بين 2016 و2022… سقوط نظرية الرئيس القوي

هيام طوق
هيام طوق

أخفق مجلس النواب أول من أمس في انتخاب رئيس للجمهورية بعد تعذر حصول أي مرشح على ثلثي أصوات النواب في الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس، ولم يتمكن المجلس من عقد دورة ثانية بعد فقدان النصاب الدستوري.

قراءات وتحليلات الجلسة الانتخابية التي جاءت مباغتة للنواب، كثيرة ومتناقضة بصورة تتلاءم مع سياسة القطبين الأساسيين المتعارضين الا أن الجميع اعتبرها بمثابة بروفة أو جولة استطلاعية للجلسات المقبلة المتوقع عقدها قبل 31 تشرين الأول المقبل أي نهاية الولاية الحالية، بحيث كلما اقتربنا من هذا التاريخ تصبح الصورة أكثر وضوحاً والخيارات أكثر جدية خصوصاً أن عدداً كبيراً من المراقبين اعتبر أن النواب تعاطوا مع الجلسة الأهم من جلسات البرلمان بكثير من الاستخفاف وعدم الجدية والانضباط في حين تقع عليهم مسؤولية انقاذ البلد من خلال انتخاب رئيس يقود السفينة الى بر الأمان في السنوات الست المقبلة، والكل يعلم جيداً أن أي هفوة أو خطوة غير مدروسة كالسماح بحصول الشغور ستكون كارثية.

وأبرز ما خلصت اليه الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس أن هناك صعوبة في توافر غالبية الثلثين مع فريق سياسي واحد، كما أن لعبة افقاد النصاب في الدورة الثانية سيتبادلها الطرفان السياسيان بغية عدم السماح لأي جهة بايصال مرشحها الى القصر الجمهوري، ما يعني أنّ الفراغ سيكون سيِّد الموقف بانتظار الظروف التي تسمح بالتوافق على اسم الرئيس بعد ضوء أخضر من الخارج .

على أي حال، يرى بعض المحللين أن انتخابات 2022 الرئاسية تختلف كثيراً عن استحقاق 2014 الذي أدى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016 على اعتبار أن الأكثرية في الاستحقاق السابق كانت بقيادة “حزب الله” الذي تمكن من خلالها من فرض ما يريد على من معه وحتى على خصومه السياسيين، فيما اليوم انتقل من موقع الفرض الى موقع الرفض بحيث أنه قادرعلى تعطيل وصول رئيس جمهورية من الفريق الآخر الذي يخاصمه، وهذا ما فعله عملياً من خلال الأوراق البيض الـ 63. مع التأكيد أن الاستحقاق اليوم يأتي بعد تجربة أثبتت فشلها اذ في العام 2016 كان هناك تسويق لنظرية الرئيس القوي مترافقة مع بعض الهرطقات الدستورية، أي كانت هناك محاولة لفرض عرف أن الأقوى في طائفته يجب أن يكون رئيساً للجمهورية. هذه النظرية لم تعد واردة ولا يمكن أن تتكرر بعدما أثبتت فشلها، اضافة الى أن هناك حرصاً دولياً على استقرار لبنان وعدم اهتزاز الأوضاع جراء الأزمة المالية والاقتصادية، وبالتالي، الضغط على اجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده من دون نسيان الاحتضان العربي للبنان في تلك الفترة، وهذا ما يفتقده اليوم.

وفي هذا الاطار، اعتبر النائب أديب عبد المسيح أنه “خلال الاستحقاق الرئاسي السابق كانت هناك فورة اسمها التيار الوطني الحر فرضت نفسها، وحصلت التسويات أما اليوم فلا تسويات ولا يمكن لأي طرف رئيس أن يمون على الآخر. وأكثر من ذلك، لن تحصل التسويات ولا يمكن اتخاذ الخيارات الخاطئة مهما كان ثمنها في الاستحقاق الرئاسي المقبل، اضافة الى أننا نشهد اختلافاً اليوم في صفوف المعارضة نفسها كما في صفوف الموالاة بعكس الاستحقاق الرئاسي السابق حين كانت هناك أكثرية بقيادة حزب الله قادرة على فرض رئيس. اليوم، لا أكثرية، وحزب الله غير قادر على فرض رئيس بل يفرض التعطيل، وما حصل في الدورة الثانية امس (الأول) خير دليل بحيث أن الثنائي الشيعي أفقد النصاب. التعطيل سيكون سيد الموقف الى حين تبلور النقاشات والتواصل بصورة أفضل”، مشيراً الى أن “الوضع على المستوى الخارجي، يختلف اليوم عما كان عليه سنة 2016، اذ نعيش حالياً في عزلة عربية، وهذا الأمر الخطير، أما سنة 2016 فكان العالم العربي يحتضن لبنان. وبالتالي، المجتمع العربي ليس مستعداً للتدخل بأي تسوية طالما هناك فئة تتحكم بالسياسة اللبنانية على هذا النحو.”

أما الوزير السابق فارس بويز فلفت الى أن “نظرية الرئيس القوي بالمفهوم الشعبوي الطائفي ليست موجودة في الانتخابات الرئاسية اليوم كما أن ما من مرشح شبيه بالرئيس ميشال عون الذي كان يحظى بشعبية مسيحية حاسمة، والساحة المسيحية منقسمة بين أطراف متعددة، ولا تسمح بفرض رئيس حاسم”، مؤكداً أن “لا أحد من الفريقين قادر اليوم على فرض رئيس من دون التوافق. هذه هي خارطة هذا المجلس وتوازناته وخارطة البلد حتى لو فرضنا أن هناك فريقاً نجح في فرض رئيس، لن يستطيع هذا الرئيس أن يحكم لأنه سيكون رئيس تحد ويمثل فريقاً معيناً”.

ورأى أن ” جلسة انتخاب الرئيس بروفة أو جلسة افتتاحية للمعركة الرئاسية، ولا بد من اجراء اتصالات بين القنوات المختلفة للتوصل الى تفاهم حول رئيس يحظى بعدم رفض القوى كافة”.

وأشار النائب السابق عاصم عراجي الى أن “الاستحقاق الرئاسي لسنة 2022 يختلف عن استحقاق 2016 خصوصاً لناحية تركيبة البرلمان، اذ حينها كانت هناك كتل وازنة وكبيرة ولها رأيها ومنها كتلة المستقبل في حين أن النواب السنة غير موحدين اليوم على الرغم من أن دار الفتوى جمعتهم. وبالتالي، لن يكون دورهم فاعلاً كما لو كانت هناك كتلة واحدة ومتماسكة”، مشددا على أن “ما من جهة اليوم قادرة على فرض رئيس بعكس انتخابات 2016، والجلسة الانتخابية الأولى والأوراق البيض توحي بأننا ذاهبون الى الشغور”.

ولفت الى أن “التغيرات على الصعيد العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط، تنعكس على وضعنا الداخلي، وبتنا كرسائل بريد، وستؤثر سلباً على الاستحقاق الرئاسي الذي كان ولا يزال يطبخ خلف البحار أو يكون الخارج العامل الأساس في اتمامه. كلمة السر ربما لم تصل، لذلك لم نشهد انتخاب رئيس، وفي حال استمر التعقيد على المستوى الاقليمي والدولي لن تصل كلمة سر انتخاب الرئيس الجديد”.

 

 

 

شارك المقال