تغير جيوسياسي كبير في المحيط الروسي

حسناء بو حرفوش

كيف ستنتهي الحرب الأوكرانية؟ “لا نعرف بالضبط، حسب ما يجيب مقال رأي في موقع مجلة “فورين بوليسي” الالكتروني، لكننا نعلم أن روسيا لن تفوز. وهذا على الرغم من بعض الانتصارات التكتيكية التي قد تأتي نتيجة لتعبئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمئات الآلاف من القوات الجديدة عديمة الخبرة. وبالتالي، هذا يعني أن غزوه لأوكرانيا يمثل بالفعل خسارة استراتيجية. فقد ضعفت روسيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وعلى الرغم من أن بوتين ضمن شتاءً مؤلماً في أوروبا، سرعت خطواته من تنويع الطاقة وتحولها في أوروبا. وكشفت إخفاقات الجيش الروسي واللجوء إلى الفظائع على نطاق واسع القدرات العسكرية التقليدية لموسكو. ولا يسعنا إلا تخيل ما يفكر فيه الصينيون اليوم بشأن حليفهم الفعلي أو كيف تعيد هيئة الأركان التركية الآن حساب خيارات أنقرة الاستراتيجية في منطقة البحر الأسود وما خلفها. إذا استمر بوتين بتنفيذ تهديده باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم هزيمته الاستراتيجية.

وفي الوقت الذي يتفادى فيه المحللون التركيز على إمكان تحقيق نصر سريع في أوكرانيا، يتضح أن نفوذ روسيا يتضاءل بالفعل، بصورة توحي بنوع من الامتصاص الجيوسياسي في جميع أنحاء محيطها، من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى، حيث تخلق روسيا المتضائلة فراغاً قد يزيد من هشاشة الوضع الراهن بالفعل. ويشكل التضاؤل ​​الذاتي لروسيا، من نواح كثيرة، استمراراً لعملية بدأت مع انهيار الامبراطورية السوفياتية وتضمنت الآثار المتتالية لتبخر القوة السوفياتية في القوقاز، وتوطيد السلطة من رجال أقوياء في آسيا الوسطى، وحربين وحشيتين في الشيشان.

ومنذ وصول بوتين إلى السلطة، حاول تدريجياً إبراز القوة الروسية في جميع أنحاء الفضاء السوفياتي السابق، مدفوعاً بمزيج من الرغبة في إعادة تأكيد السيطرة على أراضي الاتحاد السوفياتي السابقة، والتي لا ينظر إليها كدول شرعية أو ذات سيادة كاملة. واحتفظت روسيا في جورجيا ومولدوفا وأرمينيا وأذربيجان، بما يسمى بالصراعات المجمدة لاستخدامها كنقاط ضغط وأوراق مساومة. وتعكس حرب بوتين ضد أوكرانيا العديد من عناصر هذا النهج.

أما اليوم، فتهدد خسارة بوتين الاستراتيجية في أوكرانيا بتخفيف قبضة روسيا، وقد أدت الحرب الخاسرة فيها إلى التركيز على التطور السياسي المستقبلي في روسيا والترتيبات الأمنية. ومع تضاؤل ​​المكانة والقوة الروسيتين، يزداد المشهد الجيوسياسي عبر أوراسيا ديناميكية. فعلى سبيل المثال، شكل استخدام بوتين لامدادات الغاز الطبيعي كسلاح سياسي ضد أوروبا نعمة لأذربيجان، التي رفعت حرب بوتين سعر صادراتها الرئيسة، كما استغلت تلهي روسيا لمهاجمة أرمينيا الشهر الماضي في أكبر موجة لأعمال العنف منذ حرب 2020 بين البلدين.

والأهم من ذلك على المدى الطويل، هو أن أرمينيا تخلت، أقله في الوقت الحالي، عن روسيا كضامن للأمن وتتطلع إلى الغرب للحصول على الدعم السياسي وتلقيه. وقد يترك ذلك تأثيرات عميقة على مستقبل المنطقة ما بعد روسيا، وفي حال أفضى الأمر الى اتفاق حول الحدود الأرمنية – الأذربيجانية، كما تشير بعض التقارير، فسيتوسط الغرب لأن روسيا في هذه المرحلة، ليست في وضع يسمح لها بأن تكون وسيطاً أو ضامناً. بالإضافة إلى ذلك، الآن بعد أن وضعت موسكو نفسها حول محور حربها في أوكرانيا، قد تتاح لجورجيا الفرصة للمضي قدماً في الاصلاحات الديموقراطية والتوجه أكثر نحو الغرب. أما بالنسبة الى مولدوفا، فتأتي هشاشة بوتين في أفضل الأوقات.

ونشرت روسيا على مدى ثلاثة عقود، قواتها وخزنت الأسلحة في ترانسنيستريا، في مولدوفا والتي تقع بين نهر دنيستر والحدود الأوكرانية. وموّلت موسكو وسيطرت بصورة فضفاضة على حكومة دمية. وفي السنوات الأخيرة، سعت الحكومة المولدوفية الى إدماج السكان. وإذا تمكنت مولدوفا من إحراز تقدم حقيقي في مجال سيادة القانون والتنمية الاقتصادية بدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فستزيد جاذبيتها لسكان ترانسنيستريا، والزمن كفيل بإظهار استعداد روسيا للمشاركة في هذا السياق. وعلى كل حال، قد يخلق تركيز بوتين على إنقاذ حربه الخاسرة في أوكرانيا المساحة التي تحتاج اليها مولدوفا للمضي قدماً مع قدر أقل من التخريب الروسي المستمر.

وللبلقان، حيث تمتلك موسكو تاريخاً طويلاً في تأجيج الصراع، الكثير لتكسبه من تراجع النفوذ الروسي. وتشتهر البوسنة والهرسك بأنها هشة سياسياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى فشل الدولة في تبني إطار دستوري طويل الأجل وقابل للتطبيق. في المحصلة، على الرغم من أن الغرب يركز بصورة أساسية على استجابته لحرب روسيا ضد أوكرانيا وتأثيراتها على إمدادات الطاقة والتضخم، يجب ألا تفوت الولايات المتحدة وأوروبا الفرصة لاستغلال الخطأ الاستراتيجي الضخم لروسيا بهدوء ولكن بقوة لتجنب الوضع الأسوأ، في الأماكن التي أثبت فيها بالفعل تراجع السلطة الروسية”.

شارك المقال