الترسيم… ثروات أو هفوات تنقبها الأيام؟

هيام طوق
هيام طوق

بعد سنوات من الانتظار، وجولات كثيرة من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل، حصل الترسيم رسمياً أمس بحضور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وتحت مظلة الأمم المتحدة.

الوسيط الأميركي الذي زار البلدين أكثر من مرة، كان يعرب دائماً عن تفاؤله بامكان التوصل الى اتفاق لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، متكلاً على جرعة دعم غير مسبوقة من ادارته ومن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تدخل شخصياً في تفاصيل النقاشات خصوصاً خلال المطبات التي كادت تنسف الملف من أساسه، وأجرى اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد أكد له فيه أن اتفاق الترسيم مع لبنان سيضمن أمن إسرائيل. وكان بايدن أول المهنئين أمس بإبرام الاتفاق رسمياً بين لبنان واسرائيل “من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده”، معتبراً أن “ھذه الاتفاقیة تقربنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أماناً وتكاملاً وازدھاراً، ما سوف یوفر منافع لجمیع شعوب المنطقة. الاتفاق (التاريخي) سیؤمّن مصالح كل من إسرائیل ولبنان، وسیمھد الطریق لمنطقة أكثر استقرارا وازدھارا. الولايات المتحدة ستواصل العمل كمسھل فیما یعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتھما وتنفیذ ھذا الاتفاق”.

وبغض النظر عن الانقسام الحاصل بين من يعتبر أن الترسيم بالصيغة التي تم فيها وصمة عار على الدولة اللبنانية لأنها تنازلت كثيرا عن حقوقها وثرواتها لصالح العدو، وبين من يرى أنه اتفاق تاريخي ولا يمكن انجاز الأفضل لأن لبنان يريد أن “يأكل العنب لا أن يقتل الناطور”، شهد أمس 27 تشرين الأول 2022 يوماً ترسيمياً بامتياز، ستكون المرحلة اللاحقة كفيلة بتوصيفه، وإن كان هذا اليوم سيذكر في السجل اللبناني بخط من ذهب لأنه سيكون الشرارة الاولى لانطلاقة جديدة ليس على المستوى الاقتصادي وما يمكن استخراجه من ذهب من أعماق البحار، انما على المستويات السياسية والأمنية والتوازنات الداخلية أو سيدون بخط أسود، وسيكون محطة تدفع الاجيال المقبلة ثمنها باهظاً، وحينها لا ينفع الندم.

إذاً، اليوم الترسيمي الطويل، انطلق صباح أمس مع وصول الوسيط الأميركي الى القصر الجمهوري حيث سلم رئيس الجمهورية ميشال عون، النص الرسمي والنهائي للرسالة الأميركية المتضمنة نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، مؤكداً أنه يوم تاريخي في المنطقة، ولا تكمن الأهمية في الاتفاق وحسب، بل بما سيحدث بعد اليوم. وأعرب عن اعتقاده أن ذلك سيشكل نقطة تحول مهمة للاقتصاد اللبناني ولمرحلة جديدة من الاستثمار. ثم انتقل الى السراي الحكومي حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أن يزور عين التينة ويلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وفي الناقورة، سلم الوفد اللبناني، الرسالة الموقعة من رئيس الجمهورية الى هوكشتاين قرابة الرابعة من بعد الظهر. وبالتزامن مع إتمام اتفاق الترسيم، شهدت المنطقة الحدودية الجنوبية استنفاراً أمنياً من الجهتين اللبنانية والاسرائيلية حيث جابت زوارق حربية إسرائيلية بالقرب من العلامات البحرية للحدود، كما جابت دورياتٌ لقطعٍ بحرية تابعة لـ “اليونيفيل” وللجيش اللبناني، شاطىء الناقورة وصولاً إلى الحدود لجهة العلامات البحرية في رأس الناقورة. وسُجّل استنفار عسكري برّي أيضاً.

وفي هذا الاطار، رأى الوزير السابق رشيد درباس أن “توقيع الترسيم البحري بداية شيء أبعد وأعمق، وبغض النظر عن الخطابات بحيث أن كل طرف يدعي البطولة في هذا الملف، ليس هناك من بطل لأن البطل الحقيقي هو الحاجة الدولية والاقليمية الى الاستثمار في الثروة النفطية والغازية في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية. هذا اليوم تاريخي بمعنى أنه حين تلتقي مصالح متعددة حول نقطة معينة، يتم الاتفاق، وبالتالي، من هذه الزاوية يمكن اعتبار الاتفاق تاريخياً، لكن ليس من زاوية الفخر أننا هزمنا العدو الذي حصل من خلال الترسيم على أكبر حصة ممكنة”.

