السياسيون متفائلون والخبراء متشائمون… ملف الترسيم الى خواتيمه؟

هيام طوق
هيام طوق

في ظل الغموض والتكتم حول المفاوضات في ملف الترسيم البحري الحدودي بين لبنان واسرائيل، وعلى مسافة أيام من لقاءات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين، تحدثت أوساط سياسية وأمنية أمس عن أن المفاوضات أوشكت على الانتهاء بحيث أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أن “الاتصالات لانجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، قطعت شوطاً متقدماً وثمة تفاصيل تقنية يتم درسها لما فيها مصلحة لبنان وحقوقه وسيادته”، فيما أشار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى “أننا نتحدث عن أسابيع لا بل عن أيام للانتهاء من ملف الترسيم، وأنا أميل لأن تكون الأمور ايجابية”.

بعد سنتين من التفاوض الذي مرّ بمطبات كثيرة وبمفاوضات شاقة نشط خلالها هوكشتاين على خط بيروت – تل أبيب، يعتبر سياسيون وخبراء لبنانيون أن لبنان تنازل كثيراً في مفاوضاته بعد أن تخلى عن الخط 29، ويتساءلون ان كانت هناك صفقة في الملف على حساب حصة لبنان وثروته النفطية، وبالتالي، لا يمكن الحديث عن ايجابية حققها في حين أن اسرائيل التي لا تزال تراوغ وتستفيد من الوقت الضائع ربحت مساحات شاسعة في المياه كما أنها تعمل على قدم وساق في الانتاج والتصدير، ولم ترسل حتى اليوم أي وثيقة مكتوبة على الرغم من مطالبة الجانب اللبناني بها ما يعني أنه لا يمكن القول معها “فول تيصير بالمكيول”.

وإذا كان السياسيون والمفاوضون يرون أنهم يحققون انجازاً في حال التوقيع على الاتفاق، فإن للخبراء آراء معاكسة في هذا الشأن على اعتبار أن لبنان قدم الكثير، وحقق انجازاً وحيداً في استقدام الشركات الأجنبية والبدء بالتنقيب، مع العلم أن هناك تفاصيل تقنية دقيقة أساسية ومهمة في الملف لا يعرف مدى خطورتها مستقبلاً الا الخبراء.

وفي هذا الاطار، اعتبر رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة ملف ترسيم الحدود البحرية عمران زهوي انه “اذا كان الملف يخدم رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت في الانتخابات المقبلة فسيتم التوقيع قريباً، واذا لم يخدمه، فستواصل اسرائيل لعبتها في المراوغة. فهي تتبع في ملف الترسيم البحري مع لبنان الأسلوب نفسه الذي اتبعته في ملف التفاوض النووي”، مشيراً الى أن “هوكشتاين سيعود الى بيروت، وسيذهب الطرفان اللبناني والاسرائيلي الى التفاوض غير المباشر في الناقورة بحيث تستمر المفاوضات الى حين الانتهاء من الانتخابات الاسرائيلية، واجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية خصوصاً أن في لبنان خلافاً بين من يقول ان الحكومة الحالية يمكنها أن توقع على اتفاق الترسيم، ومن يقول انه لا يحق لها ذلك”.

ورأى أنه “اذا قبل الطرف اللبناني بخط العوامات الذي وضعته اسرائيل فمعناه أنه تنازل مرة أخرى بعد التنازل الكبير عن الخط 29″، لافتاً الى أن “نقطة الـb1 هي آخر نقطة على الحدود التي تفصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وانطلاقاً من هذه النقطة يتم الترسيم بحراً وبراً، والخرائط موجودة في الأمم المتحدة. التخلي عن الـb1 يعني أننا نتخلى عما يقارب 31 متراً شمالاً. انهم يضحكون على عقول الناس”.

وتحدث عن العوامات “الموضوعة بين الخط 1 والخط 23، بعد أن كنا نتحدث عن 23+ زائد حقل قانا أصبحنا نتحدث اليوم عن العوامات بين الخطين 1 و23 أي أننا تنازلنا، وعدنا الى الخط الأزرق المائي بحيث يستطيع من خلاله الاسرائيلي، رفع دعوى أمام المحاكم الدولية المتعلقة بقانون البحار، ويعود الى الخط رقم واحد أي يمكنه قضم أكثر من 1430 كلم”، متسائلاً: “هل هذا التنازل يكون مقابل الـ 20 كلم من حقل قانا؟”. وشدد على أن “الأساس في ملف الترسيم، هو المكامن المشتركة بين لبنان واسرائيل تحت المياه، ومن يستخرج أولاً هو الرابح الأكبر على قول المثل (اللي سبق شم الحبق)”.

