بورصة رئاسية وحكومية

صلاح تقي الدين

في الدول الديموقراطية والبرلمانية الطبيعية، يتم تكريس مبدأ تداول السلطة بطريقة سلسلة من دون حاجة للعودة إلى الدستور أو إصدار فتاوى لتفسير بنوده بطريقة مناسبة لهذا الفريق السياسي أو ذاك، لكننا في لبنان نعيش فوضى غير مسبوقة دستورياً وتنعكس على باقي أوجه الحياة اليومية للبنانيين، وتصبح مواعيد الاستحقاقات الدستورية شبيهة بأسهم البورصة ترتفع يوماً وتهبط في اليوم الثاني.

والجديد في هذه البورصة وفقاً لمصادر وزارية، ارتفاع أسهم احتمال التوصل إلى تسوية بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، تنتج تشكيلة حكومية مكتملة الصلاحيات تنزع فتيل ملء الشغور الرئاسي الذي تشي أسهم بورصته بهبوط حاد، على الأقل حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

وقالت المصادر الوزارية لموقع “لبنان الكبير” إن المفاوضات الجارية بين الرئيسين عبر وساطات متعددة “تشير إلى احتمال تعويم الحكومة الحالية والاكتفاء بتعديل بسيط لن يتعدى تغيير اسمي وزيرين وربما اسم وزير واحد”.

لكن المعلومات التي كشفت عنها هذه المصادر، تتناقض إلى حد ما مع ما يتم تسريبه من مصادر رئاسية وحتى مع الكلام نفسه الذي يطلقه “حاكم قصر بعبدا” الذي كانت آخر إبداعاته الكلامية أنه لن يسلّم السلطة في 31 تشرين الأول المقبل إلا إذا كان “يوماً طبيعياً”.

كيف يمكن أن يكون الوضع طبيعياً، والدولار على سبيل المثال لا الحصر لا يتوقف عن تحطيم الأرقام القياسية نسبة إلى الليرة اللبنانية؟ وكيف يمكن أن يكون طبيعياً مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات؟ وكيف يمكن أن يكون طبيعياً بالنسبة الى المرضى الذين يموتون على أبواب المستشفيات أو يتسولون الحصول على الدواء على أبواب الصيدليات؟

لا شيء طبيعياً في لبنان في ظل هذا العهد، وإذا أراد فخامة “الحاكم” أن يتنازل عن طموحاته الشخصية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطموحات صهره “السلطان”، فربما تكون معلومات المصادر الوزارية في محلها وتتشكّل حكومة نهاية العهد في الأيام القليلة المتبقية منه، وهذا ما يجعل أسهم البورصة “الحكومية” مرتفعة، لكن مصادر سياسية مطلعة شككت في إمكان حصول ذلك. وعلّلت تشاؤمها بالمطالب الشخصية لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والذي لن يدفع عمه الى الموافقة على تشكيل حكومة ما لم تكن تراعي وضعه وتسمح له بالاستمرار في “الوجود” السياسي بعد خروج الرئيس من بعبدا.

وأكّدت المصادر السياسية لموقع “لبنان الكبير” أن احتمال تشكيل حكومة جديدة “صعب المنال، لكن التنازل عن مطلب عون وباسيل من خلفه بإضافة ست وزراء دولة إلى التشكيلة الحالية قد يجعل من رئيس الحكومة المكلّف منفتحاً على نقاش تعويم الحكومة الحالية وربما من دون المس بأي من الأسماء التي يقترح استبدالها”.

أضافت المصادر: “إن إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال هي السبيل الوحيد لإنهاء الجدل الذي تسمّيه مصادر بعبدا دستورياً، وربما قد يكون هذا الحل هو الوحيد المتاح حالياً وفي سبيل تحقيقه على الراعي الرسمي للعهد أي حزب الله الضغط في هذا الاتجاه”.

هذه التطورات الحكومية التي رفعت من مستوى التفاؤل لا يمكن أن يطرأ عليها أي تقدّم قبل عودة الرئيس المكلف من رحلته إلى لندن لترؤس وفد لبنان في مأتم ملكة بريطانيا الراحلة أاليزابيت الثانية، ثم إلى نيويورك لترؤس الوفد المشارك في أعمال الدورة العادية لمنظمة الأمم المتحدة، وسيستغرق غيابه عن البلد أكثر من أسبوع، أي لن تكون عودته متوقعة قبل نهاية الأسبوع المقبل.

وفي ما يتعلق بالبورصة الرئاسية، يبدو أن أسهمها لا تزال تتراجع مع شبه إقرار من المعنيين كافة بالوصول إلى الشغور الرئاسي، مع غياب التوافق بين القوى المعارضة على شخصية الرئيس العتيد، ومع المحاولات التي يبذلها النواب التغييريون في الترويج لما أسموه “مبادرة” رئاسية من خلال الزيارات التي يقومون بها إلى مختلف الكتل النيابية.

وكان لافتاً أيضاً الموقف الذي أطلقه البطريرك بشارة الراعي الذي وجّه سهاماً مباشرة إلى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورفض اقتراحه بانتخاب رئيس “مواجهة”، وهو بذلك يميل مجدداً إلى شخصية الرئيس “التوافقي” الذي كان أول من روّج له رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ولاقاه بالمواصفات نفسها رئيس مجلس النواب نبيه بري.

المقامرون في البورصة يغامرون بتحقيق أرباح أو خسارة ثرواتهم، والمقامرون في السياسة اللبنانية إنما يغامرون بمستقبل البلد بأكمله ومستقبل أبنائه. والمقامرون معروف عنهم أنهم في الغالب يتمتعون بكرم حاتمي، لكن المقامرين السياسين في لبنان يتطلعون إلى ما قد يجنوه لأنفسهم من دون أي تطلع إلى ما يفيد الباقين، فعسى أن تتوقف لعبة المقامرة وتستقر أسهم البورصة… على ارتفاع.

شارك المقال