الترسيم… نافذة لاستقرار أمني طويل الأمد؟

هيام طوق
هيام طوق

بعد الكثير من الأخذ والرد، والنقاشات المكوكية والمفاوضات الشاقة غير المباشرة بين لبنان واسرائيل، تمكن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من تخطي العراقيل، ونجح في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وصولاً الى صيغة نهائية في ملف الترسيم البحري، بحيث أشارت بعض المصادر الى أن الجانبين يستعدان لتوقيع الاتفاق في منطقة رأس الناقورة قبل 20 الجاري.

وبعد ساعات على تسلُّم لبنان المسوّدة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، سلم نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، رئيس الجمهورية ميشال عون النسخة الرسمية النهائية المعدلة للاقتراح الذي كان تقدم به الوسيط الأميركي، ثم توجه الى السراي الحكومي قبل أن ينتقل الى عين التينة ليسلم الرئاستين الثانية والثالثة نسخة الترسيم التي على ما يبدو أن مختلف الجهات وافقت على بنودها، اذ أن رئاسة الجمهورية اعتبرت الصيغة النهائية لهذا العرض، مرضية للبنان لا سيما وأنها تلبي المطالب اللبنانية التي كانت محور نقاش طويل خلال الأشهر الماضية، لافتاً الى أن مشاورات ستجري مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لاتخاذ موقف نهائي بشأن صيغة الاتفاق. أما بو صعب فأكد أن النسخة تفي بجميع متطلبات لبنان، ويمكن أن تؤدي قريباً إلى “اتفاق تاريخي”، فيما أفادت معلومات بأن “حزب الله” وافق على بنود الاتفاق، معتبراً أن المفاوضات انتهت.

وفي هذا الاطار، اجتمع ميقاتي مع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، ووفد من شركة “توتال” الفرنسية ضمّ رئيس مجلس الادارة المدير العام رومان لامارتينيار، ومدير الشركة ومدير التنقيب عن النفط والانتاج لوران فيفيه، ومدير شمال أفريقيا جان جايل. وطلب ميقاتي من ممثلي شركة “توتال” المباشرة بالاجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً. كما أكد فياض أن “العمل سيكون جدياً، هذا ما وعدتنا به شركة توتال، وهو أمر ايجابي جداً بالنسبة الى لبنان وسيسمح له أن يكون دولة على الخارطة النفطية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن الأمور اللوجستية يلزمها وقت، ولكن ستبدأ الأعمال فوراً”.

اما على المقلب الاسرائيلي، فوصف رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد الاتفاق مع لبنان بأنه “إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد الاسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية”، مشيراً الى عقد اجتماع للحكومة الأمنية المصغرة وللحكومة للموافقة على الاتفاق. وقال وزير دفاع إسرائيل بيني غانتس: “لم نتنازل قيد أنملة في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وسنعرض الاتفاق على الجمهور بشفافية”.

إذاً، وفق أجواء المسؤولين اللبنانيين والاسرائيليين، فإن الترسيم أصبح قاب قوسين من التوقيع، ولفتت معلومات الى أن واشنطن قدمت ضمانات لشركة “توتال” لبدء التنقيب بالمنطقة الاقتصادية للبنان، كما أن العرض الأميركي سيسمح للبنان بتحويل خط العوامات البحرية إلى منطقة متحفظ عنها، ويحسم أمره عند ترسيم الحدود البرية لاحقاً، لكن لا شيء دقيق طالما لم يتم الكشف عن بنود الاتفاق.

وفي هذا الاطار، رأى النائب فيصل الصايغ أن “استخراج الغاز سيفرض استقراراً أمنياً على المدى الطويل، بحيث أن الشركات التي تتكلف مبالغ باهظة للانتاج لن تقبل أن تكون عرضة لعدم استقرار أمني أو سياسي، وبمجرد التوقيع على الاتفاق، ستفتح نافذة الاستقرار في جنوب لبنان إن كان بحراً أو براً”، مؤكداً أن “الترسيم مسألة أميركية وأوروبية ودولية، وهي أكبر من اسرائيل ومن لبنان، وآن الأوان لاستخراج الغاز من البحر المتوسط”.

واعتبر أن “الترسيم جيد للبنان اقتصادياً وسياسياً وأمنياً بحيث أن عنوان المرحلة المقبلة هو الاستقرار الأمني الذي سينعكس استقراراً سياسياً، ويترافق استخراج الغاز مع عملية اصلاح اقتصادي. وبالتالي، في المرحلة اللاحقة سيتم التعاطي مع سلاح حزب الله عبر الاستراتيجية الدفاعية. ويمكن القول اليوم ان لبنان على تقاطع طرق دولية، والمطلوب الانتقال الى مرحلة الاستقرار ومعالجة المشكلات الداخلية”، مشدداً على ” ضرورة الاسراع في دراسة صندوق سيادي يضمن عائدات الغاز للأجيال المقبلة”.

اما النائب السابق وهبي قاطيشا، فأشار الى أن “الترسيم جيد، وخطوة نحو استقرار أمني في الجنوب على الرغم من أن هذا الاستقرار قائم منذ سنوات، لكن التوقيع على الوثيقة يزيده ثباتاً، ولم تعد هناك أي حجة أمام حزب الله ليقوم بأي عمل أمني. كما أنه خطوة نحو الاستقرار الاقتصاي بحيث نفتح الباب أمام الشركات الأجنبية للتعامل مع بلد منتج للنفط، لكن النتائج بعيدة وليست قريبة”.

واعتبر أن “الترسيم البري قائم والجميع يوافقون عليه، لكن بعض الأراضي تتخذ حجة للابقاء على السلاح. الحدود البرية مرتبطة بسلاح الحزب وتوضيح ملكية مزارع شبعا”.

وأوضح العميد الركن هشام جابر “أننا خسرنا بهذا الترسيم جزءاً كبيراً من ثروتنا النفطية ومن حقوقنا بحيث أن الخط 29 هو حق لبنان، تخلينا عنه، وعدنا الى الخط 23 الذي تقاسمناه مع اسرائيل. أميركا وضعت ثقلها وضغطت على لبنان وعلى اسرائيل كي يتم التوصل الى الاتفاق”.

وقال: “الحدود البرية لا تحتاج الى ترسيم جديد انما تتطلب تثبيتاً لترسيم سنة 1923 الذي تأكد سنة 1943 في اتفاقية الهدنة. هذه هي الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة لكن منذ العام 1949 الى اليوم تعدت اسرائيل على مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية. وهنا لا نتحدث عن مزارع شبعا انما عن الحدود الدولية بين البلدين، وهناك معالم موجودة لها. كنا نتمنى لو أننا ثبتنا الحدود البرية كما كانت وكما هو حق لبنان بالتوازي مع الاتفاق البحري”، داعياً الدولة الى “أن تمارس سيادتها حتى آخر شبر من حدودها”.

أضاف: “ليست لدي أي ثقة بأننا سنتجه الى الحلحلة على الصعيد الاقتصادي لأننا لم نشهد حتى الآن انشاء هيئة ناظمة للنفط والغاز التي تتولى ادارة القطاع كي تعود ايراداته الى خزينة الدولة. نحن عرفنا أن أمراء الطوائف أسسوا شركات ستتولى التفاوض مع شركات الاستخراج والانتاج الأجنبية، وتبرم العقود معها ما يعني أن الدولة ستحصل على حصة قليلة من النفط، والشعب لن يستفيد من ثروته. انه انتصار للطبقة السياسية ولمصالحها مع أميركا وليس انتصاراً للشعب.”

شارك المقال