جلسة الرئاسة… تحضيرية استطلاعية لمرحلة صدامية؟

هيام طوق
هيام طوق

انطلقت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية كما كان متوقعاً أي جلسة مكتملة النصاب، بحضور 122 نائباً من أصل 128، لكن بلا رئيس بسبب عدم قدرة أي جهة ان كان من الموالاة أو المعارضة على ايصال شخصية من دون التوافق المسبق عليها، اذ بدا التشرذم واضحاً من خلال التصويت حتى في صفوف القوى السيادية التي كانت على تواصل للتوافق على اسم أو على الأقل للتنسيق في توحيد الموقف في الجلسة، لكن بدا أن النواب التغييريين يغردون خارج السرب اذ اقترع عدد منهم لسليم إده فيما صوّتت أحزاب “القوات” و”الكتائب” و”اللقاء الديموقراطي” وعدد من المستقلين للنائب ميشال معوض، بينما صوّتت قوى الموالاة بورقة بيضاء لأنها هي أيضاً ليس لديها مرشح موحد كما أنها لم تصوّت لسليمان فرنجية تفادياً لاحراجه بسبب حصوله على عدد قليل من الأصوات كما قال أحد المراقبين.

إذاً، كل الاستعدادات اللوجستية كانت جاهزة، الا أن الاستعدادات التوافقية كانت الغائب الأبرز فيما كانت الأوراق البيض الحاضر الأكبر بحيث جاءت النتيجة على الشكل التالي: ورقة بيضاء: 63، ميشال معوّض: 36، سليم إده: 11، لبنان: 10، نهج رشيد كرامي: 1، مهسا أميني: 1.

وفيما انتهت مرحلة التصويت من الدورة الأولى من دون إنتخاب رئيس جديد، ورفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجلسة بعد فقدان النصاب من دون تعيين موعد جديد للجلسة المقبلة، كان لافتاً انطلاق عملية الفرز بورقة تصوّت للبنان على أمل ان يتفق النواب في ما بينهم من أجل لبنان أولاً وأخيراً، لأن التكتلات المتعددة والمشتتة ستكون الدافع الأكبر نحو الشغور الرئاسي المتوقع. ولعل ما قاله الرئيس بري في ختام الجلسة بأنه “اذا لم يحصل أي توافق فلا يمكننا أن ننتخب لا رئيس ولا مجلس نيابي ولا لبنان، وفي المرة المقبلة حين أشعر أنه يمكن أن يحصل توافق، سأدعو فوراً الى جلسة ثانية”، دليل على أن الدعوة الى جلسة مقبلة ستتأجل الى أجل بعيد في حال استمر المشهد النيابي على ما هو عليه. وهنا سأل النائب نديم الجميّل عن موعد الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، فجاء ردّ الرئيس بري: “ما بيخلوك تحكي بالكتائب بتجي بتحكي هون؟”.

وبعدما أعلن النائب وليد البعريني أنّ التصويت لجلسة إنتخاب رئيس للجمهورية سيكون عبر اسم جديد، تبيّن مع بدء فرز الأصوات برزو إسم “لبنان”، وبهذا يكون المرشّح الرئاسي لتكتّل “الاعتدال الوطني” وعدد من النواب السنة هو لبنان .

الجلسة التي انطلقت بعد تلاوة المواد الدستورية، وتوزيع الأوراق والمغلفات على النواب لبدء عملية التصويت عبر مناداة النواب الى الصندوق لاسقاط أوراقهم فيه، تغيب عنها النواب: فؤاد مخزومي، نعمت افرام، ابراهيم منيمنة، نجاة عون صليبا، سليم الصايغ وستريدا جعجع، لكنها لم تخلُ من بعض الهفوات والنهفات، إذ سأل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الرئيس بري: “هل من الضروري أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً مارونياً وفق القوانين التي تلاها الأمين العام لمجلس النواب في بداية إنطلاق الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية؟”. فرد عليه بري: “هذا عرف وشكلك طمعان فيها”. أما النائب فريد الخازن، فسأل عن سبب غياب الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، فأجاب بري: “أنا قلتلو مش ضروري تشرف”.

وبعدما سادت الفوضى أثناء توزيع الأوراق للبدء بانتخاب رئيس للجمهورية، توجه بري إلى النواب، قائلاً: “شو قاعدين بقهوة؟”. كما لوحظت دردشة استمرت لبضع دقائق جمعت “على الواقف” النائب جورج عدوان بالنواب ابراهيم كنعان وسيزار أبي خليل وجورج عطا الله بالاضافة الى سماع عدوان ينادي النائب ميشال معوض president، فعلّق النائب هادي أبو الحسن ممازحاً: “إيه خلّيه يعيشها”. وبالتزامن مع الجلسة، ظهر ميلاد أبو ملهب الرجل المعروف دائماً بتصرفاته الغربية داخل مجلس النواب، في مشهد ليس بجديد، وكان قد أعلن ترشّحه للانتخابات النيابية للعام 2022.

