ماذا وراء الانتشار الروسي الجديد للقوات في بيلاروسيا؟

حسناء بو حرفوش

ما الذي يخفى وراء نشر روسيا قوات جديدة في بيلاروسيا؟ لم تذكر المصادر الروسية عدد القوات ولا الكثير عن المناورات التي ربطتها بتهدئة مخاوف مينسك، بينما أكدت هذه الأخيرة أن الهدف من هذا الإجراء هو حماية الحدود. ومع ذلك، يصعب تصديق كلمة مينسك أو موسكو، حسب مقال في موقع مركز مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، خصوصاً وأن الغزو الأوكراني الذي بدأ في شباط الماضي انطلق أيضاً من بيلاروسيا. لذلك، “يسهل تفسير المناورات على أنها استعداد لهجوم متجدد على كييف من الشمال ومحاولة لاستعادة زمام الأمور بعد سلسلة من الانتصارات الأوكرانية في ساحة المعركة. ولكن في النهاية، من المستحيل استخلاص استنتاجات قاطعة من دون معرفة عدد القوات والمعدات التي ستنشرها روسيا والمكان الذي ستتمركز فيه قواتها داخل بيلاروسيا”.

وحسب المقال، “تعمل أوكرانيا على تأمين حدودها الشمالية منذ بداية الحرب. لذلك من المستبعد أن تكفي القوات التي تنشرها روسيا في بيلاروسيا لشن هجوم جديد على كييف، حتى مع احتساب عناصر الجيش البيلاروسي. ويقدر الخبراء العسكريون أن حملة التعبئة مهما تضاعفت وصولاً حتى ثلاث مرات، ستبقى أقل من أن تسمح بشن هجوم ناجح في شمال أوكرانيا. وتُظهر اللقطات من بيلاروسيا بالفعل نقل العشرات من دبابات T-72 السوفياتية، مع الابلاغ عن دونباس بصفتها وجهتها: قد يعتبر ذلك مؤشراً آخر على أن هجوماً متجدداً على كييف من الشمال ليس مطروحاً، فهل يعقل استنفاد ترسانة الحليف الوحيد في حال كانت روسيا تخطط لهجوم جديد؟

ومنذ الربيع، انخفضت الأسباب التي تدفع لوكاشينكو الى الانخراط في الحرب بصورة كاملة، خصوصاً وأن المخاطر لم تتضاءل على الاطلاق. الخطر الأول والأكثر وضوحاً هو احتمال هزيمة القوات الأكثر استعداداً للقتال في بيلاروسيا.

ثانياً، لا يزال هناك إجماع بين البيلاروسيين، تقدره الاستطلاعات عبر الهاتف واستطلاعات الرأي عبر الانترنت بـ90%، على أن الجيش البيلاروسي لا ينبغي أن يشارك في الحرب. إذاً، من غير المرجح أن يندفع الجنود البيلاروسيون بحماس كبير الى الحرب. وحيث أن نظراءهم الروس يقاتلون من أجل أفكار منتشرة في مجتمعهم، سيتعين على البيلاروسيين أن يموتوا من أجل مُثل غريبة تماماً عن التوسع الإمبراطوري. وفي ظل هذه الظروف، من المؤكد أن نسبة التهرب من الخدمة العسكرية سوف تزداد.

وفي ضوء المخاطر المحتملة، يمكن توقع تردد لوكاشينكو لأطول فترة ممكنة، بحجة أن الأمر لا يستحق المخاطرة الجادة بزعزعة استقرار بيلاروسيا، التي أصبحت نقطة انطلاق عسكرية موثوقة لروسيا. ومع ذلك، أشرف لوكاشينكو نفسه على تصعيد على الأرض وعلى مستوى الخطابات. وبالتالي، لا يمكن استبعاد أنه يخشى حقاً من هجوم عسكري أو من تحويل العدوان على بيلاروسيا. ويقاتل المئات من المتطوعين البيلاروسيين إلى جانب أوكرانيا، وبعضهم منفتح بشأن تصميمهم على إسقاط الدكتاتورية الموالية لروسيا في بلادهم بعد الحرب. وفي هذه الأثناء، تخضع المعارضة البيلاروسية المتمركزة في ليتوانيا وبولندا لشيء من العسكرة الخاصة بها.

وتأثرت نظرة لوكاشينكو الى العالم بعمق من خلال التقارير التآمرية لقادة أجهزة التجسس، والتي ربما تضافرت مع هزائم روسيا في ساحة المعركة والبلبلة حول المكان الذي قد يرد فيه الناتو على ضربة نووية تكتيكية روسية للإقناع بحجة الهجوم على بيلاروسيا. وهكذا، تبدو حجة موسكو للسعي الى نشر قواتها في بيلاروسيا أكثر وضوحاً. أولاً، يوفر هذا النشر فرصة لتدريب جنود الاحتياط الذين حشدتهم في وقت يعاني فيه، في روسيا، من نقص في الضباط والمعدات لأغراض التدريب. ويعتقد معظم الخبراء العسكريين أن روسيا تحسب أيضاً أن الانتشار سيجبر أوكرانيا على نقل بعض جنودها الاحتياطيين إلى الشمال أو الحفاظ على وجود ذي مغزى هناك، مما يحد من تقدمها على جبهات أخرى. وبينما لن يتوقف ذكر التهديد العسكري الذي تذرعت به موسكو ومينسك لنشر مجموعة القوات الاقليمية في أي وقت قريب، ربما ينظر جيران بيلاروسيا بصورة متزايدة إلى الوجود العسكري لروسيا على أراضيها على أنه الوضع الطبيعي الجديد والسمة الرئيسة للوضع الأمني ​​الإقليمي”.

شارك المقال