هذا ما حصل في سجن إيفين

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في الوقت الذي سمعت فيه أمس صفارات الإنذار تدوي بعد تسجيل إطلاق نار من سجن قزل حصار في مدينة كرج غرب طهران، صعد نحو 50 من حراس السجن إلى السطح ووجهوا بنادقهم نحو سجناء، كانوا يرددون “الموت لخامنئي”، وهو الهتاف الذي تسبب يوم السبت الماضي بإنتفاضة في سجن إيفين أدت الى سقوط 4 قتلى و61 جريحاً من المعتقلين على الفور برصاص الحراس، وارتفع عدد الضحايا الى 8 بعد اعلان النظام الايراني عن وفاة 4 مصابين جدد أمس، وسط مطالبات بتحقيق دولي لكشف ما جرى. والواضح أن قمع نظام الملالي يطال المعتقلين السياسيين في السجون وخارجها، وهو مؤشر على الارباك وعدم وجود حد لممارسات القتل والقمع خلافاً للقوانين الدولية. 

يقع سجن إيفين الذي يطلق عليه سجن التعذيب، عند سفوح تلال على الطرف الشمالي لطهران، ويضم مدانين جنائيين ومعتقلين سياسيين، ويحتجز داخله العديد من مزدوجي الجنسية في إيران وسجناء أجانب، وأودع داخله المئات ممن اعتقلوا خلال الانتفاضة الحالية، فيما حذرت منظمات إنسانية وحقوقية عالمية من الخطر الشديد المحدق بحياة المساجين فيه، لا سيما بعد قطع اتصالات الهاتف والانترنت في السجن.

فماذا حصل في سجن ايفين؟

يقول المعارض مهدي عقبائي عضو “المجلس الوطني‌ للمقاومة الایرانیة‌” في حديث لـموقع “لبنان الكبير”: “ان اقتحام القوات الوحشية للحرس الخاص سجن إيفين وإطلاق الغاز المسيل للدموع والاعتداء على السجناء العزل بضربهم بالهراوات وإطلاق الرصاص الحربي والرصاص الكروي، لدعمهم انتفاضة الشعب وإطلاق هتاف (الموت لخامنئي)، دليل على أن انتفاضة الشعب الايراني التي دخلت شهرها الثاني، كرّست القناعة بديمومتها على الرغم من القمع الوحشي، فالأوضاع بعد هذه الانتفاضة لن تعود الى ما كانت عليه سابقاً، وهو أمر محل اعتراف قادة نظام الملالي والمتواطئين معه”.

ويؤكد أن “هذه الانتفاضة تجنبت رفع مطالب لنظام الملالي وأصرت على التغيير الجذري وحال ذلك دون تحولها الى حركة احتجاجية تقتصر على المطالبة ببعض الاصلاحات الشكلية. فهي حفرت في عمق الواقع الايراني، وعبّرت عن راديكالية في طرح شعارات مثل (الموت للديكتاتور والموت لخامنئي)، وتمكنت من افشال خدع نظام الملالي والمتواطئين معه الذين كانوا يسعون إلى إخماد التحركات الاحتجاجية”.

ويشدد على أن “عزيمة الثوار وادارتهم للصراع اليومي من أجل إسقاط نظام العصور الوسطى وإنهاء الديكتاتورية، تؤكدان أن المعركة مصيرية وشرسة وستستمر حتى النهاية”.

وكانت المعارضة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة لمجلس المقاومة أكدت أن كل الدلائل تشير إلى كون جريمة سجن ايفين مخططاً لها مسبقاً. وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بمحاسبة النظام وقادته على ارتكابهم الجرائم بصورة يومية، مشيرة الى أن النظام لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة لبقائه مثلما فعل في مجزرة السجناء السياسيين عام 1988 بحق 30 ألف سجين. 

وكشفت شهادة ياسر هاشمي رفسنجاني بشأن إجازة شقيقه مهدي من السجن، أن الحريق في سجن إيفين كان مخططاً له مسبقاً. وقال في “كلاب هاوس”: “مهدي حسب المألوف ينزل في إجازة بعد كل أسبوعين يوم الأربعاء ويعود إلى السجن يوم الجمعة. ولكن (هذا الأسبوع) أعطوا لمهدي إجازة مبكراً بيوم أو يومين وحينما أراد أن يعود يوم الجمعة إلى السجن قالوا له لا تأتي… (بحيث) كان يظن أنه لا سمح الله حصل حادث لوالدتي حين قالوا له فجأة إذهب للإجازة. كان مهدي في العنبر السابع ويبدو أن (سلطات) السجن كانت مطلعة على ما كان سيحدث وحينما أراد العودة يوم الجمعة قالوا له إذا كنت لا تريد أن تأتي فلا إشكال لا تعد. وكان الأمر غريباً بالنسبة اليه لماذا يواجه مثل هذا الواقع وفيما بعد يعلم بأن هؤلاء كانوا على علم بما سيحدث؟” (كلاب هاوس ياسر هاشمي 16 أكتوبر).

