الترسيم السياسي ايجابي… والعبرة بالنتائج التقنية

هيام طوق
هيام طوق

صحيح أن الجانب اللبناني اعتمد سياسة الصمت في مفاوضات الترسيم الحدودي البحري الا أنه يتحدث عن ايجابية في هذا الملف، وينتظر مسودة اتفاق أو جواباً اسرائيلياً خطياً حيال حدوده وحقوقه الغازية والنفطية، اذ أكد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أن العرض الخطي الذي سيرسله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من المتوقع وصوله الى بعبدا قبل نهاية الأسبوع الحالي.

وتتقاطع مواقف الجهات المعنية بملف الترسيم حول إمكان الوصول الى اتفاق في وقت قريب، ففي حين لفت المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر الى أن اتفاق الترسيم بات قريباً وأن لبنان نال تقريباً مئة في المئة من كل ما طلبه، وتبقى نقاط خلافية صغيرة يمكن تخطيها بسهولة، قدّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أنه سيتم التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، وذلك بعد مداولات واجتماعات عقدها رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لبيد حول هذا الموضوع.

وفي هذا الاطار، أكد الخبير والمستشار في الشؤون النفطية ربيع ياغي أن “أهم نقطة في الترسيم أن تعترف اسرائيل بالخط 23 كخط نهائي لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين جنوب لبنان وشمال فلسطين بأسلوب واضح غير مبهم، اضافة الى حق لبنان بالاستخراج والتنقيب في حقل قانا بصورة كاملة متكاملة بما فيه الجزء الموجود في شمال فلسطين وضرورة تحديد بداية الخط بحيث أن نقطة البداية يجب أن تنطلق من نقطة b1 أو حجر المساحة البري بين شمال فلسطين وجنوب لبنان منذ الانتداب الفرنسي والانكليزي، لكن خلال الاجتياح الاسرائيلي، قضمت اسرائيل حوالي 35 متراً من الأراضي اللبنانية، وبالتالي، استردادها أساس”.

وشدد على وجوب “الاتفاق على هذه التفاصيل التقنية وبصورة واضحة ولمرة أخيرة، وعلى المفاوضين اللبنانيين أن يكونوا على بيّنة من نقطة البداية التي يجب أن تكون b1 براً بخط مستقيم الى الخط 23 بحراً. هذه النقطة أي b1 يتمسك بها الاسرائيليون على اعتبار أنها تطل على منتجعات سياحية لديهم”، معتبراً أن “التوافق على الخطوط العريضة سهل، لكن التفاصيل التقنية هي المهمة والتي يجب دراستها بدقة. تحديد نقطة البداية بحراً التي هي الخط 23 الفاصل بين المياه الاقليمية الاسرائيلية والقبرصية واللبنانية بخط مستقيم غير متعرج وصولاً الى نقطة b1 البرية التي هي حدودنا الرسمية والشرعية”.

وأشار ياغي الى أن “اسرائيل تفاوض على الخط البحري في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكن نريد خطاً يفصل المنطقة الخالصة وصولاً الى نقطة الانطلاق براً التي هي b1. اسرائيل لا تريد ربط التفاوض البحري بالبري، ولكن كي نرسّم الحدود البحرية يجب أن ننطلق من نقطة برية. العدو يحاول الفصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة والحدود الدولية، وهذا أمر ملغوم لأن الانطلاق يجب أن يكون من أول نقطة في البر اللبناني وصولاً الى النقطة الأخيرة في البحر الذي يضم الحدود الاقليمية وامتدادها الى المنطقة الاقتصادية الخالصة”.

وقال: “نحن جئنا بالدب الى كرمنا بسبب غبائنا منذ العام 2007 حين قمنا بترسيم خاطئ للحدود البحرية مع قبرص حيث أن الوفد اللبناني حينها وقع على تراجعات من النقطة 23 الى النقطة 1 جنوباً ومن النقطة 7 الى النقطة 6 شمالاً على الحدود السورية. وبالتالي، تمددت اسرائيل الى النقطة 1 في ظل تراجع الجانب اللبناني”. ولفت الى “ضرورة التصرف بصورة مهنية وحرفية وتقنية لأننا نفاوض على ترسيم حدود بين دولتين وليس ترسيم حديقة بين منزلين”,

وأوضح “أننا لا يمكن التأكيد أن لبنان حصل على مئة في المئة من مطالبه طالما أننا لم نتسلم أي وثيقة خطية. المهم أن يكون هناك وضوح في الاتفاق الخطي من دون الابقاء على أي نقطة ملتبسة بحيث أن الخط المستقيم هو الذي يصل بين نقطتين، ونحن لدينا نقطة بحرية هي الخط 23 ونقطة برية اسمها b1 يجب وصلهما ببعضهما البعض بخط مستقيم بكل بساطة”.

