تناقضات سويسرية ما بين دعم أوكرانيا وعشاء السفارة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كان لافتاً وصول الرئيس السويسري إغناسيو كاسيس الى كييف يوم الخميس، في إطار الدعم الغربي لها في وجه روسيا التي إستخدمت في هجماتها الأخيرة على العاصمة الأوكرانية طائرات كاميكازي – شهيد 136 الايرانية، وهو أمر أثار ردود فعل وتدابير أدت بالاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية، فالوقوف مع أوكرانيا في ظل الحرب الروسية عليها أمر مهم ويعبّر عن موقف سويسري برفض الاحتلال الروسي واحترام القانون الدولي والاعتراف بأوكرانيا كدولة مستقلة.

وواكب الاعلام هذه الزيارة الهادفة الى الاطلاع على التطورات الميدانية والوضع الانساني وأعمال إعادة الاعمار باهتمام بالغ، وجاءت في الوقت الذي كانت فيه كييف تتعرض للقصف بالطائرات الايرانية التي زودت بها روسيا بعد نفاد مخزونها الحربي ولجوئها الى تعويضه من إيران، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه عن إزدواجية المعايير السويسرية؟ فسويسرا البلد الداعم لأوكرانيا التي تحاول الوقوف في وجه روسيا وتكشف عن تدخلات إيران في هذه الحرب، عبر الدعم العسكري لموسكو وهي التي يفترض أنها محاصرة بالعقوبات الأميركية والدولية، لكنها تعقد الصفقات العسكرية لتسليم حليفها الروسي المزيد من المسيرات والصواريخ العابرة للقارات، تحاول تعويم إيران بإيعاز أميركي – فرنسي في لبنان، عبر نشاط سفيرتها في بيروت في الدعوة إلى عشاء يتبعه حوار تبين أن الهدف منه خلط حابل الترسيم بوابل الانتخابات الرئاسية وما بينهما من بحث لتعويم بطلي صفقة الاتفاق مع اسرائيل على الحدود البحرية جنوباً وقسمة النفط والغاز، وهما “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.

لقد كان الاتحاد الأوروبي متحمساً لعقد الاتفاق النووي سريعاً ونسي الأوروبيون أن الصواريخ والمسيرات الايرانية صارت في عقر دارهم، وباتت تشكل خطراً عليهم وليس على بلدان الشرق الأوسط وحسب، لا سيما التي تضع إيران يدها عليها من خلال حراس ثوريين تحت مسميات “حزب الله” أو “الحشد الشعبي” أو “أنصار الله” وغيرها من المسميات.

والأنكى أن السفارة السويسرية ألغت العشاء المفترض من دون توضيح كاف بعد كشف أبعاده وتخوف قوى سياسية لبنانية وديبلوماسية عربية من الاطاحة بالدستور واطلاق يد إيران في لبنان وتثبيت إحتلالها له، ومن دون أن توضح حقيقة ما وراء دعوة “حزب الله” وآخرين الى العشاء لفتح حوار معه وكأنها تلعب دور العراب للمشاريع الأميركية، إذ من الواضح أن جو بايدن أراد مكافأة من روّج للانتصار اللبناني في اتفاق الترسيم الذي اعتبره كثير من اللبنانيين خيانة وطنية لن تمر من دون حساب.

وعليه، كانت التساؤلات حول حقيقة الموقف السويسري في بيروت والذي هو نقيض موقفها في أوكرانيا، ومن هنا اعتبر البعض أن دعوة العشاء لممثلي تكتلات برلمانية، ملغومة وغير بريئة وجاءت نتيجة الترابط الأميركي – الفرنسي من جهة والايراني من جهة أخرى وكعربون مقدم لصفقة النووي المنتظرة أيضاً، وحجر مدماك من الحزب الديموقراطي لايران عبر تحصين دور أذرعها في الدول العربية المحتلة ومنها لبنان.

وتستغرب مصادر سياسية “أن تكون هذه الدعوة من دولة محايدة، إلا أن حجة لم شمل اللبنانيين وكأنهم في حالة حرب يستعطفون الخارج لاجلاسهم على الطاولة أمر غير واقعي. صحيح نحن دولة مسروقة ومنهوبة ومنكوبة اقتصادياً واجتماعياً بسبب الفساد والطبقة الحاكمة التي تريد من بعض الدول تعويمها والمحمية من سلاح حزب الله الذي يسيطر على كل مفاصل الدولة، لكن تبين أن الدعوة السويسرية كانت تلبية لرغبات الأميركي والايراني علها تنجز تسوية على حساب التركيبة اللبنانية وعلى حساب الطائف، وبمثابة مكافأة لطرفي صفقة الترسيم من أميركا وفرنسا حتى وإن كان الثمن العبث بالكيانية اللبنانية، ولأنه لم يكن ممكناً لفرنسا أن تقوم بهذه الدعوة، خصوصاً أن وضعها الاقتصادي سيء جداً وهي عضو في الاتحاد الأوروبي الذي يفعل دوره المستقل باتخاذه عقوبات ضد ايران بعد الصرخة الأوكرانية”.