ماذا حصل في سجن إيفين يوم السبت الماضي؟ حسب شهود عيان، عندما كان سجناء العنبرين 7 و 8 في وقت التشمس، هاجمهم حرس السجن بالغاز المسيل للدموع والرصاص والهراوات، بسبب إطلاق الهتافات وتحويل مركز إيفين للتعذيب إلى قاعدة لدعم الانتفاضة من السجناء. واعتقل نحو 50 شخصاً من العنبر 8، وهو مكان زنازين السجناء السياسيين ويتكون من 8 غرف، ونقل 15 منهم إلى مستشفى السجن لاصابتهم بجروح متعددة، ونقل الباقون إلى أماكن مجهولة وسجن كوهردشت. أما في العنبر 7، فاضطر السجناء الى إشعال النار في بعض بطانياتهم للتعامل مع الغاز المسيل للدموع خوفاً من الاختناق.

واشتدت المواجهات لاحقاً في العنبر السياسي، وجرى إخراج 11 من أنصار “مجاهدي خلق” من العنبر 8 ونقلهم، بينما تعرض آخرون لاطلاق النار، مما أدى الى اصابة 6 سجناء، ولم تتم إزالة شظايا الرصاص من بطن هؤلاء السجناء وأرجلهم، كما أصيب بعضهم برصاص حي في الساقين وتعرض للضرب بالهراوات واللكم والركل حتى بعد إصابته.

وبحسب شهود عيان، اشتعلت النيران في العنبر 7 بالكامل، وقتل وجرح أكثر من 60 شخصاً نتيجة إطلاق الرصاص. ووفقاً لتقرير من العنبر 4، حيث يوجد مزيج من السجناء العاديين والسياسيين، كسر السجناء الباب وخرجوا عند إطلاق الغاز المسيل للدموع ورصاص المسدسات. واستمر القتال والهتاف وضرب السجناء حتى الساعة 1:50 فجر الأحد، وقام السجناء بإشعال النار في صناديق القمامة.

من ناحية أخرى، حاصر عناصر من الحرس ورجال الأمن بالملابس المدنية، السجن، ودخلوا الى العنابر وأطلقوا النار بصورة عشوائية على التلال والنوافذ لمنع هروب السجناء الذين اعتلوا السطح.

وفي الوقت نفسه، استهدف عناصر النظام المنازل والنوافذ في محيط إيفين، حيث سمعت الهتافات التي اختلطت بأصوات الرصاص. وأدى القمع في السجن الى مقتل 4 سجناء فوراً واصابة 61، ثم أفيد عن وفاة أربعة مصابين جدد امس حسب المصادر الرسمية الايرانية.

وأثار الاعتداء على السجناء ردود فعل من منظمات حقوقية عدة دانت التعذيب الممنهج وبتر الأطراف داخل المعتقل. وكانت الحكومة الأميركية أدرجت عام 2018، السجن على قائمة سوداء بسبب ما يشهده من انتهاكات لحقوق الانسان. ومن بين المواطنين الأميركيين المحتجزين في إيفين خبير البيئة مراد طهباز، الذي يحمل الجنسية البريطانية أيضاً، ورجل الأعمال عماد شرقي. ومن مزدوجي الجنسية الأكاديمية الفرنسية الايرانية فريبا عادلخاه، والايراني السويدي أحمد رضا جلالي وهو طبيب وباحث في طب الكوارث.

كما أن المخرج الايراني المعارض جعفر بناهي، صاحب الجوائز السينمائية الدولية معتقل هناك، وكذلك السياسي الاصلاحي مصطفى تاج زاده.

واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سلطات السجن باستخدام التهديد بالتعذيب والسجن إلى أجل غير مسمى لاخضاع النزلاء، وكذلك إجراء استجوابات طويلة معهم وحرمانهم من الرعاية الطبية.

وفي تموز 2022، كشفت منظمة “إن بويا ترابي” عن قيام السلطات في السجن بـ”بتر أصابع” متهم بالسرقة، باستخدام “مقصلة”. وبحسب منظمة “العفو الدولية”، فقد بترت أصابع معتقل آخر هو سيد بارات حسيني، من دون إعطائه مخدراً. وقالت منظمة “العفو الدولية” إنه “جرى تركيب مقصلة خاصة في إيفين من أجل مركزية تنفيذ أحكام البتر الصادرة في جميع أنحاء البلاد”. ووفقاً لمركز “عبد الرحمن بورومند”، أقدمت السلطات الايرانية على بتر أصابع ما لا يقل عن 131 رجلاً منذ كانون الثاني 2000. 

ويبقى السؤال هل تنتقل إنتفاضة الشعب الايراني إلى السجون؟ وهل سيكون لها دور في اطلاق شرارات التغيير التي انطلقت وكانت النساء بطلاتها في الشارع رداً على مقتل مهسا أميني؟

شارك المقال