رسالة سياسية “مبطّنة” مرّت من مخيّم “البارد”!

إسراء ديب
إسراء ديب

استنكر أهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان عمليات الدهم التي نفذها الجيش اللبناني بصورة مفاجئة وصادمة في مخيم نهر البارد، وأحدثت حالات هلع لا سيما بين الأطفال والنساء الذين يعيشون في مخيّم أقلّ ما يُمكن وصفه بأنّه “منكوب”، ويعيش أزمات اقتصادية وإنمائية لم تسمح له بالنهوض منذ العام 2007 حتّى يومنا هذا.

هذا المخيم الذي تُسيطر عليه الدّولة اللبنانية مباشرة خلافاً للمخيمات الأخرى، استفاق منذ ساعات الصباح الأولى على أصوات أعادت أمامه قاطنيه مشاهد قاسية مرّت عليها 15 عاماً من دون انتهاء هذه المأساة التي رافقت أبناء المخيم الذين تهجّروا من مخيّماتهم بلا عودة، وهي أصوات مخيفة ناتجة عن تنفيذ قوّة من الجيش بدعم من القوات الجوية والبحرية عمليات دهم في المخيم، أدّت إلى توقيف 9 مطلوبين بموجب عدّة مذكرات توقيف بجرائم ترويج المخدرات وإطلاق النار والقتل.

ووفق معلومات “لبنان الكبير”، فقد أصيبت امرأة بعد قيام الجيش بدهم منزل أحد الموقوفين، “لكنّهم أخطأوا في تحديد المنزل فداهموا منزلاً آخر ما أدّى إلى إصابتها”، كما حصلت مداهمات بالقوّة أدّت إلى خسائر مادية في المنازل.

أمّا مصدر سياسي فأكّد لـ “لبنان الكبير”، أنّ “الرسالة وصلت من خلال عمليات الدهم هذه، وتوصي بقوّة الجيش اللبناني وقدرته على فرض السيطرة من جهة، واحتمال طرح قائد الجيش رئيساً للجمهورية بتسوية سياسية يبدو أنّها ستكون قريبة للغاية من جهة ثانية”.

وللحديث عن تفاصيل هذه العملية، تواصل “لبنان الكبير” مع أمين سرّ الفصائل الفلسطينية في منطقة الشمال ومسؤول العلاقات السياسية في حركة “فتح” فرحان عبدو المعروف بـ “أبو فراس نعاري”، الذي قال: “تربطنا بالمؤسسة العسكرية أفضل العلاقات والتواصل في كلّ ما يصبّ في مصلحة المخيّم وكذلك مصلحة لبنان، لما للمخيمات من دور كبير في حفظ الأمن فيه، ومخيم نهر البارد نموذج للتعاون، والمخيم الوحيد الخالي من السلاح ويقع تحت سلطة الدّولة مباشرة من جيش، مخابرات وأمن داخلي”.

وأعرب عبدو عن استهجانه الكبير لهذه المداهمة التي اعتقد الفلسطينيون للوهلة الأولى أنّها منظمّة للقبض على إرهابيين أو تنظيم إرهابي خطير وفق معطيات أمنية أعلمتهم بهذه التفاصيل، لكنّهم اكتشفوا وبعد ساعة من بدئها أنّها كانت تتوجه الى تجار أو مروّجي مخدّرات “كنّا قد طالبنا بإلقاء القبض عليهم منذ أكثر من سنتيْن”.

أضاف: “بدءاً من الساعة السادسة والربع وصولاً إلى السابعة والنصف صباحاً، استفقنا على أصوات الطائرات اللبنانية فوق المخيّم، مع قوّة في البحر أيّ بزوارق تجوب الشواطئ ومرور عشرات الآليات العسكرية براً وحشود من العسكريين لمدّة ساعتين، وقد تكون المداهمات قد بدأت قبل السادسة والربع لأنّ الصوت الذي جعلنا نستيقظ آت من الطائرات لكنّ المداهمات البرية قد تكون سبقت الخطوة الجوية”.

