ترحيل طوعي للسوريين… مخاوف من النظام وغياب الضمانات

تالا الحريري

ليست المرة الأولى التي تتوعد فيها الدولة اللبنانية بترحيل السوريين عن أراضيها لما باتوا يشكلون من أعباء إقتصادية على اللبنانيين، معتبرة أنّ الحرب في سوريا إنتهت منذ فترة والوضع أصبح آمناً للعودة إلى بلادهم، فيما تعتبر الأمم المتحدة أنّ الوضع لا يزال غير مستتب وهناك خطر عليهم. والتخوف الأكبر يأتي من تعرض بعض السوريين لدى عودتهم إلى خطر الاعتقال والتعذيب حتى الموت.

يرى الكثيرون أنّ سوريا ليست آمنة وذلك بسبب الانتهاكات الحقوقية والاضطهادات التي تعرض لها السوريون الذين عادوا بين الأعوام 2017 و2021 من لبنان والأردن على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها.

وأعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أول من أمس، أن لبنان سيبدأ في نهاية الأسبوع المقبل بإعادة السوريين إلى بلادهم على دفعات. وكان وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين قد أعلن في تموز عن خطة لاعادة حوالي 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهرياً، مستنداً في ذلك إلى أن سوريا أصبحت آمنة إلى حد كبير بعد أكثر من عقد على نشوب الحرب. ولن يكون هناك دور للأمم المتحدة في إعادة اللاجئين لأنّها لا تزال تعتبر أن الوضع غير آمن في سوريا.

وأوضح الوزير شرف الدين لموقع “لبنان الكبير” أنّه “تغطية لمتابعة وزارة المهجرين هذا الملف مع المرجعيات السورية المختصة وعلى رأسها وزير الادارة المحلية والبيئة ووزير الداخلية ومع التقديمات والتسهيلات التي وجدناها من الطرف السوري لجهة عودة كريمة وآمنة، تأمنت مراكز إيواء بعدد 480 مركزاً جاهزاً لاستيعاب 180 ألف شخص كدفعة أولى”.

وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أكد في حديث لوكالة “رويترز” أن “عمليات العودة ستكون طوعية (لن يتم إجبار أحد على المغادرة) وتستند إلى آلية استخدمت لأول مرة في العام 2018 التي توقفت مؤقتاً بسبب جائحة فيروس كورونا. الأمن العام سيعيد العمل بخطة عودة اللاجئين السوريين الراغبين في ذلك”.

وفي هذا الشأن، شدد شرف الدين على “أننا مع العودة الطوعية، واللوائح تسلمها الأمن العام في 25 أيلول وأرسلت إلى سوريا، وتمت التحضيرات وكان من المفترض أن تنطلق هذه اللائحة منذ ثلاثة أيام لكن هناك أسباباً لوجستية حالت دون ذلك، الا أن أول قافلة ستنطلق تشمل 480 عائلة مع 235 سيارة سورية خاصة وباصات سيعودون إلى منطقة القلمون الغربي”.

وأشار شرف الدين الى أنه عطفاً على العفو الشامل الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد في وقت سابق من هذا العام عن مجموعة من الجرائم تشمل تلك التي ارتكبها سوريون فروا من بلادهم خلال الحرب، والتسهيلات الأخرى من بنى تحتية في القرى المضروبة أو المدمرة جزئياً، والدعم الروسي من خلال بروتوكول يشمل 23 اتفاقية لمساعدة النازحين بسلة إيواء وبنى تحتية في المناطق كافة، “بدأنا كوزارة بتجميع اللوائح والبداية من منطقة عرسال حيث هناك 60 ألف نازح هربوا من الحرب وهم لا يحتاجون إلى حماية دولية. لذلك تسقط ادعاءات الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين، وينطبق ادعاؤهم على اللاجئين السياسيين وحسب، يعني المعارضة ولا ينطبق على النازحين الذين يشكلون مليوناً ونصف المليون”.

اما الصحافي السوري أحمد قصير فقال لـ”لبنان الكبير”: “يتم رفع اسم اللاجئ والقيام بدراسة أمنية عليه لدى الأمن القومي في سوريا، التي في حال موافقتها، هذا يعني لا حكم عليه، لكن النظام السوري لا ضمانات له. فلا تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش). دائماً ما كنا نطالب بتنفيذ قرارات جنيف 1 أو الانتقال السياسي السلمي للسلطة في سوريا لكن للأسف حتى الآن الدولة اللبنانية تصدر قرارات”.

وعلّق قصير على خطة العودة، قائلاً: “تصريحات الحكومة اللبنانية تقول انّ اللاجئين السوريين في لبنان يشكلون أعباء على الحكومة، وعلى ما أعتقد الدكتور ناصر ياسين قبل أن يصبح وزيراً للبيئة أصدر دراسة عن أنّهم يساهمون في زيادة الاقتصاد اللبناني بنسبة معينة نتيجة إيجارات البيوت والفواتير التي يدفعونها. إضافةً إلى أنّ الدولة اللبنانية تتعهد بضمانة ألا يقترب النظام السوري من اللاجئين”.

واعتبر أنّه “كان على الدولة اللبنانية تحرير الشاب حبلص الذي كان على متن قارب الموت، من النظام السوري. فقد زارته زوجته في طرطوس وفي اليوم الثاني أعلنوا عن وفاته بينما هو موجود لدى المخابرات السورية. الأحرى أن تحرر الدولة اللبنانية مواطنيها من السجون السورية وتضمن حمايتهم”، كاشفاً أنّ “مخابرات الجيش قامت مؤخراً بدهم مخيم للاجئين في بر الياس، وصادرت شبكات الخلوي والستلايت من دون أي وجه حق وتمنع تركيبها من جديد. اللاجئون يتعرضون الى اساءات وضرب عدا عن الضغط”.

ورأى أن “الدولة اللبنانية غير قادرة على أن تؤمن ضمانات لمواطنيها حتى تقدمها للاجئين، وهم يتناقشون في فكرة الاعادة الجبرية والطوعية التي سار بها اللواء عباس إبراهيم لكنّهم باتوا يسيئون اليها الآن”.

بعد قضية ترحيل السوريين، قد تستغرب الغالبية إطلاق صفة “لاجئين” عليهم وليس “نازحين”. فالنازحون هم من لم يعبروا حدوداً دولية، ولكنهم ظلوا مهجرين داخل أوطانهم. أمّا اللاجئون فهم أشخاص اضطروا إلى مغادرة مكان إقامتهم لأسباب مختلفة وقد يلجأون إلى الخارج. لكن في الأساس يمنح لبنان السوريين صفة “نازحين” وليس “لاجئين”، كونه لم يوقع على اتفاقية اللجوء الدولية، في حين يشدد خبراء على عدم الصحة القانونية لمصطلح “النازحين”، ويعتبرون أن السلطات تتذرع بالتسمية لمنع التوطين، بينما الاعتراف بصفة اللجوء لا يعني توطينهم لاحقاً. كما أن وصف السوريين بـ”النازحين” يحرمهم من حقوقهم كالحماية من الترحيل، ويخفف مسؤولية رعايتهم من الدولة اللبنانية.

شارك المقال