لقاء دار الفتوى وطني… الدولة والطائف ولبنان أولاً

هيام طوق
هيام طوق

تتجه الأنظار اليوم الى دارالفتوى حيث دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى لقاء يجمع النواب السّنة في محاولة لتوحيد الموقف ولم الشمل، والعمل للتكامل مع بقية النواب والقوى السياسية بغية المساهمة معاً في اعادة الهيبة والدور الى الدولة ومؤسساتها، بحيث أن الدار كانت عبر تاريخها ولا تزال تقارب الشأن الوطني لا السياسي. وسيتغيب عن اللقاء، النواب أسامة سعد وحليمة قعقور وإبراهيم منيمنة.

وقبل الغوص في قراءة مفصلة حول اللقاء وأهدافه وأهميته، مع رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” الشيخ خلدون عريمط، لا بد من التوقف عند أبرز المحطات واللقاءات التاريخية المشابهة في دار الفتوى، التي شهدت، بحسب ما أوضح عريمط “محطات وطنية مهمة في تاريخها. في عهد المفتي الشيخ حسن خالد وخلال الحرب الأهلية، لعبت الدار دوراً وطنياً جامعاً من خلال القمم التي كانت تعقد في منزل المفتي في عرمون، وعرفت بقمم عرمون، ومن خلال اللقاء الاسلامي الذي كان يعقد في دار الفتوى برئاسة المفتي خالد وبحضور رؤساء الحكومات والوزراء والنواب. كما كان هناك لقاء دوري لوضع حد للحرب الأهلية في لبنان اضافة الى القمم الروحية التي كانت تجمع المفتي خالد مع البطريرك أنطون بطرس خريش وبعدها البطريرك الكاردينال نصر الله صفير ومع الامام موسى الصدر والامام محمد مهدي شمس الدين وشيخ العقل محمد أبو شقرا والمعلم كمال جنبلاط. كان هدف هذه اللقاءات وضع حد للحرب الأهلية التي كانت سائدة في لبنان”.

أضاف عريمط: “كانت هناك لقاءات دورية بين دار الفتوى وبكركي والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى والبطريركية الكاثوليكية والأرثوذكسية، هدفت الى وضع حد للخلافات السياسية بحيث كانت المراجع الدينية تلعب دور توحيد لبنان وإخراجه من الحروب التي كانت تفتعلها بعض الأحزاب والقيادات السياسية. اذاً، في ظل الصراع السياسي والعسكري، كانت المراجع الدينية من دار الفتوى الى بكركي الى مشيخة العقل الى البطريركية الأرثوذكسية والكاثوليكية والمجلس الشيعي، تلعب دوراً في جمع القوى اللبنانية، وإخراج لبنان من الحروب الأهلية العبثية أو حروب الآخرين على أرضنا. اللقاءات الاسلامية – المسيحية أو الوطنية، هدفت الى وضع حد لصراع الميليشيات، وعودة الجميع الى كنف الشرعية اللبنانية المتمثلة في الدولة ومؤسساتها. وفي عهد المفتي حسن خالد أصدرت دار الفتوى ما يطلق عليه الثوابت الاسلامية العشر بمشاركة ممثلي الطوائف الاسلامية والتي أكدت أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه، وشددت على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات وعلى نهوض الدولة. أما في عهد المفتي الشيخ محمد رشيد قباني، فقد حاول وفريقه أن يلعبا دوراً وطنياً لرأب الصدع بين السياسيين اللبنانيي “.

ورأى أن “الصراع في الأساس هو صراع سياسي، ويحاول السياسيون أن يعطوه بعداً دينياً في حين أن المؤسسات الدينية كانت تلعب دوراً وطنياً، وترفض منطق الصراع الديني على الساحة اللبنانية. في هذا الاطار، يأتي هذا اللقاء الذي دعا اليه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، النواب المسلمين في دار الفتوى، والهدف منه وطني بامتياز لأن الدار تاريخياً لم تلعب دوراً طائفياً حتى في ظل الحروب العبثية التي عاشها لبنان، لذلك، لم تتبنّ ميليشيا مذهبية أو طائفية، ورفضت أن تتبنى أي ميليشيا على مدى تاريخها”.

وأكد عريمط أن “هذا اللقاء وطني، لن يطرح الا القضايا الوطنية، وفي حال صدر بيان عنه، سيكون وطنياً بمعنى أن دار الفتوى ليس لديها مشروع سياسي أو مشروع خارج اطار الدولة ومؤسساتها. هكذا، كان تاريخ الدار منذ ولادة دولة لبنان الكبير حتى وقتنا الحاضر. كل الاجتماعات واللقاءات، وإن أخذت طابعاً اسلامياً، لكنها في أبعادها وطنية تهدف الى بناء الدولة ومؤسساتها، لأننا في الدار ليس لدينا مشروع خارج حدود لبنان ولا خارج اطار الدولة اللبنانية، وهاتان مسلمتان أساسيتان. لذلك، فليطمئن الجميع وخصوصاً المشككون منهم إن كان البعض يسعى الى مشروع سياسي أو مذهبي أو طائفي أو كونتوني أو فيدرالي، الى أن دار الفتوى لن يكون لديها الا المشروع الوطني الجامع لكل اللبنانيين، لاسيما أن المفتي دريان عاصر المفتي الشيخ حسن خالد”.

