العشاء السويسري بين التأجيل والنسف… ولد ميتاً

هيام طوق
هيام طوق

منذ الانتخابات النيابية الفائتة، بدأ الحديث في الكواليس السياسية عن امكان عقد مؤتمر في احدى العواصم الأوروبية من أجل لبنان لكن لم تكن معالمه قد توضحت بعد، ومن سيشارك فيه وبأي أهداف الى أن برزت قبل أيام قليلة، الدعوة السويسرية لعدد من النواب والفاعليات السياسية الى جانب مفكرين ومثقفين وجامعيين، إلى عشاء كان من المفترض أن يُقام مساء اليوم قبل تأجيله الى موعد لاحق، في منزل السفيرة السويسرية لدى لبنان ماريون ويشلت، للتشاور حول عدد من القضايا اللبنانية.

الدعوة التي لم توجّهها الدولة السويسرية انما منظمة سويسرية غير رسمية، برعاية وزارة الخارجية السويسرية، وبالتفاهم مع السفيرة السويسرية في لبنان، تهدف إلى تهيئة الأجواء لمؤتمر وطني سيُعقد الشهر المقبل في جنيف، الا أن لا شيء محسوم في هذا الشأن لأن نتائج النقاشات في العشاء التي تأجلت هي التي ستحدد إن كان سيعقد لقاء في جنيف أو لن يعقد، في حين أكد عدد من النواب أن كل ما يحكى في الاعلام عن مؤتمر في جنيف غير دقيق، ولم يطرح على أي جهة سياسية، ولم تتم الدعوة اليه لا من قريب ولا من بعيد.

وأشارت المعلومات الى أن العشاء كان سيجمع كلاً من النائب علي فياض عن “حزب الله”، النائب آلان عون عن “التيار الوطني الحر”، النائب وائل أبو فاعور عن الحزب “التقدمي الاشتراكي”، النائب ابراهيم منيمنة عن كتلة نواب “التغيير” ومستشار الرئيس نبيه بري، علي حمدان عن حركة “أمل”، فيما أعلنت الدائرة الاعلامية في “القوات اللبنانية” أنه بعدما تحوّلت مقاربة لقاء العشاء في السفارة السويسرية من مناسبة محض اجتماعية إلى طاولة حوار يحضّر لها داخل البلاد أو خارجها في هذا الظرف بالذات، طلبت “القوات” من النائب ملحم رياشي الاعتذار عن عدم المشاركة فيه، لأن البلاد بحاجة إلى انتخابات رئاسية تعيد الاعتبار الى دور المؤسسات الدستورية تحت سقف الدستور وتعيد تصحيح الانقلاب على اتفاق الطائف وليس الى حوارات عقيمة لا تؤدي الى أي نتيجة. وأصدرت السفارة السويسرية بياناً، لفتت فيه الى أن الأسماء المتداولة في وسائل الاعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً.

وفيما اعتبر عدد من النواب أن العشاء لو حصل لن يتعدى على الأرجح اطار الندوة السياسية، ولا يجوز تحميله عناوين أكثر مما يحتمل، ولن يؤدي الى مؤتمر لاحق في جنيف، ما يعني أن هذا المؤتمر، ولد ميتاً، غرّد السفير السعودي وليد بخاري، قائلاً: “وثيقة الوفاق الوطني عقد مُلزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعددي، والبديل عنها لن يكون ميثاقاً آخر بل انفكاك لعقد العيش المشترك، وزوال الوطن الموحَّد واستبدالهُ بكيانات لا تُشبه لبنان الرسالة”.

وأكد أحد المطلعين في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن العشاء لو حصل لكان بمثابة جس نبض للأفرقاء اللبنانيين حول قضايا متعددة، وينتهي عند هذا الحد بحيث أن مكوناً أساسياً غير موجود على الطاولة، وهو الطائفة السنية، كما أنه لا يجوز أن نتوقع منه أي نتائج أو قرار مع التأكيد أنه يتم تحميل المناسبة أكبر من حجمها، وهذا ما يفسر عدم مشاركة السياسيين من الصف الأول، وبالتالي، لن يكون توطئة لمؤتمرات شبيهة بالمؤتمرات السابقة.

وأشار النائب عماد الحوت الى “أننا سمعنا منذ أكثر من شهر عن تحضير لمؤتمر خارجي لبحث الأزمات اللبنانية، لكن الاشكالية في اللقاء السويسري أن عدداً من الأفرقاء المدعوين كان يطالب برئيس صنع في لبنان واذ فجأة نراه يشارك في لقاء خارجي، نعرف كيف يبدأ ولكن لا نعرف كيف ينتهي بمعنى آخر، هل نحن ذاهبون باتجاه اعادة النظر في اتفاق الطائف على أنه جزء من الاشكالية؟ هناك علامات استفهام كبرى حول جدول أعمال اللقاء”، لافتاً الى أنه “كان يتم التداول في لقاء خارج لبنان يمهد له بلقاء داخلياً. اليوم نتيجة رد الفعل الذي حصل، أظن أنه ستكون هناك خطوة الى الوراء، وسيقتصر الأمر على الأقل حالياً على لقاء داخل لبنان”.

