ايران وروسيا في الفخ الأميركي!

أنطوني جعجع

ايران ليست بخير، لا في الداخل ولا في الخارج، وروسيا ليست بخير أيضاً…

فلاديمير بوتين يعرف ذلك، وأئمة طهران على أعصابهم، وحده “حزب الله” لا يريد أن يقر بأن “المارد” الايراني الذي يروّج له منذ تأسيسه في العام ١٩٨٢، بلغ مرحلة الهبوط من “حلم الامبرطورية”، الى واقع “الكيان العادي” الذي يشبه كيانات الجوار سواء كانت عربية أو أجنبية.

ووحده حسن نصر الله يتصرف وكأن ما يجري داخل ايران ليس سوى “فورة” عادية لا بد أن تنتهي كما انتهى سواها من قبل، وأن الحصار الذي تعانيه من الخارج ليس سوى “كباش” عادي ينتظر من يصرخ أو من يتراخى أولاً.

لكن مكابرة “حزب الله” شيء والواقع شيء آخر، إذ أن ما يجري في الشوارع والمدن الايرانية، هو أكبر من “فورة” وأقل من “انقلاب”، وأن أسبابه ليست حجاباً ملتبساً ولا امرأة ضحية، بل ثغرة انطلق منها الايرانيون سعياً وراء دولة غير دينية أو بالأحرى وراء نظام غير ديني ينفتح على العالمين العربي والدولي ويعيد بلادهم الى الخارطة العالمية دولة اقتصادية مزدهرة وآمنة وديموقراطية.

وقد لا يكون ما يجري في ايران عملاً عفوياً، بل عمل أسهمت فيه قوى خارجية وفي مقدمها الولايات المتحدة التي تضغط لتمرير اتفاق نووي يحد من الانفلاش الايراني في المنطقة، واسرائيل التي تضغط لمنع ايران من حيازة قنبلة نووية أو من اقامة جبهات على حدودها مع كل من لبنان وسوريا.

وليس من باب المصادفة أن ينفجر الشارع الايراني، في وقت دخلت طهران طرفاً في حرب أوكرانيا من خلال تزويد الجيش الروسي مسيرات يحتاج اليها لاحتواء الهجوم الأوكراني المضاد، وفي وقت يهدد حسن نصر الله بضرب حقل “كاريش” الاسرائيلي، ويحط آلاف العراقيين والحوثيين في لبنان، وتحديداً في مناطق “حزب الله”، وفي وقت يبدو العالم “خالياً” أمام الولايات المتحدة التي يبدو أنها تمكنت من تحجيم المارد الروسي في كييف، ومن فرض نوع من الحماية المباشرة وغير المباشرة حول تايوان في مواجهة العملاق الصيني الذي يجيد لعبة الحسابات الدقيقة ولو على حافة الهاوية.

والواقع أن العالم بشقيه الغربي والعربي، بات على اقتناع بأن أي استقرار دائم في المنطقة لن يكون ممكناً مع وجود كيان ايراني يضرب من اليمن الى البحر المتوسط مروراً بدول الخليج وصولاً الى أوروبا وأميركا اللاتينية، وبأن أي استقرار في العالم الغربي غير ممكن مع وجود فلاديمير بوتين في الكرملين.

وما زاد من هذا الاقتناع واستعجله، قيام محور أميركي – فرنسي – سعودي كشريك “مضارب” للنفوذ الايراني في لبنان خصوصاً والمنطقة عموماً، ودعوته لتنفيذ القرارات الدولية لا سيما تلك التي تطاول سلاح “حزب الله”، اضافة الى حاجة العالم الى مادة طبيعية حيوية لم تعد متوافرة في صورة مضمونة الا في شرق البحر المتوسط، وتحديداً في المياه الاسرائيلية وعلى مرمى صواريخ “المقاومة الاسلامية”، معتبراً أن نزع صواعقها لن يكون ممكناً من دون أمرين: اما عبر تسوية مع ايران وهذا ما لم يحصل حتى الآن، واما عبر ضربها من الداخل وهذا ما يحصل الآن… ويبقى السؤال البديهي، ماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” في ظل هذه الأجواء الاقليمية والدولية الضاغطة على كل الصعد الأمنية والعسكرية والاقتصادية والديبلوماسية؟ وأين يمكن أن يتدخل أو يتورط في محاولة منه لتخفيف الضغط عن طهران أو إرغام الأخصام على اعادة حساباتهم وتحريك العامل التفاوضي بدل العامل التصعيدي؟

ليس في الأفق القريب أي جواب واضح أو موثوق، لكن الأكيد أن النصر الممنوع على روسيا في أوكرانيا لن يكون مسموحاً لايران في الشرق الأوسط، أو لحليفها في لبنان، وأن حسن نصر الله، شأنه شأن بوتين، ليس في وضع فضفاض أو في وضع يسمح بخوض مغامرة غير مدروسة في ظل عزلة عربية ودولية شبه خانقة، ووضع محلي يتجه الى انفجار اجتماعي محتمل من جهة والى فراغ رئاسي يجعل “حزب الله” بلا غطاء شرعي من جهة ثانية، خصوصاً مع برلمان مختلط وحكومة مشلولة ومفلسة وحلفاء يتساقطون تباعاً سواء في الانتخابات أو الانقسامات أو التنحيات.

وما زاد من تراكمات “حزب الله”، الدخول السعودي العلني والمباشر على خط الاستحقاق الرئاسي في مكان، ولملمة التشرذم السني في مكان آخر، وإحياء معسكر “الرابع عشر من آذار” في كل مكان، وهو أمر نزع من حسن نصر الله القدرة على استيعاب “المشرذمين” السنة في معركة الرئاسة الأولى.

وقد يرى البعض في هذا المشهد القاتم الكثير من المبالغة، لكن العكس ليس أكثر واقعية، خصوصاً أن ايران هي التي تتلقى الضربات هذه المرة وليس تسديدها، وخصوصاً أن أولوية “حزب الله” اليوم، هي انقاذ مشروعه العقائدي في لبنان قبل الانشغال بمأزق عرابه في طهران وحلفائه في اليمن والعراق وسوريا وغزة دفعة واحدة .

وما ينطبق على طهران ينطبق على موسكو التي وجدت نفسها في أوكرانيا في حرب مع أميركا وحلف الأطلسي، قد تجرها نحو واحد من خيارين: اما الانسحاب كما فعلت في أفغانستان وكما فعل الأميركيون في فيتنام، وهذا يعني عملياً عودة الأحادية الأميركية وسقوط توازن الرعب في العالم، واما اللجوء الى السلاح النووي، وهذا يعني الانتحار الجماعي الذي قد لا يوفر أحداً.

انها الجولة الحاسمة في صراعات ايران مع المنطقة ومع العالم، فاما تخرج منها قتيلة واما تخرج جريحة، والحاسمة أيضاً في صراع الداخل، فاما تسقط كما أسقطت الشاه، واما تقتل نصف شعبها كي يحيا النصف الآخر، لكنها في الحالتين لن تكون كما يشتهي “حزب الله” الذي يعرف أن الشارع في لبنان، كما هي الحال في ايران، بات يملك كل أسباب الانفجار سواء بحراك من الداخل أو بتحفيز من الخارج.

شارك المقال