وتحدث عن “ضرورة التنبه الى المكامن النفطية المشتركة بين لبنان واسرائيل تحت البحر لأن منطقة الجنوب جيولوجياً وحسب المسوحات واعدة جداً أي بلوكات 8 و9 و10 كما منطقة شمال فلسطين التي حصلت فيها الاستكشافات. حقل كاريش يبعد 4 كلم عن الخط 23. هذا ما يجب أن تلحظه وثيقة الاتفاق في حال تم التوصل اليها بحيث يسري تطبيق القانون الدولي على المكامن المشتركة، اذ أن كل طرف يأخد حصته من المكمن بحسب النسبة المئوية من وجوده في هذا الجانب أو ذاك بمعنى أنه اذا تواجد 70 في المئة من المكمن في الجانب اللبناني يعني أن لبنان يأخذ ما نسبته 70 في المئة من انتاجه واسرائيل 30 في المئة، وذلك بغض النظر عن الجهة التي اكتشفته. الشركات لن تقبل العمل في الحقول النفطية اذا لم يكن هناك ترسيم واضح، وتلكؤ شركة توتال وتراجعها عن البلوك رقم 9 نتيجة النزاع على الحدود”.

واعتبر أن “اسرائيل تفرض سياسة الأمر الواقع وكما تقوم بعملية القضم في البر كذلك تفعل في البحر. من الخطأ التفاوض على قاعدة المناورة بحيث لا تراجعات في الحدود البحرية والثروات الطبيعية”، لافتاً الى أنه “في حال تضمن الاتفاق تحديد نقطة البداية براً b1 والنهاية بحراً الخط 23، والاتفاق على المكامن المشتركة في البحر وتطبيق القانون الدولي عليها بحيث تتلاءم الحصة من المكمن مع نسبة تداخله الجغرافي لهذه الجهة أو تلك، يكون لبنان حقق شيئاً ايجابياً، وبدأنا برحلة الألف الميل في الطريق الصحيح، وانتهينا من المشكلات على الحدود، وغير ذلك نكون تنازلنا كثيراً خصوصاً أن التفاوض اليوم سياسي أكثر مما هو تقني بحيث أن الاحداثيات هي الأهم، ولا أحد يمكن أن يقوم بهذه المهمة الا الجيش اللبناني كي لا تعود حليمة لعادتها القديمة”.

أما من الناحية القانونية، فأشار الخبير الدستوري سعيد مالك الى أنه “عملاً بأحكام المادة 52 من الدستور، من يتولى التفاوض في شأن ترسيم الحدود هو رئيس الجمهورية الذي يوقع على الاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح هذه الاتفاقية مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء، واضافة الى ذلك، كون هذه الاتفاقية لا يمكن فسخها سنة فسنة، فيجب أن تنال موافقة مجلس النواب. وبالتالي، من يبرم الاتفاق بصورة نهائية هو مجلس النواب”، موضحاً أن “هناك مراحل، تبدأ بالتفاوض ثم بتوقيع الاتفاق وتصديق الاتفاق وإبرامه في مجلس الوزراء، وفي المرحلة الأخيرة موافقة مجلس النواب عليه”.

وأوضح أنه “في حال كان هناك رئيس دولة وحكومة تصريف أعمال، باستطاعة الحكومة أن تبرم هذه الاتفاقية كون القرار الأخير يعود الى مجلس النواب، لكن لا يمكن لحكومة تصريف أعمال أن توقع الاتفاقية عن رئيس الجمهورية. هذا يخرج عن سياق تصريف الأعمال وعن الصلاحيات التي تنتقل الى الحكومة نتيجة الفراغ الرئاسي. وفي حال كانت حكومة كاملة الصلاحية ، باستطاعتها ذلك، لأن الاتفاقية ستنتقل الى مجلس النواب لابرامها والتوقيع عليها”.

شارك المقال