وبعيداً عن مجريات الجلسة من ناحية الشكل، كيف يقرأ النواب ما خلصت اليه؟

أكد النائب الياس حنكش أن “الجلسة كشفت اصطفاف الكتل، وكانت بمثابة بروفة، لكن العمل جار لتقريب وجهات النظر بين كل قوى المعارضة للتوافق على اسم. هناك واقع على الجميع أن يتعاطى معه بانفتاح وموضوعية. واذا كانت قوى التغيير لا تريد اسماً من داخل الاصطفاف السياسي، فنحن نقول اننا منفتحون على كل قوى المعارضة، ولا نرفض أسماء من خارج الاصطفاف السياسي، لكن نريد اختيار اسم يتحلى بالمواصفات التي وضعناها ليحظى بالأصوات اللازمة للوصول الى سدة الرئاسة”.

ولفت الى “أننا لا نعرف ما هو معيار التوافق عند الرئيس بري خصوصاً أنه قال في السابق انه لن يدعو الى جلسة اذا لم يلمس حداً أدنى من التوافق، ودعا الى الجلسة على أمل أن تنتج الفترة الفاصلة عن الجلسة المقبلة الأجواء التوافقية. ثم ليس من الضروري أن يكون هناك اجماع على اسم رئيس ليدعو رئيس المجلس الى جلسة لأن من واجباته الدستورية الدعوة الى عقد جلسة كما من واجباتنا كنواب الحضور”.

أما النائب زياد حواط فرأى أن “الأهم من خلال هذا الاستحقاق الدستوري الديموقراطي، ايصال رئيس سيادي واصلاحي لاخراج لبنان من هذا النفق المظلم”، مشدداً على “ضرورة اجماع القوى المعارضة كافة على مرشح واحد يكون قادراً على مواجهة المشروع التدميري للبلد.”

ووصف جلسة الامس وكأنها “جلسة تحضيرية استطلاعية”، مؤكداً “أننا نسعى بعيداً عن الأنانيات والحسابات الضيقة الى دعم أي مرشح يمثل الثوابت والخيارات وخارطة الطريق التي وضعناها لاخراج لبنان من محنته”. وتمنى خلال هذه المرحلة قبل الجلسة المقبلة “أن نتوحد حول اسم والا فليتحمل كل نائب مسؤولية خياراته واضاعة الفرصة الذهبية لانقاذ لبنان”، معتبراً أنها “الفرصة الذهبية لاعادة وضع البلد على السكة الصحيحة، واذا أضاع نواب المعارضة هذه الفرصة، فهم يتحملون مسؤولية تدمير لبنان”.

وشدد على “أننا لم نتمسك بترشيح رئيس الحزب سمير جعجع ايماناً منا بأن المشروع أهم من الشخص، وعلى الآخرين أن يحذوا حذونا ولنتوحد حول اسم. نحن لسنا متمسكين بأي اسم لكن نريد بعض التواضع من الآخرين لأن لبنان أهم من الجميع وانقاذه أهم من الأسماء”، مشيراً الى أن “على الرئيس بري أن يدعو بصورة دائمة الى جلسات انتخابية، وواجب النواب أن يتكاتفوا لدعم مرشح كي يصل الى بعبدا، خصوصاً أن البلد لم يعد يحتمل الفراغ والتسويات والتعطيل. التعاطي مع الاستحقاقات الدستورية وكأن البلد بألف خير، أمر مدمر ويتحمل مسؤوليته النواب. علينا أن نقف وقفة وطنية تجاه الناس التي انتخبتنا. أين هو ضمير النواب في ظل الاذلال الذي يعيشه الشعب؟”.

وقال النائب رامي فنج: “الجميع استطلع الأجواء الرئاسية في الجلسة، واستشرف توجه الأمور في المرحلة المقبلة. انها بروفة لتموضع القوى السياسية. نحن كقوى تغييرية قدمنا مبادرة وطرحنا اسماً انطلاقاً من مبادرتنا، لكن ربما الدعوة المفاجئة الى الجلسة لم تسمح باستكمال النقاش والحوار مع القوى الأخرى للتوافق على اسم”. ورأى أن “الجلسة فتحت صفحة جديدة في التحاور، وطريقة مختلفة في التعاطي للتوافق على اسم”، مرجحاً “التوافق على رئيس سيكون في وقت قريب، وأعني بالتوافق لمصلحة لبنان وليس لمصلحة فئة قبل أن نصل الى الانهيار الكبير. واذا لم نتوافق يكون على الدنيا السلام”.

شارك المقال