عشاء السفارة… النار القوية تحرق طبخة ما بعد الترسيم

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من الواضح أنه ليس ممكناً حل أزمات لبنان بطريقة مواربة، والدليل أن سعي السفارة السويسرية الى جمع “خلان” على طاولة العشاء يمثلون كتلاً نيابية مختلفة، تمهيداً لدعوتهم إلى حوار في جنيف قد تفرمل، بعدما توضحت حماسة الممانعين له، بتوجيه من الحليف القديم إيران ومن الحليف الجديد الممثل بــ “الشيطان الأكبر” أي الوسيط أميركا لذلك، في محاولة للكسب قدر الامكان قبيل الانتخابات المنتظرة الشهر المقبل في الولايات المتحدة والتي يتوقع البعض أن لا تصب في صالح الديموقراطيين، وبالتالي تفسح المجال لعودة الحزب الجمهوري.

فالدعوة إلى العشاء الملغوم، برغبات أميركية – فرنسية – إيرانية، كشفت أبعاده فهو ليس بالطبع لتناول الطعام على مأدبة السفيرة، بل مقدمة لحوار قد يطيح بدستور الطائف خصوصاً وأن المتحمسين المنتصرين لاتفاق الترسيم، أي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يسعيان إلى اسقاط الدستور أي إتفاق الطائف، ويريدان دستوراً مفصلاً على قياس مصالحهما في الشفط والنهب وحماية مصالح شركاء صفقة الترسيم من الولايات المتحدة الى ايران وإسرائيل وفرنسا، التي تسعى الى علاقات طيبة مع إيران تحميها وجاراتها من دول أوروبا من التأثيرات السلبية للحرب الأوكرانية.

ولكن مع إنكشاف واقع الحال عبر تغريدة التحذير للسفير السعودي وليد بخاري في حال إسقاط الطائف لصالح “مثالثات دستورية” أو تعديلات تتعلق بصلاحيات وتلعب بالتوازنات الحالية التي تبقي على الكيان المتعدد وتضرب مفهوم لبنان الرسالة، كما جاء موقف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان واضحاً وكذلك النائب التغييري وضاح الصادق ومن ثم النائب القواتي ملحم رياشي وموقف العشائر العربية من مشاركة النائب إبراهيم منيمنة، تأجل عشاء الثلاثاء وبررت سويسرا دعوتها السامة المشبوكة أميركياً وايرانياً وفرنسياً، لمسؤولين سياسيين وحزبيين ومستقلين بأنها دعوة تحضيرية لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار!.

وجرى التوضيح أن العشاء بدعوة من مركز “الحوار الانساني” لجمع ممثّلين عن القوى السياسية اللبنانية ومناقشة سبل معالجة الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد، من دون أي إشارة إلى مناقشات أو مؤتمر حول وثيقة الوفاق الوطني أو النظام السياسي، الا أن هذا التوضيح جاء متأخراً ولم يقنع خبراء العمل السياسي والمحللين والمتوجسين من سم إيران مع إنكشاف ترويج أبواق “حزب الله” لحسناته.

وتشير مصادر سياسية متابعة لـــ “لبنان الكبير” الى أن وصف البعض لدعوة العشاء السويسرية بــ “المشبوهة” قد تكون في محلها، وصحيح التساؤل حول خلفيات قيام دولة محايدة مثل سويسرا بمهمة مثل هذه، علماً أنها لم تكن صادرة عن الدولة وبمبادرة منها لفتح الحوار، بل جرى إلصاقها بمنظمة للقاء شخصيات تحت مسمى العشاء، وبغض النظر عن أسماء المدعوين، جرى تجهيز كل ما يلزم له لجعله قائماً، وتعامل معه بعض النواب على أنه دعوة عادية وإن حصرت بعدد محدد من الأشخاص، ولكن عندما تدعى شخصيات وممثلون عن كتل نيابية فالنقاش حوله يصبح هدفه مختلفاً جداً.

لماذا هي دعوة مشبوهة؟ وفق متابعين فإن “المعنى الحقيقي لهذه الدعوة لنواب يمثلون كتلاً نيابية وقوى سياسية داخل المجلس، بإدارة السفيرة السويسرية في وضع لبناني متأزم سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، لا سيما ونحن على أبواب فراغ في الرئاسة الأولى كما هو واضح حتى الآن، اذا لم تحدث معجزة، وبعد فشل الكتل النيابية هذه في تقديم مرشح توافقي، يشكل إستغراباً، كون الدعوة وضعتنا أمام مشروع تهدف اليه السفارة، أي التوصل الى تسوية رئاسية، تتويجاً لما بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ــــ الاسرائيلية”.