وأوضح أن “لبنان يستطيع الاستخراج خلال 6 أشهر أو عام على أبعد تقدير وتحديداً من البلوك رقم 4 الغني بالغاز وليس صحيحاً أنه لا يمكن الاستخراج قبل 7 سنوات”، لافتاً الى أن “حزب الله ربما سيعود الى استخدام المسيرات الا اذا طمأن الجانب الفرنسي لبنان بأن شركة توتال ستبدأ بالتنقيب بالبلوك رقم 9 ثم البلوك رقم 4. وبالتالي، الانجاز الوحيد الذي يكون حققه لبنان في هذا الملف باستقدام الشركات الأجنبية للتنقيب في حين أن اسرائيل تمكنت من الحصول على مساحات شاسعة في البحر”.

أما الخبير في الصناعة النفطية ربيع ياغي، فقال: “منذ بداية المفاوضات، ونحن نسمعهم يتحدثون عن شهر وشهرين للوصول الى اتفاق في ملف الترسيم، لكن على الجميع أن يعلم أن الوقت يلعب ضد مصلحة لبنان، لذلك علينا الاستعجال لنستطيع استدراج الشركات للبدء بعمليات الحفر والتنقيب. اسرائيل تلعب لعبة الوقت واستفادت من الوقت الضائع، وأنهت كل التحضيرات العملانية المطلوبة والأنشطة النفطية في حقل كاريش للبدء في الشهر المقبل بعمليات الضخ والتصدير، ونحن لا نزال نحدد البوصلة”.

واعتبر أن “ليس لدينا موقف صارم من الخط 23 وحقل قانا كاملاً خصوصاً أننا تنازلنا عن الخط 29. لبنان قدم طرحه في وثيقة مكتوبة في حين أن هوكشتاين لم يقدم أي رد مكتوب من الجانب الاسرائيلي”، متسائلاً: “ما هو السبب الذي يدفع المسؤولين والمعنيين بالملف الى هذا التفاؤل؟”.

وأشار الى “أننا في انتظار الرد الاسرائيلي على الطرح اللبناني، لكنني لا أراه سيأتي قريباً على من الرغم الحديث عن أن الأيام المقبلة حاسمة. الاسرائيليون لا يبدون أي حماسة بعكس الطرف اللبناني الذي هو بحاجة الى البدء بالتنقيب، اليوم قبل الغد. هم مرتاحون على وقتهم ونحن محشورون. لا بد أن اللواء ابراهيم لديه معطيات لا نملكها، وهو عندما يقول ان ملف الترسيم لن يطول الى أشهر أو أسابيع بل الى أيام ، يعني أن اسرائيل قبلت بالاعتراف بالخط 23 كما هو وحقل قانا كاملاً. واذا اعترفت اسرائيل بذلك، فلا شك أن التوقيع على الاتفاق سيكون خلال أيام. ما سيحمله هوكشتاين خلال زيارته المقبلة، سيكون حاسماً في ملف الترسيم، والزيارة ربما تكون خاتمة الزيارات المكوكية لأنه في حال الايجابية لا بد أن تتجسد بالوصول الى اتفاق، واذا كانت الأجواء سلبية، فلا ضرورة بعد للتفاوض خصوصاً أن لبنان تنازل كثيراً من الخط 29 الى الخط 23، فيما اسرائيل لم تقدم أي شيء.”

وأوضح أن “لدينا احداثيات أهم من الطفافات أو العوامات في المياه الاقليمية، والأساس باعتراف اسرائيل أن بداية الخط 23 تنطلق من الـb1 بحيث أنها تجاوزت هذه النقطة بمسافة 35 متراً في اتجاه لبنان، وهذا يشكل مساحات شاسعة في البحر. اذا اعترفت اسرائيل بالـb1، وانسحبت 35 متراً باتجاه الجنوب فيكون التفاؤل في مكانه. واذا اعترفت بالحقيقة العلمية والعملية والتقنية بأن الخط 23 هو الخط الفاصل بين لبنان وبينها وبحقل قانا كاملاً مع وثيقة مكتوبة توثق هذه الأمور، يكون الملف في خواتيمه السعيدة في الأيام القليلة المقبلة وغير ذلك، يكون لبنان يقدم التنازل تلو الآخر”.

شارك المقال