عون أدى قسطه… ماذا بعد؟

أنطوني جعجع

هل يفعلها الرئيس ميشال عون ويمضي في واحد من اتجاهين: أو البقاء في القصر الجمهوري بغطاء من “حزب الله”، أو تشكيل حكومة انتقالية برئاسة النائب جبران باسيل وبغطاء من “حزب الله” أيضاً؟

الجواب نعم ولا…

نعم اذا فشلت ايران في انتزاع اتفاق نووي يحافظ على مكاسبها الجيوسياسية على امتداد الشرق الأوسط واختارت التصعيد حتى النهاية. وكلا اذا اتحد المجتمع الدولي خلف اقتناع راسخ بأن طهران بلغت مرحلة من التحديات التي لا يمكن مواجهتها بالوسائل السياسية والديبلوماسية وحسب.

حتى الآن، لا يبدو أن ايران في طريقها الى الاتفاق الذي تنشده، بل في طريقها الى حقل ألغام لن يرحم من يحاول تفجيره أولاً.

وحتى الآن أيضاً لا يبدو الأميركيون في طريقهم الى الاتفاق الذي يلجم طهران ويطمئن العرب ويهدئ اسرائيل ويسحب فتائل التفجير من اليمن الى البحر المتوسط.

من هنا لا يمكن تحييد الحرائق التي تتجدد في غير مكان عن السلبيات المتبادلة بين ايران والمجتمع الغربي، والعراقيل التي ظهرت في اللحظة الأخيرة وحالت دون اعادة الحياة الى الاتفاق النووي وترسيم خطوط حمر لأي فتيل يمكن أن يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، أو في أي مكان تتواجه فيه ايران مع اسرائيل وأميركا وحلفائها بأي وسيلة أو ذريعة متوافرة.

ولا يمكن كذلك تحييد لهجة واشنطن التي انتقلت من التفرد في مواجهة الطموحات النووية الايرانية، الى اطلاق يد اسرائيل في التصدي لأي خطر ايراني داهم أو بعيد المدى، ولا تحييد كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التي انضمت الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اتهام ايران بالسعي الى حيازة سلاح نووي، والى الولايات المتحدة، ولو ضمناً، في اتهامها بزعزعة الاستقرار الاقليمي والدولي معاً.

وانطلاقاً من هذا المشهد الذي يتزامن مع اعادة إحياء سلاح العقوبات الأميركية ضد ايران المتهمة بشن هجوم سيبراني على ألبانيا والتورط في حرب أوكرانيا من خلال صفقة مسيرات مع روسيا، وشحن كمية ضخمة من المخدرات الى ألمانيا، نعود الى لبنان ليتبين أن “حزب الله” يشهر سلاحين في وقت واحد: جر البلاد الى الفراغ الرئاسي أو جره الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل، وهما سلاحان لا يمكن أن يشهرا الا في اطار الصراع الايراني – الأميركي وليس في أي اطار آخر.

والواقع أن ايران تدرك جيداً، أنها غير قادرة على انتخاب رئيس يشبه ميشال عون أو النائب جبران باسيل وحتى سليمان فرنجية، وتعتبر أن الوصول الى الفراغ يبقى أفضل حالاً من الوصول الى عهد تتقاسمه مع العرب أو مع الأميركيين، لاعتقادها أن الفراغ يعطيها ما تحتاج اليه من وقت لتغيير معادلات أو ابرام تسويات لا غالب فيها ولا مغلوب في أسوأ الأحوال، اذا كان فرض الغالب صعباً أو حتى مستحيلاً.

والواقع، أن المأزق الذي تعانيه ايران يتمثل في أن ميشال عون بلغ من العمر والوهن وانعدام الشعبية حداً لا يشجع على الرهان عليه مرة أخرى، وأن الرهان على النائب جبران باسيل لن يمر في سلام، نظراً الى ما يعانيه من عداوات مع الداخل والخارج معاً، إضافة الى الحساسية التي يثيرها بين أقرب حلفاء لديها، وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري وتيار “المردة”.

ويقول مصدر قريب من “حزب الله”: ان حسن نصر الله ليس في وضع مريح يسمح له بفرض ما يريده سواء بالحسنى أو باللين، فهو ليس في وارد الاشتباك مع حركة “أمل” التي ترفض عون رئيساً مدى الحياة وجبران باسيل خليفة محتملة، وليس في وارد النزول الى الشارع بقمصانه السود لخوض معركة واحد من الرجلين، لأن ذلك يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الداخل المستاء من عهد قاده الرجلان الى جهنم، ومع الخارج المستاء من مسار استراتيجي تبناه العم والصهر بادارة من “حزب الله” وقاد الى عزلة خانقة وعقوبات قاتلة، وافلاس على كل المستويات الحياتية في البلاد.

ويضيف المصدر: ان نصر الله بات أمام خيارين: اما مواجهة محدودة مع اسرائيل يعتقد أنها ستعوم تيار الممانعة، وتعيد خلط الأوراق بين أميركا وايران وبين “حزب الله” والمعارضة في لبنان، واما تبني انقلاب غير مباشر من خلال تكرار تجربة العام ١٩٨٨، أي تجربة الجنرال عون على رأس حكومة عسكرية انتقالية.

