تجارب قوارب الموت: من لا بر له… لا بحر له

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من مخاطرها واكتشاف ذلك بالتجربة المرة، يستمر اللبنانيون بالتفكير في الهرب من الجحيم، في قوارب الموت، فربما ينقذون أنفسهم بعدما تركوا لقدرهم البائس، يحترقون في نار الغلاء والسرقات والكذب والنهب ويفتقدون الى الضوء والدواء والخبز وتهتك كرامتهم يومياً، فالبحر أمل قد ينقلهم إلى دولة تحترم الانسان وتوفر له عيشاً كريماً، وتكون أرحم من عهد إستقوى فيه الصهر ودعا رئيسه كل من لا يعجبه العيش في جهنم الى الرحيل.

اليأس من الوطن دفع عائلات وشباباً إلى مغامرة غير “محسوبة”، فهم على الرغم من ادراكهم صعوبة الهجرة بحراً، لكن أملهم بحياة كريمة جعلهم يغامرون بأنفسهم بعد بيع أملاكهم وذهبهم وما تبقى للهرب وكأنهم يشترون موتهم أو يندفعون نحو الانتحار للخلاص من ذل العيش في لبنان.

من الواضح أن قوارب الموت لن تتوقف فكل يوم تكتب مأساة جديدة، الكوارث لا تنتهي، ولا شيء في الأفق سوى الفراغ. لا أمل في وطن تسيطر إيران على بره وبحره وسلطة فاسدة لا تخجل من أفعالها القاتلة وتدمير ما تبقى، إذ يبدو أن الحزب المرشد نجح في إسقاط الدولة ونشر الفوضى بعد أن إستخدم السلاح والتحريض والتخوين والتكفير.

الفوضى التي يعيشها اللبنانيون في برهم، تقابلها فوضى في بحرهم، فظاهرة الفلتان معممة براً وبحراً، إذ طغت على المشهد الأمني والسياسي عمليات تهريب البشر وهي في حكم الجريمة، والواضح أن اللبنانيين ومن يعيش في جحيم هذا البلد من سوريين وفلسطيينين يواجهون قدرهم الأسود، يهربون إلى البحر، من دون أن يفكروا ملياً بما قاله الشاعر محمود درويش ذات يوم و”من لا بر له لا بحر له”.

وفق متابعين فإن “مشكلة تهريب البشر ليست جديدة في لبنان، لكن خروج المهاجرين منه كان يجري سابقاً عبر المطار بأمان، من دون مخاطر، ومعروف أن عمليات التهريب سلسلة مترابطة بين الداخل والخارج عبر شبكات مافيا عالمية تقوم بدراسة النواقص والخواصر الرخوة في الدول التي يمكن أن يكون الأمن فيها ضعيفاً وتكون ملاحقة المهاجرين صعبة عليهم ومن هنا يعمل المهربون للاستفادة المالية الكبيرة، لكن في لبنان هذه الشبكات الموجودة بدأت عملها من دون دراسة وانتشرت بسرعة بعد الانهيار الاقتصادي، وبدأت كظاهرة في العام 2019 مع تصاعد التحركات الشعبية، وكان الوضع الاجتماعي والاقتصادي السبب الطاغي للهجرة. ما كشفته لنا الأحداث الأخيرة أن عمليات الهجرة عبر البحر، منظمة، على الرغم من محاولات القوى الأمنية منعها وملاحقة المهربين وحصول صدامات واعتقالات. وجاءت حادثتا المركب الذي انطلق من القلمون شمالاً وغرق قبالة شاطئ طرابلس والمركب الذي غرق قبالة شاطئ طرطوس أخيراً بطريقة غير طبيعية لتكشفا حجم إجرام المهربين، فالمركب تعطل والمهرب لم يهتم وحمل أكثر من طاقته وأدى تلاطم الأمواج الى غرق الركاب بينما نجا البعض بأعجوبة، مما طرح الكثير من التساؤلات، لماذا التهريب من طرابلس علماً أن طول شاطئها الصغير لا يتجاوز الثلاثة كيلومترات، لكن الشاطئ الشمالي من جنوب طرابلس أو شمالها كبير وبالتالي العمليات تتم من هذه المناطق؟”.

