بوتين يطلق سباق التسلح النووي في العالم

حسناء بو حرفوش

وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم على مشارف كارثة ذرية، أكثر من أي وقت مضى، وفقاً لمقال في موقع “واشنطن بوست”، يحذر من أن سباق التسلح العالمي الجديد قد انطلق، وأن الكثير يتوقف على نتائج الحرب الأوكرانية.

ووفقاً للمقال، “لقد أطلق بوتين فعلياً هذا السباق من خلال تهديداته المتكررة باستهداف أوكرانيا أو دول أوروبية أخرى بأسلحة نووية. كما أثبت أن امتلاك القنابل الذرية يمنح القوة في حين أن الافتقار إليها، كما هو الحال في أوكرانيا، يترك البلاد عرضة للخطر. وبالنتيجة، تستعجل المزيد من البلدان في بناء ترساناتها الخاصة أو تنميتها وإعادة كتابة استراتيجياتها لاستخدامها.

وبالنظر إلى الأخبار التي تصدرت العناوين هذا الشهر من آسيا إلى أوروبا، يبدو أن كوريا الشمالية أطلقت جولة جديدة من الصواريخ الباليستية، أحدها فوق اليابان والمحيط الهادئ، وحاكى ضربات نووية تكتيكية ضد مطارات وأهداف أخرى في كوريا الجنوبية، وهذا يعني أنه قد يستعد لتجربة نووية ستكون الأولى له منذ خمس سنوات. وفي غضون ذلك، أخفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين لجأ الى الصراحة المفرطة بخصوص رفض الرد بالمثل في حال استخدمت موسكو النووي، بينما كان الأجدى به أن يحافظ على “الغموض الاستراتيجي”. وبالنتيجة، تحاول إدارته الآن التراجع عن وضوحه المفرط.

في هذا السياق، يعتبر التدريب الروتيني المشترك الذي يقوم به 14 من الحلفاء الثلاثين للتدرب على إسقاط القنابل النووية الأميركية من الطائرات المقاتلة للدول الحليفة في حالة الطوارئ، مصدر أمل، خصوصاً في حال أبقى الكرملين أنظاره عليها. ويشير الإفراط في التفاخر النووي في كوريا الشمالية القلق في فرنسا. ففي الآونة الأخيرة في كانون الثاني، حتى عندما كان بوتين يخطط لهجومه على أوكرانيا، كانت روسيا واحدة من الموافقين في مجلس الأمن، لسخرية القدر، على حقيقة أن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ويجب عدم خوضها أبداً”.

ويقدم الأوكرانيون حالياً درساً مختلفاً للعالم. ففي التسعينيات، وافقوا – إلى جانب بيلاروسيا وكازاخستان – على التخلي عن ترساناتهم النووية من العهد السوفياتي مقابل ضمانات أمنية من القوى الكبرى، وعلى الأخص روسيا. ولو أن أوكرانيا احتفظت بدلاً من ذلك بما يقرب من 1900 رأس حربي كانت بحوزتها في ذلك الوقت، لكانت حرب هذا العام ستسير بصورة مختلفة تماماً، ولما قام بوتين بتهديدات نووية، وهذا لم يغب عن انتباه أحد. ففي العالم الجديد – أي عالم بوتين – أفضل رهان للبقاء في وضع السيادة وأفضل رهان للديكتاتور للبقاء في السلطة، هو امتلاك الأسلحة النووية.

وأدرك كيم جونغ أون هذه النقطة منذ زمن بعيد. وكذلك فعل الملالي في طهران ولهذا تستعجل الصين في إثراء ترسانتها بأسرع ما يمكن. قد تستنتج الهند وباكستان أنهما أيضاً، بحاجة إلى المزيد أو أكثر من الأسلحة النووية الحديثة، كما تفعل إسرائيل. ويمكن أن تشك كوريا الجنوبية واليابان وتايوان في سلامتها تحت المظلة النووية الأميركية وتسعى الى الحصول بدورها على رؤوس حربية خاصة بها. كما يمكن لدول أخرى من الشرق الأوسط اتباع المثل. وضمن الاتحاد الأوروبي، قد تقرر دول مثل بولندا أو فنلندا التي تشعر بالتهديد بصورة مباشرة من روسيا أنها بحاجة أيضاً إلى وسائل ردع ذرية. وحتى الألمان يتحدثون بجدية أكبر عن بناء ترسانة وطنية.

ولا تكمن المشكلة في العدد المتزايد للأسلحة النووية أو في تنوعها، من الأسلحة “التكتيكية” منخفضة القوة إلى “الاستراتيجية” عالية القوة. ويستلزم هذا الانتشار أيضاً إعادة كتابة كاملة لما يسمى بـ”المواقف” للقوى النووية، أي الأدوار الاستراتيجية التي تخصصها هذه الدول علناً لترساناتها كوسيلة لإبلاغ نواياها الى الخصوم.

وكانت آخر مرة اقترب فيها العالم من الحرب النووية إبان أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962. وقد ألهمت تلك الصدمة سلسلة من المعاهدات في السنوات اللاحقة للحد من الانتشار النووي والسيطرة على سباق التسلح. لكن بالنظر إلى الماضي، حلت الحرب الباردة في عالم أبسط، تهيمن عليه قوتان لهما مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن. أما عالم اليوم فأكثر انقساماً وساحة كبيرة للفوضى. ويتوقف الكثير على كيفية انتهاء حرب بوتين ضد أوكرانيا. هذا يعني اذا نجح بوتين في الابتزاز النووي، فإن العالم محكوم عليه بالفشل إلى حد كبير. أما في حال فشل، فقد تستطيع البشرية صياغة محرمات جديدة ضد شن حرب نووية”.

شارك المقال