وبعد توقيف 9 مطلوبين، أشار إلى أنّ 6 منهم كانوا موقوفين لدى مخابرات الجيش منذ شهر، “كما كان المخيم قد طالب مراراً وتكراراً بالتشدّد ضدّ مروّجي المخدّرات لكن ليس بهذه الطريقة والأسلوب المفزع الذي أقلق المخيم بعد مداهمة ذكرها الجيش في بيانه حيث سلّط الضوء على تجار للمخدّرات، لكنّهم مروّجون لهذه المادّة وليسوا بهذه الخطورة التي تستحقّ اقتحام المخيّم بهذا الشكل، فقد يقتحم الجيش منزل الموقوف أو مكان إقامته وحسب”.

ورأى أنّ أحدهم أراد إيصال رسالة عبر المخيم تخصّ الشأن الداخلي اللبناني، قائلًا: “نحن لسنا صندوق بريد لأحد، ولسنا جزءاً من التجاذب السياسي الحاصل، بل نحن على مسافة واحدة من الجميع ونرضى بأن نكون خنجراً للجيش، لكن هذا التعاطي مرفوض رفضاً قاطعاً، فمن الأفضل التعاون للتوقيف، وكّنا تواصلنا مع قياداتنا والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبّور الذي استقبله قائد الجيش العماد جوزف عون منذ ساعات وننتظر الساعات المقبلة لنرصد مصير المعالجة في مخيم لا يزال مدمّراً بنسبة 25 في المئة لم تتمّ إعادة إعمارها وتشرّد 1500 عائلة تهجّرت منه”.

ووجه “تحية إلى الشعب اللبناني المتفهم لقضيتنا، فنحن ضيوف في هذا البلد ولا نخرج عن آداب الضيافة لأنّنا أصحاب أخلاق وكرام ولسنا دعاة توطين، لكنّ على الرّغم من الأحداث الأمنية مسبقاً، فهم يقتحمون بهذه الطريقة ونحن لم نلملم جراحنا بعد، اثر غرق أبنائنا وفقدانهم في قوارب الموت”.

اما عضو المكتب السياسي ل “الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” أركان بدر فأكد أنّ القيادة الفلسطينية ومعها كلّ اللاجئين، اتخذت خطوات عملية للنأي بالنفس عن التجاذبات اللبنانية الداخلية والحياد الإيجابي، “لأنّ أولويات شعبنا كانت وما زالت وستبقى هي مواصلة النضال من أجل انتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة والتي تتمثل في انتزاع حقّ العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها بقوّة الارهاب الصهيوني، تطبيقاً للقرار الدولي رقم 194، نقيضاً لكلّ مشاريع ومخططات التوطين والتهجير، والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق الانسانية، والتي دفعت الكثير من أبناء شعبنا الى الهجرة عبر قوارب الموت، التي حصدت أرواح العشرات بين شهيد ومفقود، كما حصل مؤخراً في مخيم نهر البارد”.

وتساءل: “كيف دخل إلى المخيم عدد من الأسلحة الفردية المحدودة؟ وكيف تدخل المخدّرات والآفات الاجتماعية إلى المخيم، ولمصلحة من؟ ولماذا جرى اللجوء إلى القاء القبض على المتورطين والمطلوبين – وهم قلّة قليلة جداً – بهذه الطريقة التي روّعت الأطفال والنساء، ولم تراع حرمات المنازل وممتلكاتها وأعراض النساء، وما رافقها من ألفاظ وتعابير لا تنسجم مع القيم الأخلاقية النبيلة التي عهدناها في المؤسسة العسكرية الشقيقة التي نحترم قيادتها وضباطها وعناصرها؟”، داعياً إلى القيام بمراجعة للوقوف على حقيقة ما حصل، حرصاً على العلاقات الأخوية التي تربط الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني.

شارك المقال