عودة اللاجئين على نار انجازات العهد

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من الواضح أن الرئيس ميشال عون قبيل خروجه من قصر بعبدا أراد تسجيل ومراكمة انجازات ينسبها الى عهد الجحيم والعتمة والسرقة والفساد، لاسيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، لكنه نال صفعة من النظام السوري الذي رفض استقبال وفد لبناني شُكل فجأة لبحث هذا الموضوع وبدا كـ”غافل إله الله”، إذ ظهر واضحاً أن بشار الأسد لن يقدم هدية مجانية لعهد ذاهب، وسينتظر العهد الجديد ليضع شروطه بتعويم نفسه عن طريق لبنان عربياً ودولياً إن إستطاع الى ذلك سبيلاً.

وكان عون وتياره السياسي قد شغلا اللبنانيين خلال الشهرين الماضيين بملف ترحيل اللاجئين السوريين، واشتعلت الخلافات بين وزيري المهجرين والشؤون الاجتماعية عصام شرف الدين وهكتور حجار ومع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول هذا الملف، الى أن جاء تكليف “حلال المشكلات” المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بمتابعة الملف واعادة الأمور الى سابق عهدها في العام 2017، أي تجديد خطة العودة القديمة بعد انتقادات الهيئات الدولية الانسانية والحقوقية والمعنية بشؤون اللاجئين، التي اعتبرت أن الأمر فرض اعادة قسرية وأن الحرب السورية لم تضع أوزارها بعد.

وأكد اللواء ابراهيم في مؤتمر صحافي، أن “إعادتهم إلى أرضهم واجب وطنيّ”، و”لم نلقَ من الجانب السوري إلا كل الترحيب والشفافية”.

ورأى أن “لملف النزوح انعكاسات سلبيّة، لذلك يجب معالجته، ولبنان يرفض طريقة التعاطي التي تتمّ معه من كثيرين وعلى رأسهم منظّمات إنسانية وأخرى تدّعي الإنسانية تحاول أن تملي علينا إرادتها”. وقال: “لن نخضع للضغوط لأنّ مصلحة الشعب اللبناني هي أوّلاً وأخيراً، ولن نُجبر أي نازح على العودة وهذا مبدأ لدينا ونسعى الى تخفيف العبء عن لبنان”. وأوضح أن “هناك مليونين و80 ألف نازح سوريّ موجودون حاليّاً في لبنان، وقرابة 540 ألف سوري عادوا طوعاً الى بلادهم منذ بدء الخطة عام 2017”.

منذ منتصف آب الماضي بدأت إجتماعات مكوكية لبنانية للتحضير لاعادة قسم من اللاجئين السوريين الى بلادهم، اقتصرت على رئاسة الجمهورية ووزراء الخارجية والمهجرين والشؤون الاجتماعية، ولاحقاً بمشاركة اللواء إبراهيم، وكان مستغرباً عقد المباحثات خلال فترة زمنية قصيرة تفصل عن انتخابات رئاسة الجمهورية وخروج الرئيس عون من قصر بعبدا، والذي كان يبحث عن إنتصارات يسجلها قبل رحيله، فرأى أن ذلك لا يتحقق الا عبر شخصيات تعتبر جزءاً من فريق عمله، أي من لون واحد، من “التيار الوطني الحر” وكأنه يقدم شهادة حسن سلوك ويرسل رسائل الى النظام السوري والمجتمع الدولي وإيران بأن توجهه لا يزال الاستمرار في العداء لوجود السوريين الذين دعموا الثورة وهجروا الى لبنان.

واذا حاولنا تفصيل الوجود السوري في لبنان فيمكن ملاحظة أن هناك سوريين لجأوا اليه بحكم الجيرة وتلاصق الحدود والأراضي، بعد قصف مدنهم وقراهم وتدميرها والاستيلاء عليها من ميليشيا “حزب الله”، التي خاضت حرباً ولائية في سوريا ضد السنة وهي بحسب مصادر سياسية متابعة “مهمة تكفلت بها ايران بتواطؤ دولي وتحديداً مع الولايات المتحدة التي غضت النظر لأنها كانت تسعى الى الاتفاق مع ايران حول النووي الذي أنجز في عهد باراك اوباما وحسن روحاني عام 2014 ومهد لدخول ايران الى المنطقة العربية وسمح لها باللعب في ساحاتها، وبما أن هذه الميليشيات لبنانية تعمل في سوريا، فإن لبنان اذاً كان مشاركاً في هذه العملية عبر جهة رسمية ممثلة في الدولة والبرلمان والحكومة ولها اليد الطولى في القرار السياسي والأمني وبالتالي هي مسؤولة عن تهجير السوريين”.

