فتوى بتحريم الهجرة غير الشرعية في لبنان!

راما الجراح

لم يعد اللبناني يرى في وطنه إلا سجناً كبيراً، يُجلد فيه معيشياً، اقتصادياً، واجتماعياً بصورة يومية كُلما ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وزادت أسعار المحروقات. نسمع يومياً هتافات على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي تتأوه من سياط الظلم وتنقم على كل مَن أوصل البلاد إلى هذا الوضع الصعب. كل هذا التشاؤم وخيبات الأمل جعلت الكثيرين يفكرون في اللجوء الى الهجرة خارج البلاد مهما كلفهم الأمر، حتى من دون أن يكترثوا للطريقة والتجهيزات الآمنة، يركبون قوارب الموت ليعبروا إلى الضفة الأخرى من المتوسط التي يعتبرونها الملاذ الأخير لما تبقى من إصرار في داخلهم على البقاء على قيد الحياة.

هناك فئة تشفق على حالها وتتضامن مع مصابها، وأخرى ترى في لجوئها إلى هذه الطريقة خطأ كبيراً يجب المحاسبة عليه، ومنهم مَن يعتبر أن الهجرة غير الشرعية هي أقل ما يمكن أن يفعله في ظل قسوة الحياة عليه. هم أنفسهم يرون في هذه الخطوة أملاً كبيراً، فعندما تكون هناك سلطة تسرق من شعبها زهرة شبابه، وتجعله يبكي ويموت أمام أبواب المستشفيات، ولا تؤمن له أبسط مقومات العيش، فلا بد من أن ترى مثل هذه الأفعال.

من هذا الباب، أكد عدد من رجال الدين أنه أصبح من الضروري اصدار فتوى بتحريم الهجرة غير الشرعية لما ينتج عنها من مآس وعدم مسؤولية في التعاطي، ولا شك أن تحريمها يتطلب إصدار فتاوى ناصحة وآمرة وحتى ناهية عن كل ما يدفع المواطن للذهاب الى وجهة أخرى يغلب فيها الخطر على الأمان.

وأوضح الشيخ خالد عبد الفتاح لموقع “لبنان الكبير” أن “لا مشكلة في السفر، وفي بعض الأحيان تحصل أمور طارئة، ولكنها لا تشبه الطريقة التي تحصل في الهجرة غير الشرعية بحيث يرمون أنفسهم في التهلكة، قوارب من دون وقود كافٍ، ولا تجهيزات آمنة، حتى أن خفر السواحل في اليونان ضرب أكثر من مرة الزوارق، فصار الخطر وارداً بقوة”، مشيراً الى أنه “لا بُد من التفرقة بين الأسباب الخارجية التي يمكن أن تشكل خطراً على ركاب الزورق في عرض البحر، أي عندما تكون هناك مخاطر تتعلق بالموج، وأمور لا طاقة للمهاجرين بها لا مشكلة فيها، والأسباب الذاتية أو الداخلية، التي تتعلق بعدم جودة المراكب أو الاستعداد للسفر الطويل بالوقود أو الطعام أو المياه، فهذه جناية عظيمة يتحمل وزرها كُل من يبقون فيها”.

“عندما يكون الخطر ضعيفاً يصبح مثل الخطر في الطرقات، وإلا سنفتي أيضاً بعدم جواز ركوب السيارات” بحسب عبدالفتاح، الذي قال: “نحن نفتي بركوب السيارات ونقول مَن يقوم بالسرعة المجنونة ولو في السيارة هذا حرام لأنه يعرض نفسه للخطر، حتى صار السفر بهذه الطريقة وخفية عن أعين الأجهزة مَظنة الهلاك إلى حدٍ كبير، وحين يصبح هذا الأمر غالباً أو متوقعاً بصورة كبيرة تكون لدينا مشكلة لا بد من علاجها، وما حصل منذ أيام حين توفيت إمرأة وطفلان ورضيعان يتحمل مسؤولية جريمتهم الأب”.

ولفت إلى أنه “على الرغم من الأزمة الصعبة التي يعيشها لبنان إلا أننا لم نسمع حتى اليوم بأي شخص توفى من الجوع، بل يقومون بالبحث عن طرق عدة لتأمين ربطة الخبز وأي شيء آخر. والسفر بُغية الوصول إلى أرض أخرى إذا كان يغلب على الظن السلامة فخيرٌ وبركة، أما أن يكون الهلاك وارداً بصورة كبيرة ومتكررة، فلا بُد من اصدار فتوى فيه”.

ونصح كل اللبنانيين بـ “عدم السفر عبر المعابر غير الشرعية بأي شكل من الأشكال مهما كانت أحوالهم صعبة، فبعض هؤلاء المهربين يترك الناس في وسط البحر ويعود، وإن لم يستطيعوا الوصول إلى البر يموتون في البحر وهذه جريمة قتل كبيرة وحرام شرعاً أن نعرض أنفسنا لذلك”.

وانتقد أحد الناشطين الذي تحفظ عن ذكر اسمه، فكرة التحريم، قائلاً: “قبل أن يطالبوا بإصدار فتاوى لتحريم الهجرة غير الشرعية، عليهم أولاً تحريم المسببات التي جعلت الناس تصل إلى هذه الطرق، وتحريم الاستبداد بكل أصنافه وأشكاله، ولا يمكنهم تحريم هذه الطرق في شرع الله، وهم لا يعلمون بحال هذه العائلات وإلى أي درجة وصلت بها صعوبة الحياة، أو فليتفضلوا بتأمين راتب شهري لها حتى يُصلح الله الحال، فهذه الطريقة غير سليمة للحد من قوارب الموت”.

شارك المقال