ويشير المتابعون الى أن “عصابات التهريب توهم الناس بالهجرة بواسطة يخت كبير حتى أنها ترسل لهم صوره وتقبض الأموال بالدولار ثم تجمع المهاجرين في محميات صغيرة قبل نقلهم الى البحر بواسطة مراكب صغيرة، مبررة الأمر بأن اليخت لا يستطيع الرسو بصورة ظاهرة على الشاطئ خوفاً من الملاحقة الأمنية، وعندما يصبحون في البحر يتبين للمهاجرين الحالمين أن اليخوت مختلفة وغير صالحة ومعرضة للخطر وليست مجهزة ولا محمية”.

وبحسب المتابعين فان “عمليات الاغراء من مافيات التهريب المنظمة تتكشف عن صورة أخرى عندما يبدأ تهديد الناس وعائلاتهم ويجري منعهم من الخروج كي لا تكشف عمليات الكذب والخداع التي يمارسها المهربون في الأوساط الشعبية وتقديم الشكاوى بحقهم الى القوى الأمنية. وبالتالي يتحول هؤلاء المهاجرين الى لقمة سائغة في فم المهربين، اذ لا يمكنهم استرجاع أموالهم ويجبرون على قبول السفر وفق شروط غير آمنة. وقامت المافيات بدعايات لها عبر الترويج الاعلامي لمن استطاع من المهاجرين الوصول الى دول أوروبية، سواء ايطاليا أو اليونان أو قبرص أو مالطا، لتشجيع المزيد من العائلات والشباب على الهجرة وتصوير الأمور بأن النجاح ممكن والنجاة من جهنم حاصلة، لذلك شهدنا اقبالاً على التسجيل وحماسة للهجرة عبر هذه الطرق غير الشرعية، وهنا سر هؤلاء المهربين الذين يبنون شبكات كاذبة مع أشخاص يستغلون الناس ويقبضون مبالغ عالية قد تصل الى 8000 دولار، فيغامر من يريدون النجاة من لبنان بأموالهم طمعاً بحياة كريمة في المهجر بدل الموت في وطن ينهار ولا مستقبل لهم فيه لحماية أبنائهم”.

ورداً على سؤال عن سبب التركيز في موضوع الهجرة على طرابلس في الوقت الذي يعيش فيه كل لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة؟ يجيب المتابعون: “يسلط الضوء على طرابلس على الرغم من خروج مراكب من مدن لبنانية أخرى، كونها المنطقة الأفقر والأضعف والكثافة السكانية فيها تجبر الكثيرين مما لا يجدون عملاً على التفكير في الهجرة والمغامرة بمصير مجهول عنوانه الموت، وكثيرون يغرر بهم من المافيات ويعيدون تجارب فاشلة، لعلهم يكونون محظوظين ويصلون الى بر أمان”.

ويلفتون الى أن “مافيات تهريب البشر تتمتع بغطاء سياسي، فحتى اليوم كل التحقيقات لم تتقدم ولم يتم إلقاء القبض على مهرب أو تحميله المسؤولية في الوقت الذي يزدهر فيه نشاط هذه المافيات بطريقة لافتة، نتيجة الطلب المتزايد على الهجرة. والملاحظ أن طرابلس دخلها حزب الله عبر المساعدات الاجتماعية وتجنيد مجموعات فيها لصالحه، ومن هنا يمكن القول ان هناك تآمراً لاسقاط طرابلس واجراء فرز ديموغرافي، وهذا ما يجري عادة في العالم عبر الحرب والتهجير كما حصل في سوريا وفي السلم عبر الفرز والسماح بالهجرة، فيتحول المهاجرون إلى لعبة في يد المهربين المرتبطين بقوى سياسية”.

ويتساءل المتابعون عن “مغزى تشجيع إخراج مهاجرين سوريين وفلسطينيين من لبنان في وقت تصل فيه عشرات الطائرات العراقية الى لبنان في يوم واحد وقد يلحق بهم الايرانيون وغيرهم، ويتسوقون من السوبرماركت بحاجيات ليست من مطالب السياح، من دون رقابة؟ وهنا يمكن ملاحظة أن النظام السوري يسهل هجرة السوريين وله ارتباطات بمافيات، فليس صدفة تهجير أبناء طرابلس في مراكب الموت، ولم يكن حدثاً طبيعياً قيام الخفر الروسي باستخدام لبنان كممر عبور لمراكب الموت نحو أوروبا من أجل الضغط عليها ودعم موسكو لليمين الأوروبي من أجل قلب الشعب على حكوماته حتى تسكت عما يفعله في أوكرانيا”.

 

شارك المقال