وهناك في لبنان فئة العمالة السورية وهي كانت ولا تزال مطلوبة دائماً بسبب الحاجة الى اليد العاملة السوداء ونظراً الى تقارب البيئة الجغرافية، فالعمالة السورية كانت منذ الاحتلال السوري وزاد عليها فقط مجيء عائلات هؤلاء العمال بسبب الحرب في سوريا. وهناك قسم ثالث من السوريين وهم هؤلاء القادمون الذين يبحثون عن عمل في لبنان، حيث يأتون ويذهبون عبر المعابر الحدودية، بوثائق وقسائم دخول تدمغ في مخافر الأمن العام. وبرأي المصادر نفسها فإن هذه “الشريحة هي الأخطر لأنها تسجل في الأمم المتحدة وتتقاضى الأموال وتعمل في لبنان وتتنقل منه الى سوريا وتنقل الأموال من لبنان بينما تجلب معها مأكلها ولباسها وحاجياتها من سوريا، أي لا تصرف في لبنان. وهذه الفئة تتولى عمليات تهريب أحياناً، وهناك بالطبع عصابات التهريب التي تعمل على ادخال واخراج من تشاء عبر المعابر غير الشرعية التي يتجاوز عددها الــ 130 معبراً، من العروس والبشر الى ملاحقين من قوى أمنية ومتهمين بأعمال غير شرعية، ومعالجة المشكلة هي من مهام الأمن العام والقوى الأمنية التي يجب أن تضبط المعابر وتلاحق عبور وخروج هؤلاء من السوريين ويسمون على اللاجئين”.

وهنا ترى هذه المصادر ضرورة “الفصل ما بين المجموعة التي تعرضت للتهجير من مناطقها والتي لا تملك وثائق وتعيش في المخيمات وتعاني الأمرين لأنها مطلوبة من النظام، ووقفت مع الثورة وقراها مهدمة وهي فعلياً لاجئة، ويروّج البعض لاعادتها بحجة أن جوع اللبنانيين اليوم سببه اللاجئون السوريون وهو كلام غير حقيقي وغير صحيح. كما أنه لا بد من قيام وزارة العمل بدورها في تنظيم العمالة السورية وتأمين رخص عمل واقامات سنوية وربما طلب عمال نتيجة حاجة معينة الى معلمين وصناعيين وحرفيين ليقوموا بالأعمال المطلوبة في لبنان، وهذا يمكن أن يحصل وفقاً لتوجيهات وزارة العمل وبالتنسيق مع الخارجية والأمن العام والوكيل للحفاظ على حقوق هؤلاء العمال وحتى لا ينصب عليهم أو يتعرضوا لممارسات عنف كالتي شهدناها سابقاً حين أرادوا الانتقام من السوريين، أي العمل على ضمان حقوق اللبنانيين وحقوق السوريين. فعندما يتم الدخول بتأشيرة والخروج بتأشيرة وبوقت عمل تستفيد الدولة من دفع القسائم المالية التي تعود الى خزينة الدولة”.

وبحسب المصادر فإن “القسم الخطير من السوريين ليس اللاجئين والعاملين وانما هؤلاء السوريون الذين يدخلون ويخرجون ويعبثون بلبنان ويتسولون ويبحثون عن عمل وحياة أفضل لهم في لبنان عبر طرق غير شرعية. وهذه الفئة غالباً ما تمارس أعمالاً شنيعة من تطرف الى سرقة الى تهريب مواد ومخدرات وهي مستعدة للقتل، ونلاحظ أنه يلقى القبض على الكثيرين ممن يمارسون الدعارة والقتل والسرقة ومن مرتكبي جرائم، وأحياناً ينجون اذا كانوا ملاحقين ويغادرون عبر الطرق الشرعية أو غير الشرعية، وهنا لا بد من أن تقوم الدولة بدورها”.

وتختم هذه المصادر بالدعوة الى “انهاء التعامل مع الملف السوري وفقاً لوجهة نظر سياسية أحادية الجانب والبحث عن انتصارات وهمية لا تغني ولا تسمن عن جوع، فملف اللاجئين ملف دولي وحل المشكلة يتعلق بحل سياسي للأزمة السورية أولاً وأخيراً ولا يجوز أن يظهر لبنان وكأنه يتحدى المجتمع الدولي ويهوّل مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان ويضخمها وفقاً لدعاية أطراف سياسية مرتبطة بالنظام السوري”.

شارك المقال