وأوضح أن لقاء اليوم لو حصل، لكان من المتوقع أن يساهم في وضع جدول أعمال لمؤتمر جنيف، معتبراً أن “مجلس النواب يمكن أن يحتضن مثل هذه الجلسة ان كانت جلسة سياسية فقط من دون الاستعانة بالسفارات بغض النظر عن انتمائها الى هذا البلد أو ذاك. القوات اعتذرت وهناك اختلاف في وجهات النظر بين مجموعة نواب التغيير، وجزء لا بأس به من النواب لديه اشكالية في الحضور”، متسائلاً “هل نحن بحاجة دائماً الى راعٍ خارجي لنتحاور في ما بيننا ؟ واذا كنا لا نستطيع الجلوس على الطاولة نفسها في الداخل والتفاهم فما الذي يدفعنا الى الجلوس مع بعضنا البعض في الخارج؟ المبادرة بهذا الشكل انطلقت بطريقة خاطئة، ولا أظن أنها ستذهب بعيداً”.

أضاف: “هل الذين تمت دعوتهم الى العشاء يمثلون فعلاً الرأي العام اللبناني؟ وفي حال حصل الحوار وخرج بمؤتمر تأسيسي جديد، هل هذه الأطراف قادرة على فرض مؤتمر من هذا النوع؟ هذه الحوارات لا تصل الى مكان. ثم لماذا ينزعج المشاركون من التسريبات؟ هل هناك من قطبة مخفية؟ ما خلفية هذا الحوار؟ المشكلة ليست في استثناء السنّة فقط انما في المبدأ نفسه. نحن مع الحوار لكن اذا كنا قادرين على الجلوس الى طاولة احدى السفارات فهذا يعني أننا قادرون على أن نجلس مع بعضنا البعض. المبادرة بدأ التحضير لها منذ أشهر وقبل أن يستجد المناخ الفرنسي والأميركي والسعودي وحتى الايراني، في محاولة لتقريب وجهات النظر لكن نحن تجاوزنا هذه الحالة، وأصبحنا في مكان آخر، والتراجع عن المبادرة بعد التحضير لها صعب على السويسريين”.

أما النائب مروان حمادة، فرأى أن “السفارة السويسرية قررت تأجيل العشاء بسبب البلبلة التي تسببت بها ما يضر بصورتها”، مؤكداً “أننا لا ندري ما وراء الدعوة، ولكن سبق على مدى السنوات الماضية أن حصلت دعوات من الحكومة أو المؤسسات السويسرية للبحث في التجربة اللبنانية ومقارنتها بالتجربة السويسرية، الا أن هذه اللقاءات لم تتجاوز حدود البحث العام، ولا ندري ما هي الغاية هذه المرة، لكن في النتيجة أي لقاء يحدد المشاركون فيه المواضيع التي ستطرح. نحن متمسكون باتفاق الطائف ومن غير الوارد تغيير وثيقة الوفاق الوطني. لا يمكن العبث بالطائف لأن ذلك يمكن أن يتسبب بحرب أهلية جديدة”.

وقال: “حُمّل العشاء أكثر مما يحتمل، ولا يمكن لأحد أن يجرنا الى نسف الطائف. لن نسمح بالمس بوثيقة الوفاق الوطني ولن نسمح بتغييب مكون أساسي لبناني. اذا كان المؤتمر لنقاش الأفكار وتبادل الخبرات، فتعقد الكثير من المؤتمرات في هذا الاطار، اما اذا كان يتناول ركائز العيش المشترك اللبناني فلن نسمح ولن نشارك به”.

وشدد النائب زياد حواط على أن “لا مؤتمر في سويسرا، ولا طاولة حوار في لبنان انما العشاء كان دعوة عادية تقام لاستمزاج الآراء، هذه هي حدودها، وأعطي الموضوع أكثر من حجمه”، مجدداً التأكيد أن “أولوياتنا اليوم انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى القوى السياسية أن تقتنع بأن بداية الحل تنطلق من انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى النواب أن يقوموا بدورهم في هذا الاطار ثم نذهب الى تشكيل حكومة وبعدها نناقش المواضيع الوطنية الحساسة. ونؤكد تمسكنا باتفاق الطائف، وهذا موضوع غير قابل للجدل”.

ولفت الى أن “ليست هناك حتى الساعة من دعوة لمؤتمر في جنيف. كل ما حكي في الاعلام عن أن العشاء لقاء تمهيدي لمؤتمر في جنيف، بُني على باطل”.

شارك المقال