هل يستمر التوافق الجنبلاطي – القواتي على معوّض؟

صلاح تقي الدين

لم تكن السياسة يوماً عند وليد جنبلاط جامدة بل كانت وستظل متحركة دوماً ويبني مواقفه بناء على التطورات والمؤشرات التي يقرأها جيداً باعتراف الخصوم والأصدقاء، وهو على الرغم من اختلافه مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع حول بعض طروحات الأخير في السياسة الداخلية، إلا أنه التقى معه على دعم ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه عقب المقابلة التلفزيونية الأخيرة لجنبلاط هو ما إذا كان هذا التوافق سيظل مستمراً في ضوء الأسئلة التي ينتظر جنبلاط من معوض الاجابة عنها؟

لعل جنبلاط كان أول من طرح مواصفات الرئيس الذي سيخلف الرئيس ميشال عون بعد انتهاء ولايته في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري عندما أعلن في مقابلة تلفزيونية في 18 آب الماضي عبر القناة العاشرة الأردنية: “نحن في الحزب التقدمي الاشتراكي وفي اللقاء الديموقراطي نريد رئيساً يملك برنامجاً إقتصادياً إجتماعياً واضحاً من أجل أن نقتنع وأن نصوّت له”، مضيفاً: “كل من هو مرشح أو لديه إمكان أن يكون مرشحاً في مكانٍ ما ينتظر، من سيأتي لا أدري، لن نصوّت كلقاء ديموقراطي إلا للذي سيتقدم بمشروع وببرنامج واضح سياسي اقتصادي اجتماعي إصلاحي”.

ولفت جنبلاط إلى أن “على رئيس الجمهورية أن يتمتع بالحد الأدنى من النظرة الاصلاحية للنظام اللبناني سياسياً واقتصادياً”، معتبراً أن “لبنان القديم الذي يتمسك به البعض، لبنان الطائفي والمذهبي انتهى وهو على مشارف الهاوية، لبنان القديم الذي هو المصارف والخدمات والسياحة أيضاً هذا لبنان مزور، ليست هذه حقيقة، فغالبية اللبنانيين الذين يرزحون تحت خط الفقر يريدون مطالب أساسية مثل الكهرباء والمياه وغيرها من الأمور للعيش الكريم”.

ثم عاد جنبلاط وكرّر المواصفات التي يعتقد أنها يجب أن تتوافر في رئيس الجمهورية المقبل عقب لقائه سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بخاري، فدعا إلى “ضرورة انتخاب رئيس وفاقي”، مشيراً إلى أنه ركّز خلال اللقاء “على ضرورة الاتفاق على مرشح رئاسي للقوى السيادية، وعلى برنامج واضح يستطيع لبنان من خلاله العبور من الأزمة”.

وانطلاقاً من ذلك، التقى جنبلاط مع جعجع على دعم ترشيح النائب معوض، على اعتبار أنه يرى فيه المواصفات المطلوبة والتي تتلاءم مع طروحاته، وعاد وشدّد خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع محطة “أل بي سي” على أنه لا يعتبر معوض مرشّح تحدٍّ حتى لو اعتبره “حزب الله” أو غيره كذلك، مشيراً إلى أنه “يحق لنا أن نرشح أحداً أبوه استشهد من أجل الطائف”.

‎وشدد جنبلاط على أن “ميشال معوض مرشح اللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية وغير قوى يمكن لكن عندما نقول رئيساً توافقياً يعني أننا نريد رئيساً يعالج البنود الخلافية الكبرى بالحوار، وهذه البنود هي السلاح مثلاً، وتتم معالجة الملف من خلال الاستراتيجية الدفاعية. والسلاح لا يجب أن نصل به الى القرار 1559، فعندها نكون بدأنا بالتحدي، ومزارع شبعا توصلنا الى مناقشة موضوع الترسيم مع الحكومة السورية وهذا ما أجمعنا عليه وقت الحوار عام 2006”.

وأكّد “أنّنا سنبقى على عنوان ميشال معوّض وبمعركتنا، وتبيّن في مجلس النواب أن لا أغلبية، والسؤال هل يقبلون بمعوّض كرئيس توافقي؟ وهل يقبل معوّض بغض النظر عن القرار 1559 بالخطة الدفاعية وغيرها؟”.

لا يمكن التقليل من حجم العنوان الذي طرحه جنبلاط وهي رسالة بالتأكيد موجهة إلى جعجع الذي لم يخف يوماً مطالبته بوصول رئيس “تحدّ” يقف في مواجهة سلاح “حزب الله”، وهذا موضوع بالتأكيد سيبعده عن نظرة جنبلاط للرئيس التوافقي، كما أن على معوّض الذي قال جنبلاط إنه سيلتقيه للحصول منه على إجابات عن هذه الأسئلة، أن يبيّن موقفه بوضوح لكي يبنى على الشيء مقتضاه.

وإذ اعتبر جنبلاط أن قضية رئاسة الجمهورية أبعد من السياسة على اعتبار أن هناك نقاطاً عديدة أخرى يجب معالجتها مثل: “كيف سنواجه صندوق النقد الدولي لأنه عامل املاءات، وكذلك في تاريخه العالمي أخفق اخفاقات ضخمة، لذلك لا بد من شخص يفهم في الاقتصاد ويضع النقاط على الحروف”، مؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة إنشاء صندوق سيادي لادارة الثروة التي يمكن أن يجنيها لبنان من الغاز والنفط الموجود في مياهه: “بدنا نقوم بالتنقيب، وهذا الغاز الذي سوف يطلع سيكون باسم الشعب اللبناني ومستقبل الشباب اللبناني، وهنا تكمن أهمية الصندوق السيادي لأن حتى اللحظة ما من أحد طرحه، وأخشى بغياب هذا الصندوق أن يستغل البعض هذا الملف من خلال شركات مقرّبة”.

إلا أن نواب التغيير الذين صوّتوا لصالح سليم اده انطلاقاً من رفضهم ترشيح معوض، كما أن الكتلة “السنية” التي صوّتت لصالح “لبنان” وهي أيضاً بعيدة عن القبول بمعوض رئيساً، قد يقلل من فرص الأخير في الوصول إلى بعبدا على الرغم من دعم جنبلاط وجعجع له، والسؤال يبقى هل باستطاعة قوى المعارضة أن تتوحد حول اسم آخر يكون بالحد الأدنى ضمن المواصفات التي طرحها جنبلاط وبالتأكيد التي سيختلف حولها مع جعجع المطالب برئيس يواجه “حزب الله” وسلاحه وتطبيق القرارات الدولية كافة وفي مقدمها القرار 1559 وهو ما يرفضه جنبلاط؟

إن ما جمع جنبلاط وجعجع في الجولة الأولى قد يفرّقهما في الجولة الثانية، وإذا صدقت التقارير التي أشارت إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري في صدد الدعوة الى جلسة ثانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الرابع عشر من تشرين الأول الجاري، فإن الوقت لا يبدو في صالح أي من القوى السياسية وبالتالي فإن الشغور الرئاسي مقبل حتماً، إلا إذا صدق القول بأن لبنان بلد العجائب، ورب عجيبة مخفية آتية.

شارك المقال