وتعتبر المصادر أن “الدعوة جاءت في مرحلة حساسة جداً ما بعد إتفاقية ترسيم الحدود التي تمت بصورة غير واضحة وبضغط أميركي وبموافقة حزب الله ورعاية إيرانية، فالاتفاق المبهم وقع فيما كانت ايران والولايات المتحدة تجريان مباحثات على طاولة موازية لطاولة فيينا، وكان ثمنه السماح لايران برفع انتاج نفطها وتصديره من 400 ألف طن الى مليون و200 ألف، وتم غض النظر الأميركي عن العقوبات المفروضة عليها من الحزب الديموقراطي نفسه، وهذا يعني أن إيران قبضت سلفاً ثمن فك السلاسل عن ترسيم الحدود باتفاق خاص بينها وبين الولايات المتحدة، بعيداً عن الدول العربية. وربما يكون إعلان إيران عن تزويد لبنان بالفيول للكهرباء وبالنفط، دليلاً على أن أميركا أعطتها حرية التصدير وتهريب نفطها على الرغم من الحصار والمراقبة، والهدف تلبية الطلب الأوروبي من الغاز الاسرائيلي في ظل الحصار المفروض حالياً على روسيا، فأميركا اليوم تعوم مصالح إيران وتفرضها في المنطقة، والأخيرة مرتاحة في تنفيذ أجندتها عبر إستخدام أذرعها المنتشرة في الدول العربية التي تعمل على تنفيذ مشاريعها. والواضح أن دولة الفقيه تقطف ثمار الاتفاق على حسابنا وحساب منطقتنا، إذ فك الحصار عنها وقبضت الثمن سلفاً عن ترسيم الحدود الذي حصل بسرعة تثير الشكوك بعد 10 سنوات من المماحكة والممانعة والتهديد بالصواريخ والطائرات ترجمت بورقة من السفارة الأميركية بعث بها الوسيط آموس هوكشتاين، الذي دعا الطرفين اللبناني والاسرائيلي إلى تسجيل اعتراضهما على الفور لاصلاحه، وبغض النظر عما جاء فيه كان ذلك خطوة نحو تطبيع العلاقات بين لبنان واسرائيل برعاية أميركية ــــ إيرانية”.

ولا تشكك هذه المصادر بكوننا اليوم أمام مرحلة جديدة “فالترسيم انتهى واستقرار اسرائيل تأمن ودخلنا الى منعطف آخر، وبدأت التجاذبات لتأمين مصالح بعض الأطراف التي استفادت من الاتفاق شيئاً معيناً، فنجد أن حزب الله حاول أن يتبناه، وزايد التيار الوطني الحر وجبران باسيل على رفاق الصفقة بكونها إنجاز للعهد وإن في أيامه الأخيرة إذ وقع على صفعة العار والتطبيع معلناً النصر، لكن السؤال يبقى أين البطولة اذا كان اتفاق 17 ايار أفضل، بعدما تبين أنه كان أعطى للبنان أكثر مما حصلوا عليه في قانا وسط مساومة قانا مقابل كاريش؟”.

وبحسب المصادر، “كانت هناك في كواليس العشاء صفقة ثانية متفق عليها مسبقاً ما بين إيران وأميركا بالتوافق مع الفرنسي المهرول والراكع للوصول الى امتيازات قد يحصل عليها في ايران، فبدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منبطحاً أمام الدولار، معتقداً أنه يتذاكى على الجميع للحصول على إمتيازات اقتصادية لبلاده اذا سهل لايران مطالبها”.

من هنا تجد هذه المصادر أن “محاولات إنتاج نظام لبناني فشلت سابقاً في سان كلو وهي اليوم ستفشل عبر المحاولة السويسرية، وتمت عملية النجاة من الفخ المرسوم في عشاء السفارة، بهدف ايجاد تسوية تطيح بإتفاق الطائف، إلا أن اللعب بالنار لم يحرق الأصابع بعد التنبه الى خطر هذه الدعوة بحجج واهية عن إنتاج رئيس ومعالجة مشكلات البلد، فيما القصد التلاعب بالدستور وفقاً لأهواء الصهر وحزب الله الساعيين إلى الافادة من الاتفاق وتعويم ترشيح الفاسد جبران باسيل وهو ما حذر منه ديفيد شينكر”.

أما عن موقف التغييريين، فتشير الى أنهم “كانوا قد ذهبوا في الاتجاه تحت شعار الحياد، لا 8 ولا 14، علماً أن النائب وضاح الصادق رفض المشاركة بينما كان النائب إبراهيم منيمنة لا يعرف الأبعاد الحقيقية للقاء السفارة، وهم يعرفون أن الغاء الطائف سيؤدي الى انهاء لبنان، من هنا كان موقف المملكة العربية السعودية واضحاً في إعلاء الصوت والتنبيه الى هذا الخطر وتقديم خدمات مجانية لحزب الله”.

شارك المقال