رسائل وطنية وعربية من بخاري في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

حملت زيارة السفير السعودي في لبنان وليد بخاري إلى طرابلس، رسائل وطنية وعربية أقلّ ما يُقال عنها انّها كانت قوية وهادفة، بعيدة كلّ البعد عن الأقاويل والشائعات التي يتمّ تداولها وتتحدّث عن بُعد أو عودة للسعودية إلى لبنان، فهي كانت ولا تزال حاضرة في الأجواء اللبنانية عموماً، والسنّية خصوصاً، لا سيما بعد تعرّضها لـ “سموم” مصدرها محور أراد قتل الاندماج اللبناني بمحيطه العربي عبر إقحام البلاد في ملفات وقضايا وتصريحات تُسيء إلى الواقع الديبلوماسي الذي كان يتميّز به لبنان واللبنانيون.

لم تكن هذه الزيارة الأولى من نوعها لبخاري في “مدينة الفكر” كما صرّح السفير الذي يُبدي محبّته وتقديره لها، فهو زارها مرّات عدّة مؤكّداً دائماً رغبته في دوام الاستقرار في هذه المدينة الشاهدة على التاريخ العربي بتفاصيله، والمتمسكة بمستقبل لا ترغب في فصله عن المحيط العربي الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بأمن المملكة داخلياً من جهة، كما بتواجدها ودعمها للبنان من جهة ثانية.

جولته الميدانية هذه المرّة والتي بدأت منذ الصباح الباكر، تزامنت مع ذكرى المولد النبوي الشريف في مدينة ضجّت بالاحتفالات والمسيرات والمساعدات التي رافقت هذا اليوم “السعودي” الطويل، كما ضجّت بزيارة السفير المحبوب فيها، والذي انتقل من منطقة إلى أخرى، ومن معلم إلى آخر، ما يُعطي هذه الزيارة تحديداً زخماً دينياً وسياسياً واضحاً.

ويُمكن القول انّ هذه الجولة تُشبه إلى حدّ كبير صندوق بريد محمّل بمجموعة من الرسائل أطلقها بخاري من طرابلس إلى كلّ لبنان والأطراف السياسية.

ففي جولته على النواب السنّة شمالاً، كانت رسالة تُؤكّد الاحتضان السنيّ الذي يأتي من أكبر مرجعية سنية وعربية بامتياز. وبالتالي فانّ الزيارة التي استهلّها بزيارة رئيس تيار “الكرامة” النائب السابق فيصل كرامي في جامعة المدينة، تُشير إلى التواصل السعودي الذي لا يشمل طرفاً سياسياً مناصراً أو معاكساً لرؤيتها السياسية وحتّى الدينية، خصوصاً وأنّ كرامي بحدّ ذاته لا يُعدّ شخصية مستفزة أو معادية سياسياً للمملكة، بل كان مرحباً بها كعادته ومثنياً على زيارة السفير للمدينة. وبهذه الزيارة تكون رسالة واضحة أنّ السعودية للجميع وليست حكراً على أحد، وهذا ما أظهره بخاري بعد زيارته الى كلّ من مفتي طرابلس والشمال محمّد إمام، والنواب: أشرف ريفي، كريم كبارة، رامي فنج، طه ناجي وإيهاب مطر، فضلاً عن زيارة وصفت بـ “الحساسة” لدى البعض، الى الشيخ محمّد خضر عصفور القائم بأعمال رئاسة المجلس الاسلامي العلوي، ولم تمرّ مرور الكرام بل تعرّضت لانتقادات سياسية علوية.

وأشارت مصادر سياسية لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ بعض الأحزاب “لا يُحبذ زيارة طرف سعودي إلى منطقته المناصرة لخطّ سياسيّ مختلف، ومع أنّ بخاري لم يدل بأيّ تصريح سياسي معاد، لكنّ زيارته تبقى مستفزة للأحزاب التي تحتكر مناطق كهذه بصورة فاعلة، خصوصاً أنّ مواقفه الحقيقية تُشدّد على عروبة لبنان التي يتحدّثون عنها، لكن على ما يبدو عروبتنا تختلف عن عروبتهم…”.

وكانت قيادة الحزب “العربي الديموقراطي” علقت على الزيارة ببيان جاء فيه: “كنا نتمنى أن تكون زيارة سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري إلى المجلس الاسلامي العلوي في لبنان واضحة المعالم على المستوى الداخلي والاقليمي، وأن يسبقها، انسجاماً مع مواقفنا، لحمة عربية – عربية واقليمية واضحة الأسس، وليس أن تأتي في ظروف ملبدة بالغيوم. لا نريد أن نضع أنفسنا ولو ديبلوماسياً أمام أمر واقع أو زيارات مبهمة. الأسئلة حول الزيارة كثيرة والأجوبة عليها شحيحة ولا نريد أن نقفز نحو المجهول. لذا كنا نفضل أن يكون الوفاق العربي – العربي واضح الصورة والمعالم وعلى المستوى الداخلي مراعياً لخطنا السياسي، ونظن أنه آن الأوان لوفاق عام مراعاة لثبات مواقفنا ورغبة منا في إصلاح ذات البين العربي ولكن لكل مقام مقال ولكل وقت آذان”.

قد يكون المحور أو الخطّ الذي تتحدّث عنه بعض الأحزاب، كان أشار إليه بخاري في تصريح من طرابلس، وهو محور أساس تحرص المملكة على استمراره، وهو مرتبط أوّلاً بعدم دعمها أيّ قوى سياسية فاسدة سياسياً ومالياً، أو ذلك المرتبط ثانياً بالخيارات السياسية التي على المجتمع اللبناني تحديدها وتحمّل مسؤوليتها: فإمّا المحور العربي والدعم الذي ستحظون به من خلاله، أو الضفة الأخرى والدمار الممنهج الذي ستتلقونه.

من هنا كانت طرابلس المنبر الأنسب في لبنان لاطلاق التصريحات التي تٌشدّد على العروبة من جهة، وعلى أهمّية اختيار التوجهات بوضوح من جهة ثانية قبل فوات الأوان، وذلك لكون المدينة تحمل الثقل السنّي الأكبر محلّياً، وتُواجه الأمرّين لا سيما في السنوات الأخيرة، وعلى الرّغم من هذه الأزمات لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسعودية، وذلك إيماناً منها بأنّ الوحدة العربية عموماً والسنّية خصوصاً تبقى هي الحلّ الأمثل في ظلّ “هجمة” كبيرة تُواجهها الطائفة السنية سياسياً، ومع إطلاق الشعارات الداعمة للسعودية منها، تُعلن المدينة أنّها كانت ولا تزال مناصرة لهذا الخطّ، لتبقى عصيّة على كلّ من يسعى إلى إفسادها.

شارك المقال