الثنائي التعطيلي

صلاح تقي الدين

أيام قليلة تفصلنا عن نهاية “العهد القوي” الذي لم يجلب على لبنان سوى البؤس و”التعتير” وجهنم التي يبدو أن الرئيس ميشال عون وصهره “السلطان” جبران باسيل مصران على إبقائنا فيها، وفوق ذلك إدخالنا في “متاهة” دستورية ستقضي على ما تبقى من انتظام في عمل المؤسسات.

لم تفلح كل المحاولات، لغاية الساعة على الأقل، التي بذلها المدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم، ولا الضغوط التي مارسها “حزب الله” في دفع “الثنائي التعطيلي” الى الافراج عن التشكيلة الحكومية التي قدّمها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في التاسع والعشرين من حزيران الماضي بعد يوم واحد على إنهائه الاستشارات النيابية غير الملزمة، والتي سرّبتها دوائر بعبدا إلى الاعلام وعليها ملاحظات الرئيس عون بخط يده.

قد يقول البعض إن هذا الثنائي تبادل الأدوار طيلة هذه الفترة، فمرة يجري الحديث عن اجتماع بين عون وميقاتي يبشّر بقرب خروج الدخان الأبيض وإصدار مراسيم الحكومة، فيلجأ “الصهر المعجزة” إلى تعطيلها عبر تسريبات إعلامية أو تسليم مطالب تعجيزية إلى اللواء إبراهيم، لتعود التسريبات في اليوم التالي وتتحدث عن “لينة” في موقف باسيل يقابلها تشدّد من عون، وهكذا دواليك إلى أن بلغنا “الخط الأحمر” والذي سنعبره من دون حكومة مكتملة المواصفات الدستورية لأنها لم تلب مطالب “الثنائي التعطيلي”.

ويعتبر مراقبون حياديون أن أسوأ ما في هذا الأمر هو التناقض بين مواقف عون وصهره والذي برز أخيراً من خلال الدردشة الاعلامية لعون مع الصحافيين المعتمدين في القصر الجمهوري، والمؤتمر الصحافي الذي عقده الصهر بعد ساعات قليلة على هذه الدردشة.

فقد كان عون واضحاً بأن المعني بالتشكيل أي الرئيس ميقاتي يريد إعطاء جميع الكتل أو القوى السياسية حقّها “وعندما يصل الموضوع إلى التيار الوطني الحر يرفض القبول بمطالبه”. وهذا الاعتراف الذي أدلى به عون وفقاً للمراقبين ينسف كل ما كان يرددّه سابقاً عن حقّه الطبيعي كرئيس للجمهورية بالحصول على حصة وزارية، فهل من المعقول أن يطالب بحصة له وحصة للتيار الذي يرأسه صهره، كي يتمسكان بالحصص الوازنة تحت حجة “التمثيل الشعبي”؟

ثم لم يتوان باسيل في مؤتمره الصحافي عن المطالبة بحصة من حق رئيس الجمهورية، نافياً رغبته أو رغبة تياره في التمثّل بالحكومة، فمن يا ترى نصدّق؟ هل نصدّق فخامة الرئيس الذي يطالب بحصة لصهره والتيار، أم نصدّق جبران الذي يدافع عن حق فخامته بالحصول على حصة وزارية؟

ويشترك “الثنائي التعطيلي” في رمي مسؤولية عدم تشكيل الحكومة على الرئيس ميقاتي، متناسياً مقولة شعبية مفادها أن “الشمس طالعة والناس قاشعة” بحيث أن محاولته إلباسها للرئيس المكلّف لم تعد تنطلي إلا على أنصار التيار والمغالين في تمجيد الرئيس وصهره.

هل إن تشكيل الحكومة يقع على عاتق الرئيس المكلف أم أن رئيس الجمهورية شريك في هذه العملية؟ فإن كان كذلك، على الحكومة حين تمثل أمام المجلس النيابي ويحجب عنها الثقة التي تمكنها من مباشرة عملها، أن تكون هذه الثقة قد حجبت عن الشريك في التشكيل أي رئيس الجمهورية، هذا ما يقوله المراقبون الذين يعتبرون أن صلاحية رئيس الجمهورية في توقيع مراسيم تشكيل الحكومة لا تجعله شريكاً في تشكيلها، لكن الديموقراطية التوافقية التي درجت العادة على ممارستها في لبنان، تعطي رئيس الجمهورية الحق في إبداء الملاحظات أو الاعتراض على تسمية وزير أو أكثر من دون أن “يبتز” الرئيس المكلف بعدم التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة التي يقدمها له.

هذه واحدة من وجهات النظر المضادة لوجهة نظر القصر الجمهوري و”مفبرك التفسيرات الدستورية” فيه المستشار الأكبر، والتي تقول إن الرئيس شريك كامل في تشكيل الحكومة. في جميع الأحوال، إن تعطيل تشكيل الحكومة عشية الأيام القليلة المتبقية على نهاية العهد، سيدخل البلاد في أزمة لم يبشر بها سوى الصهر وسمّاها “فوضى دستورية” والله عليم بمآل الأمور بعدها.

ولو كان التعطيل يطاول تشكيل الحكومة في الأيام القليلة الباقية من ولاية عون، لكان يمكن تمرير هذا “التعطيل” على اعتبار أن الاستحقاق الأهم هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الا أن هذا الاستحقاق معطّل أيضاً بسبب “حلم إبليس بالجنة” وهو أن يخلف جبران عمه على كرسي بعبدا.

لماذا يعطّل جبران انتخابات الرئاسة؟ لأنه يرفض وصول سمير جعجع وسليمان فرنجية وميشال معوض أو أي شخصية مارونية أخرى، فهو يصرّ في مواقفه على أن يتمتع الرئيس بـ”حيثية شعبية ونيابية” كحجة لاسقاط مواصفات الرئيس عليه دون غيره. ولا يمكن عدم ربط موقف باسيل من الانتخابات الرئاسية بشروطه الحكومية، إذ يعلم علم اليقين أن الشغور الرئاسي واقع لا محالة لذلك يتشدّد في مطالبه الحكومية لكي يتمكن من التحكّم بعمل الحكومة خلال فترة الشغور وتحسين ظروفه لكي يترشّح إلى المنصب الأول في الجمهورية.

التعطيل لم يعد هواية لدى “الثنائي” لكنه أصبح نهجاً سيستمر في اللجوء إليه طالما أن المطالب التي يرفعها لم تتحقق وبالتالي لا يعير أي اهتمام لمصير البلاد والعباد نتيجة هذا الواقع المرير، والأنكى أن جبران يعتبر أن هذا الوضع الذي بكل أريحية يتحمّله بنفسه إلى جانب عمه، سيزيد من معاناة الناس، كل الناس وسيستمتعان بمشاهدة لبنان يحترق كما فعل نيرون بروما.

 

 

 

 

 

شارك المقال