ولفت الى أن “لبنان لديه دفائن نفطية وغازية في البحر، ولم تستخرج ويستفاد من ثرواتها لسببين: الأول، لأن الطبقة السياسية تتعاطى بخفة مع الأمور، وتضيع الفرص الكبيرة. والثاني، اللحظة الخارجية والاقليمية التي لم تكن مؤاتية للاستثمار اذ نحن دولة ليست لديها الاستقلالية في اتخاذ القرارات وتنفيذها. اليوم، بعد كل هذه الفترة تلاقت مصالح متعددة”، مشيراً الى “جانب تفاؤلي في الاتفاق بالنسبة الى لبنان ووضعه الاقتصادي بحيث أن العطشان حين يرى كوب الماء لا يهمه المصدر انما أن يروي عطشه، وهكذا بالنسبة الى الدولة العطشى المحتاجة الى أي مصدر لانعاش اقتصادها المتهالك”.

وأكد أن “المسألة لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي بحيث أن المصالح الاقتصادية الضخمة، والشركات المستثمرة لا تعمل الا في أجواء الاستقرار والهدوء، ما يعني عملياً أنه لا بد من القيام بخطوة جدية للملمة بنية الدولة الدستورية، وانتخاب رئيس جمهورية يكون موضع ثقة، وانطلاق حوار لاستعادة بعض سيادة الدولة والتعايش بصورة جديدة مع حزب الله”، وقال: “كما أن اليونيفيل ترعى القرار 1701، كذلك اليوم حصل ترسيم بحري انما برعاية الولايات المتحدة الأميركية”.

أما بالنسبة الى ما قاله رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد عن أن لبنان اعترف بإسرائيل في الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، أوضح درباس أن “هناك مساكنة اقتصادية وأمنية. عندما تبدأ الشركات بالتنقيب والاستخراج يعني أن المسيرات فقدت دورها، وهذه الأداة خرجت من اللعبة، وما يهمنا اليوم النتيجة التي على ما يبدو ستكون جيدة”.

أضاف: “نحن لا نعترف بدولة اسرائيل، لكن الفريق اللبناني تواجد في غرفة، والفريق الاسرائيلي في غرفة أخرى لكن في المقر نفسه، وتبادلا الأوراق عبر الوسيط الأميركي، ما يعني عملياً أن هناك مساكنة. ثم ان اسرائيل ستحفر في البحر بالقرب من حدودنا لا بل ستكون هناك موارد نفطية وغازية من حقول مشتركة. انها مساكنة واقعية تحت غطاء قانوني ملتبس”. واعتبر أن “الوفد الذي وقع في الناقورة من حواضر البيت لدولة متهالكة ومتصدعة، لكن بغض النظر عن مناصب الأفراد في الفريق اللبناني وهويتهم، علينا أن نسأل: هل اعترض أي طرف سياسي على الوفد؟ حين لا يعترضون على الوفد ولا على مضمون الرسالة الموقعة يعني أن كل الأطراف السياسية وافقت على الترسيم”.

أما رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة ملف ترسيم الحدود البحرية عمران زهوي، فرأى أن “لبنان حقق في ظل التنازلات من العام 2007 الى اليوم، ما أراده في الشق السياسي أي الخط 23 بالاضافة الى حقل قانا كاملاً”. وقال: “نحن نتحفظ عن العديد من النقاط التقنية التي وردت في الرسالة، والعقود مع الشركات المجحفة بحق لبنان كما هناك غموض وتحديداً في ما يتعلق بحقل قانا والشق الجنوبي منه وعائداته التي ستذهب الى العدو اذ كيف ستدفع؟ ومن أين؟ ولماذا يسوق في الاعلام أن شركة توتال ستدفعها من حصتها؟ وهل من حصتها من كامل البئر أو من الحصة المتعلقة بهذا الجزء منه؟ أمور كثيرة مبهمة في ملف الترسيم”.

وأشار الى أن “ما قاله لابيد غير صحيح بحسب الرسالة، والطريقة التي اتبعت في مفاوضات الترسيم والتوقيع، تدحض هذا الكلام بحيث أن الجانب اللبناني لم يجلس مع العدو، ولم يتفاوض معه انما عن طريق الوسيط الأميركي وبرعاية الأمم المتحدة، كما أننا لم نوقع اتفاقية ذكر فيها العدو الاسرائيلي بل وقعنا رسالة على بعض الاحداثيات التي ستسلم الى الأمم المتحدة، وضمها الى المرسوم 6433، وبالتالي، السلطة تمكنت من فبركة التخريجات للهروب من تداعيات الاتفاقية والمعاهدة”، معتبراً أن “توقيع الترسيم لمصلحة البلدين، لكن لا يمكن أن نقول ان المصلحة اللبنانية على قدر المصلحة الاسرائيلية وبالاخص على الصعيد الأمني”.

وتحدث عن “الغموض الذي رافق الملف منذ البداية لأننا في بلد مقسوم، وتكثر التأويلات”، لافتاً الى أن “طبيعة الوفد اللبناني تعني الهروب من الزواريب اللبنانية، والتحايل على الدستور على قاعدة أن ما يجري رسالة وليس معاهدة أو اتفاقية، انما كل ما حصل ليس سوى تسوية لاستغلال الثروات النفطية الموجودة في المياه مع العلم أن الجانب الاسرائيلي يسبقنا بسنوات”.

شارك المقال