وشدد على أن “المفتي دريان لن يرضى ولن يوافق الا على مشروع وطني، وإن كان هذا اللقاء للنواب السنّة الذي يهدف الى لم الشمل والعمل للتكامل مع بقية النواب والقوى السياسية لنساهم معاً في اعادة الهيبة والدور الى الدولة ومؤسساتها، وتعزيز علاقة لبنان بأشقائه العرب ليبقى بعيداً عن المحاور الاقليمية والدولية وحاضناً لجميع أبنائه من دون تمييز بين منطقة وأخرى أو بين طائفة وأخرى أو بين مذهب وآخر. المسلمون السنّة هم دائماً مع بناء الدولة، وهم أهل الحكم، وأهل الأمة، والأمة تجمع ولا تفرّق، تبني ولا تهدم. لم نفكر يوماً الا بمنطق الدولة ولم نفكر للحظة بمشاريع مذهبية أو طائفية أو أقلوية لأننا كنا ولا زلنا رواد بناء الدولة منذ 1400 عام الى اليوم”.

وأوضح عريمط أن اللقاء الوطني اليوم لن يدخل في التفاصيل أو الدهاليز السياسية “بل يهمه لبنان بجميع فئاته والالتزام بالاستحقاقات الدستورية وبالدستور وبالنظام العام وأن يكون الجميع تحت سلطة الدولة اللبنانية”، كاشفاً بعض العناوين الوطنية التي ستطرح في اللقاء “وتشكل اجماعاً من اللبنانيين: الدولة ومؤسساتها، الالتزام بوثيقة الطائف التي وضعت حداً للحروب العبثية، توطيد العلاقة بين لبنان وأشقائه العرب، دور لبنان على الساحة العربية، اعادة لبنان الى لعب دوره كملتقى للدول العربية، وأن يكون جهد النواب منصباً قبل كل شيء على أن يكون الوطن من أولى الأولويات”.

وأشار الى أن “السعوية تاريخياً لم تنشئ في لبنان ميليشيا ولا تجمعاً طائفياً ليكون ضد الطوائف الأخرى، وكانت دائماً تدعم الدولة كدولة لبنانية جامعة، والشواهد كثيرة من حيث أن الودائع المالية والمساعدات كانت تصرف من خلال الدولة ومؤسساتها. عندما يلتقي سفير المملكة مع بعض النواب أو النواب الذين سيجتمعون في دار الفتوى، يكون هذا جزءاً من اللقاءات الوطنية التي يلتقي فيها السفير مع كل الفاعليات، والهدف منها الحرص على سيادة لبنان ووحدته وعروبته وإخراجه من المستنقع الذي يعيش فيه”.

واعتبر عريمط أن “المسلمين السنّة في لبنان لن يُستضعفوا ولن يهزموا، وقد ينكفئوا لكنهم لن ينكسروا لأنهم هم أصل لبنان وركن أساسي من أركان الوطن. لكن أمام الوضع الذي يمر على البلد، وبعد انكفاء الرئيس سعد الحريري، أصبح هناك نوع من التفكك في المجموعات النيابية، والمقصود من اللقاء لم شمل هؤلاء النواب ليكونوا داعمين للدور الوطني التاريخي للمسلمين. عندما يدعو المفتي الى لم شمل هؤلاء النواب وأن يلتقوا على الحد الأدنى من التوافق بينهم لا ليكون لديهم مشروع أو لأن تلعب دار الفتوى دوراً سياسياً بل لتلعب دوراً وطنياً جامعاً. الهدف تعزيز الدور الوطني في لبنان وليس تعزيز الكهوف المذهبية والخنادق الطائفية”.

ولفت الى أن “التواصل دائم ومستمر بين دار الفتوى وبكركي، وما يجمعهما هو وحدة لبنان شعباً ومؤسسات ليبقى لبنان سيداً، حراً، عربياً مستقلاً، متعاوناً مع أشقائه العرب وأصدقائه في العالم ليعود وطن العيش الواحد ووطن الرسالة في هذا الشرق الذي يعاني من الحروب والويلات والصراعات الدولية على أراضيه بجميع دوله”. ورأى أن “الالتزام بالطروحات يعود الى ضمير النائب ووطنيته وحرصه على ناخبيه. عندما انتخب النائب، انتخب ليمثل الوطن ويمثل الشعب، اذاً هو مؤتمن على مصالح اللبنانيين . دار الفتوى لن تلزم أحداً بموقف ما انما تعمل على لم الشمل وأن يعود كل نائب وكل مسؤول الى وطنيته وضميره وأن يكون أميناً على مصالح الناس وعلى سلامة المجتمع اللبناني واعادة الحياة الى هذا الوطن الجريح.”

وقال عريمط: “لبنان ليس دولة دينية، لا اسلامية ولا مسيحية، انما هو دولة وطنية، وهناك فصل للدين عن الدولة. ما هو دور الدين في الدولة اللبنانية؟ دوره معنوي ارشادي وتوجيهي لا أكثر ولا أقل. النواب الذين لن يشاركوا في هذا اللقاء أو أعلنوا عدم مشاركتهم، يُترك أمرهم للناس وللهيئة الناخبة وللذين ائتمنوهم على أصواتهم. المهمة الأساسية على النائب أن يلعب دوراً وطنياً وألا يكون أسيراً للنظام الذي جاء به على الأساس المذهبي أو الطائفي، لكن نتيجة وضع النظام الطائفي في لبنان، انتخب هذا النائب عن المقعد الاسلامي لأهل السنّة، واذا كان النواب الذين لا يشاركون في اللقاء غير مقتنعين بأنهم يمثلون هذه الشريحة من المواطنين، فليعيدوا الأمانة الى أهلها والا تعتبر نيابتهم في غير مكانها، ولكي لا يوصفوا بصفات لا نريدها ولا نتمناها لهم.”

وأشار الى أن “النواب أحرار في اتخاذ القرار المناسب ان كانوا سيصدرون بياناً أو يكتفون بالنقاش في اللقاء. دار الفتوى لا تلزم أحداً، والمفتي حريص في حال صدور أي بيان على أن يكون وطنياً بامتياز”.

شارك المقال