تضامن مفقود

زاهر أبو حمدة

تسلّم “الصليب الأحمر اللبناني” جثمان الطفل الفلسطيني حسان أسامة نافذ (8 أعوام) من “الهلال الأحمر السوري”، عند نقطة العريضة الحدودية، تمهيداً لنقله إلى مخيم نهر البارد لتسليمه إلى أقربائه. هو واحد من 30 طفلاً كانوا مع 130 شخصاً على “مركب الموت” الذي غرق قبل أسبوعين قبالة شواطئ طرطوس بعد إبحاره من طرابلس شمال لبنان. ويضاف إلى حسان، 10 أطفال آخرون توفوا من دون معرفتهم السبب. أن يموت طفل لا يملك قراره أمر يفطر القلوب. هذا في لبنان، أما في فلسطين فاستشهد الطفل ريان سليمان (7 أعوام). وريان لم يمت بالرصاص أو بصواريخ الطائرات أو قذائف الدبابات، إنما خوفاً بعد ملاحقة جنود الاحتلال له فتوقف قلبه. ما هذا الرعب؟

تزامن استشهاد الطفلين المظلومين، مع الذكرى الـ22 لاستشهاد الطفل محمد الدرة (12 عاماً). حينها أصبح اسم الطفل على الألسن والخبر الأول في نشرات الأخبار. لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت على الساحة الاعلامية، لكن حجم التضامن مع قضية الطفل اتسع حتى وصل إلى كل العالم. ربما لعب توثيق لحظة الاستشهاد وكيف كان يحتمي بوالده، دوراً مهماً في مسألة التعاطف الكبير. ويُسجل للمصور طلال أبو رحمة تصويره تلك اللحظات الصعبة، فانتشرت الصور في كل مكان ودخلت البيوت، وشعر الجميع أن محمد الدرة ابنه أو أخوه. أما اليوم فاستشهاد طفلين بطريقة غريبة عجيبة غير متوقعة، تقزم التضامن معهما إلى أدنى المستويات علماً أن “السوشيال ميديا” تضمن النشر والانتشار ولكن من أين يأتي التعاطف الشخصي والجماعي؟

تذكرون الطفل المغربي ريان، حين وقع في البئر وتضامن معه الوطن العربي والعالم ولم تتوقف التغطية المباشرة لوسائل الاعلام. هذا منطقي وواجب أن تبرز وسائل الاعلام كافة قصة إنسانية كهذه. لكن المستغرب لماذا لم تفعل الأمر نفسه مع ريان الفلسطيني؟ صراحة، لا إجابة شافية ووافية لسؤال كهذا. في المقابل، قد يكون مشهد الموت المستمر للأطفال منذ أكثر من 10 أعوام في الوطن العربي، جعل من قصص موتهم ومهما كانت الأسباب والكيفية، روتينية واعتاد المواطن العربي سماعها ومشاهدتها. ومن أصعب الحالات أن يكون الموت أمراً روتينياً من دون أن يحرك مشاعر الغضب.

أن يفقد الناس الشعور بالتعاطف وألا يعملوا على التضامن الواسع ولو بتصريح ذاتي على الصفحة الشخصية في “فيسبوك”، فهذا يعني أن شيئاً مات في الدواخل النفسية لمن تبقوا أحياء.

شارك المقال