وتوضح المصادر نفسها أن “فرنسا لم تستطع لهذا السبب التكلم مباشرة مع الأطراف اللبنانية لجمعها على الطاولة بمن فيها حزب الله المتهم في الغرب وفي أوروبا تحديداً بالارهاب، فذهبت الى التنسيق مع الولايات المتحدة لتشكيل لائحة من الأسماء المطلوب حضورها في العشاء لاعادة إنتاج المنظومة نفسها التي نهبت لبنان ودمرت اقتصاده وأفلست شعبه، ولم تستطع الاتفاق على تشكيل حكومة أو انتاج الرئيس المقبل، وهي بتحالفها مع حزب السلاح الذي يعمل على ابقائها وتمكينها في الحكم، هدفت الى تمرير مصالحه الخاصة عبر مكافأة التيار الوطني الحر وحزب الله على التطبيع والاعتراف باسرائيل. ويبدو أن الجائزة كانت ستبدأ من خلال العشاء للتوافق أولاً ومن ثم انجاز تسوية على حساب لبنان بإيجاد رئيس وتقويته مسيحياً وهذا ما يبغيه جبران باسيل بينما عملياً هو سيسعى الى ضرب الطائف، وتحقيق رغبة حزب الله في المثالثة اعتماداً على العددية وبالتالي ضرب لبنان الرسالة”.

وتعرب المصادر عن استغرابها من “أن تاتي الدعوة من بلد ليست له قوة اقتصادية ولا عسكرية ولا مصالح في لبنان، ليقول إنه يعمل على حماية مصالحه، واذا ما نظرنا الى محاولات الحوار في لوزان وسان كلو فهي كانت غير مشجعة ولم تحل أياً من الأمور المختلف عليها، لا سيما وأن لبنان عانى من احتلالين اسرائيلي وسوري ويعاني اليوم من احتلال إيراني ولا يمكن أن يتعافى من دون انهاء هذا الاحتلال لا أن يعطيه شرعية دول كبرى وإبعاده عن محيطه العربي”، مشيرة الى أن “حوار سان كلو لم يوقف الاغتيالات التي طالت قيادات 14 آذار وكان آخرهم الوزير محمد شطح، لا بل يمكن القول ان ايران وحزب الله استفادا من ذلك حتى تمكنا من السيطرة بكل الوسائل على البلد”.

وتتساءل عن دور السفيرة السويسرية ومصالحها مع أفرقاء السلطة الحالية؟ معتبرة أنه “دور مشبوه، فهي منذ وجودها في لبنان تمارس دوراً غير واضح لجهة عدم الاتزان في القرارات والمواقف”. وتسأل: “من الذي أوصل فساد رياض سلامة وخلق بلبلة حول الدعوى السويسرية ضده ثم أقفل الملف لاحقاً، بعدما تبين أن كل الوثائق التي قدمت هي مجرد اتهامات تثيرها قوى سياسية في الداخل اللبناني في اطار صراعها مع منافسيها؟ وكيف سرّبت هذه المعلومات والأوراق المزورة وفتحت القضية ضد سلامة في سويسرا بتهمة اختلاس أموال من البنك المركزي وهي سيناريو من سيناريوهات التيار الوطني الحر؟ اذ فتح القضية مدعي عام سويسري، ولم تكن السفيرة بعيدة عن ذلك فكل ما حصل عبرها، وكذلك لم تقم الدولة اللبنانية بالاستفسار عن هذه الدعوى التي لم تصل الى نتائج”.

وترى المصادر أنه “لو أرادت الدولة السويسرية الدخول على خط الأزمة اللبنانية لكان عليها اختيار عنوان غير العشاء. ثم كيف لسويسرا أن تقوم بمهمة التلاعب بالدستور اللبناني، عبر نشاط سفيرة تمارس (البزنس) وكانت تقوم بمهام في اسرائيل ولها علاقات مع رجال أعمال هناك، وهي بصفتها الديبلوماسية تستطيع لم شمل الشركات المالية التابعة لحزب الله مع شركات اسرائيلية؟”.

وتخلص الى أنه بالمقارنة ما بين موقف سويسرا في أوكرانيا وفي لبنان هناك فرق شاسع. فهل كانت الدولة السويسرية على علم بهذا العشاء أم هو تصرف فردي من السفيرة؟

شارك المقال