ويذهب المصدر بعيداً الى حد القول، ان الخيارين لا يحملان أخباراً طيبة أو نتائج مضمونة، فلا الحرب مع اسرائيل قد تؤتي ثمارها ولا الانقلاب في الداخل قد يمر على خير، ما يعني عملياً أنه يعيش في حال فراغ مبكر لا يستطيع تبنيه طويلاً ولا يستطيع تعبئته سريعاً… ويعرف حسن نصر الله، أن الرياح لم تمضِ كما تشتهي سفن ايران، فلا الانتخابات النيابية أعطته الكلمة الفصل ولا مفاوضات فيينا أعطته الموقع الفصل، ولا حصيلة عهد الممانعة في بيروت أعطته رصيداً شعبياً واقليمياً ودولياً يمكن البناء عليه، ولا شعبية حزبه حافظت على زخمها بعدما تحول رجاله الى تجار في مكان وقبضايات في مكان آخر، وبعدما تحول سلاحه الى “مرافق” لفاسد من هنا أو مطلوب من هناك أو الى “بعبع” يهدد قاضياً يدقق في المحظورات والممنوعات أو الى محور يضرب علاقات لبنان من بيروت الى أقاصي الأرض.

من هنا، نعود الى السؤال الأول، هل يفعلها ميشال عون؟

ان التمحص في تاريخ الرجل وطباعه يؤكد أنه لا يتردد في تكرار التجربة، وان التمحص في طموحات باسيل ورعونته يؤكد أن الرجل لا يتردد في القيام بأي شيء في مقابل الحصول على السلطة ولو فوق الركام والجثث، وان التمحص في مناورات “حزب الله” ومغامراته يؤكد أن نصر الله، لا يتوانى عن القيام بأي شيء للابقاء على الغلبة الايرانية في أي مسار أو أي ميدان.

لكن السؤال يبقى، وهذا هو المهم، هل يفعلها “حزب الله”؟

يقول مصدر آخر قريب من بيئة “المقاومة الاسلامية”، ان نصر الله وطهران يعتبران أنهما أعطيا كلاً من عون وباسيل الفرصة التي يستحقانها، وانهما ليسا متحمسين جداً لخوض معركة جديدة من أجلهما، في وقت تتعثر روسيا في أوكرانيا وتنشغل الصين قبالة تايوان، مشيراً الى أنهما يفضلان الدخول في لعبة عض الأصابع مع العرب والأميركيين لانتخاب رئيس لا يكون حليف الأميركيين في المطلق ولا عدو الممانعين في العمق.

ويضيف المصدر، أن “حزب الله” يعرف تماماً، أن عهد ميشال عون كان عهد حسن نصر الله لكنه لم يكن عهد لبنان الذي سقط عن آخره وفي كل المجالات، ويعرف أن ما تبقى من ولاية الجنرال لن يسمح بتصحيح المسار واصلاح الأمور أو يشجع على ضخ الروح في عروقه مجدداً.

وليس سراً في هذا المجال، أن عون استفز الأميركيين في أكثر من مجال، انطلاقاً من خلفيتين: الأولى ارضاء “حزب الله” الذي جاء به الى الحكم، والثانية الانتقام من الأميركيين الذين أخرجوه من الحكم.

وليس سراً أيضاً، أن الأميركيين الذين يرفضون وقوع لبنان في قبضة “حزب الله” سواء لمدة ست سنوات جديدة أو في صورة دائمة، لن يتوانوا عن أي شيء للحؤول دون ذلك وبدعم شبه شامل من العرب والغرب معاً، حتى لو أدى ذلك الى “التسامح” حيال أي مواجهة قد تقع بين اسرائيل و”حزب الله” على خلفية الثروة النفطية والغازية، أو بين اسرائيل و”الحرس الثوري” على خلفية وجوده على حدوده مع سوريا، أو بين اسرائيل وايران نفسها على خلفية الاشعاعات النووية الصاعدة من المنشآت السرية في طهران.

من هنا، يجمع المراقبون على أن احتمال التغاضي عن بقاء عون في القصر أو تكليف باسيل على رأس حكومة انتقالية غير وارد في حسابات الأميركيين لا من خلال أي فذلكة دستورية أو أي خطوة انقلابية، وهو ما يفسر المحاولات التي تبذل من خلال فرنسا لاعادة النفوذ السعودي الى لبنان وتشجيع الرياض على لملمة العامل السني المشتت في شكل يمنع “حزب الله” من استغلال هذا التشتت لتجيير أصوات بعص السنة لمصلحة مرشح من قوى الثامن من آذار.

انها معركة بين “حزب الله” الذي لا يملك غير السلاح، ومعركة أميركا التي تنطلق من الشعار القائل “نحن في لبنان لنبقى”.

انها أيضاً معركة بين عون الذي يريد أن يقول للأميركيين: اما فك العقوبات عن باسيل واما تدمير الهيكل على رؤوس الجميع، وبين الأميركيين الذين يحرصون على رحيل عون خالي الوفاض ومجرداً من أي انجاز يتغنى به أو يستفيد منه أي خليفة يختاره.

من هنا، لا ترسيم حدود بحرية في عهد عون، ولا غاز من مصر وكهرباء من الأردن، ولا استخراج نفط أو غاز، ولا اتفاقات مع البنك الدولي ولا أي فك للحصار الاقتصادي أو للعزلة العربية والدولية.

شيء واحد أمام “حزب الله”، القبول برئيس يمكن التفاهم معه لا السيطرة عليه، أو الدخول في حرب أهلية حتى في بيئته أو حرب في الجنوب لا يعرف نتائجها مسبقاً، وشيء واحد أمام الأميركيين، اما القبول برئيس لا يستفز “حزب الله”، واما اعادة لبنان الى العام ١٩٨٩، أي الفوضى الشاملة التي قد تؤدي الى انتاج نظام جديد لا يكون نسخة عن اتفاق الطائف ولا يكون مقدمة لأي تقسيم عملي.

وأخيراً هناك شيء واحد أمام عون وباسيل، اما الاحتراق معاً واما الرحيل معاً، لأن أي خيار ثالث لن يكون أقل كارثية من ذلك اليوم الأسود ذات ١٣ تشرين…

شارك المقال