تشكيل الحكومة أمام شياطين التفاصيل

صلاح تقي الدين

على الرغم من كل الأجواء الايجابية التي سوّق لها خلال الأسبوع الماضي حول قرب تشكيل الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون، إلا أن العقبات التي حكي عن تذليلها لا تزال عالقة أمام تفاصيل تتعلق بوزير من هنا ووزير من هناك حسبما أعلن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في حديث صحافي، وهذه التفاصيل هي الشياطين التي لا تزال تحاول أن تطل برأسها لعرقلة التشكيل.

فبعدما كان الرئيس ميقاتي قد أودع القصر الجمهوري تشكيلة حكومية في التاسع والعشرين من حزيران الماضي، أي في اليوم التالي لانتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها، وجرى تسريبها من دوائر القصر في لعبة مفضوحة هدفها وضع العصي في دواليب ميقاتي، بدأت الشروط العونية – الباسيلية تظهر إلى العلن خصوصاً أن التشكيلة المسربّة حملت ملاحظات الرئيس عون بخط يده.

عندها بدأت التفاصيل المتعلقة بأسماء الوزراء الذين ينوي ميقاتي استبدالهم تخضع لمعايير باسيل وشروطه، بدءاً من اقتراح همايوني لم يجد له طريقاً إلى القبول بإضافة ستة وزراء دولة من السياسيين، والهدف منه تحصين موقع باسيل الحكومي لكي يكون حاكماً متصرفاً في مجلس الوزراء خصوصاً اذا انتقلت إلى الحكومة وكالة مهمة تصريف أعمال الرئاسة في حال الشغور.

وبعد مسألة الشغور الذي يبدو واضحاً أنه واقع لا محالة، تحوّل الاهتمام كلياً إلى مسألة تشكيل حكومة تكون مكتملة الصلاحيات، أي بمعنى أن تكون حاصلة على ثقة المجلس النيابي المنتخب في 15 أيار الماضي، لكي لا يعود هناك من “حجة” دستورية صاغها المستشار الأعلى في القصر الجمهوري تشي بأنه لا يحق لحكومة تصريف أعمال تولي صلاحيات الرئاسة وكالة، ولكي تسقط كل معايير “الفوضى” الدستورية التي تحدث عنها باسيل.

وعند هذا الحد، بدأت محركات “حزب الله” الحكومية بالدوران من خلال ممارسة الضغوط على الفريق العوني – الباسيلي من جهة، وعلى ميقاتي من جهة أخرى، لتسهيل ولادة حكومة جديدة. ومع تبيان صعوبة هذا الأمر وضيق الوقت المتاح، تحوّل المسعى إلى تعويم الحكومة الحالية مع إدخال بعض التعديلات على أسماء الوزراء “المشاكسين” أو غير المنتجين.

وبدأت المحاولات مع ثني الرئيس ميقاتي عن نيته استبدال وزراء الطاقة والاقتصاد والمهجرين، فمع الوزير وليد فياض لم تكن الأمور تسير على ما يشتهي ميقاتي ولا اللبنانيون، بحيث أن تدخله في تحديد جدول أسعار المحروقات ألهب الشارع وجيوب المواطنين، في وقت لم تكن خطة الاصلاح المفروضة والتي يجب أن تبدأ بتعيين الهيئة الناظمة واردة على أجندة فياض المنصاع كلياً لأوامر باسيل ووزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني التي يتضح أنها هي من تتولى تسيير شؤون الوزارة فعلياً لغاية اليوم، ما جعل الكهرباء في أدنى مستوى من الانتاج ولم تعد بيوت اللبنانيين تضاء إلا باليسر القليل، وبات أصحاب المولدات يتحكمون بالتغذية والتسعير على هواهم.

أما بشأن وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين، فالمسألة أصبحت بالنسبة الى ميقاتي مسألة شخصية تتعلق بتهجّم شرف الدين المباشر عليه في حالة لم يسبق لأي حكومة أن شهدت مثلها، فراحت المباحثات تدور حول اسم الوزير الدرزي الذي يجب أن يحل مكان شرف الدين. وأصرّ الرئيس عون على أن يكون هو من يسمّي الوزير الدرزي البديل على اعتبار أن شرف الدين كان يمثّل النائب السابق طلال أرسلان في حكومة تصريف الأعمال، ويجب أن يكون البديل ممن يرضى عنه أرسلان ويستمر بتمثيله على الرغم من خسارته النيابية المدوية، غير أن الاسم الذي طرحه عون كبديل كان اسم الوزير السابق صالح الغريب الذي لقي رفضاً قاطعاً من ميقاتي ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وكان الحل البديل أن يقترح عون اسماً لا يستفز جنبلاط فجرى التداول باسم رجل الأعمال المعروف رمزي سلمان.

واسم سلمان المنشغل بأعماله في قطاع السياحة والخدمات، لقي قبولاً من ميقاتي وجنبلاط حين طرحه عون، غير أن سلمان رفض القبول بمنصب وزاري في حكومة في آخر عهد الرئيس عون، علماً أنه أكّد لموقع “لبنان الكبير” أن أحداً لم يفاتحه رسمياً بمسألة توزيره، فراحت مروحة الأسماء تتوسع لتشمل في من شملتهم اسم الوزيرة السابقة منال عبد الصمد، لكن الأمر المرجح أن يبقى شرف الدين ولا يصار إلى استبداله، لكي تتناقص العقبات أمام ولادة الحكومة.

ويبقى اسم وزير الاقتصاد أمين سلام، الذي حاول مرّات عديدة طرح اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة كبديل عن ميقاتي، فالأخير كان قد وعد نواب عكار في الاستشارات غير الملزمة بأن يعطي هذه المنطقة “الغالية على قلبه” حقها في الحصول على وزير يمثلها إضافة إلى أن طموح سلام يشكّل إحراجاً بالنسبة الى ميقاتي، غير أن لقاءات عديدة جمعت الرجلين ساهمت في تعديل موقف الرئيس المكلف وتنازله عن نيته استبدال سلام.

وفجأة برز على الخط أداء وزير المالية يوسف خليل الذي كان محل امتعاض من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وظهر ذلك جلياً في جلسات المجلس لمناقشة ميزانية العام 2022، فبدأت الأحاديث تدور حول نية بري استبدال خليل بالنائب والوزير السابق ياسين جابر الذي وعده بري بعدما عزف عن الترشح إلى الانتخابات النيابية بمنحه حقيبة وزارية في أول حكومة بعد الانتخابات، على الرغم من أن خليل نفسه قال إنه أبلغ بري عدم قدرته على الاستمرار في أداء وظيفته، فسهل أمر استبداله ولن يشكّل عائقاً أمام ميقاتي.

وتدور في الكواليس السياسية أيضاً مسألة استبدال نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، بحيث يطالب الرئيس عون بأن يكون البديل عنه شخصاً مقرباً منه.

هذه العينة من شياطين التفاصيل، على الرغم من دخول “حزب الله” القوي على خط تسهيل ولادة الحكومة، وعلى الرغم من “تصميم” ميقاتي على “النوم” في بعبدا لحين ولادة حكومته، وعلى الرغم من “الايجابية” التي قد تكون مصطنعة من عون وباسيل، إلا أن التجارب السابقة عموماً، ومع الفريق “العوني” خصوصاً، تجعل المشككين بإمكان تشكيل الحكومة العتيدة أو تعويم الحالية، حذرين في التعاطي مع هذه الأجواء على قاعدة “اليوم خمر وغداً أمر”.

شارك المقال