان حق السيادة البحرية في ترسيم حدودها أبعد من كاريش. واليوم الطبقة السياسية الحالية تتنازل الى خط 23 ومتعرجات خط قانا للحصول على جزء بسيط من الغاز الذي يشكل ثروة فعلية للبنان بسبب المناكفات السياسية الداخلية”.

ولا يغيب عن هذه المصادر الاشارة أخيراً الى أن “الغرب مستعجل لسحب الغاز الاسرائيلي وتأمين بدائل للغاز الروسي الذي يشكل أربعين بالمئة من الغاز الذي تعتمده أوروبا. لكن الغاز الاسرائيلي هو غاز مسال ويجب إعادة تدويره وإرساله الى مصر قبل إرساله الى أوروبا وهذه عملية تأخذ وقتاً ولن يكون كافياً، كما أن تركيبته لا يمكن الاستفادة منها ولن تعوض سوى 2 أو 3 بالمئة من الحاجة”.

شارك المقال