عون وتحضيرات الفراغ… “يا رايح كتر القبايح”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أيام قليلة ويغادر رئيس الجحيم ميشال عون قصر بعبدا، مع نهاية ولايته في 31 الشهر الجاري، والتي ينتظرها اللبنانيون الذين احترقوا بنيران طموحات الصهر العنيد الذي جيّر كل ما يخطر في البال من فساد وسرقات ومصادرة الرأي وقرارات “التيار الوطني الحر” والاشراف على أداء حاشية القصر بما فيها “الخيانة الوطنية”، لصالح وراثة الكرسي، الا أنه لم ينجح في ذلك، لذا ستتغير الخطة مع حالة الفراغ المرجحة في الحياة السياسية إلى أن تأتي قدرة خارجية خارقة تلزم اللبنانيين بإنهاء هذه الحالة، وعليه يجري “حزب الله” وحليفه “التيار” الحسابات الدقيقة لتحقيق “انتصارات” جديدة.

طوال سنوات حكم عون الست عاش لبنان في الخلافات والنكايات والزكزكة، وسيطر حليفا “مار مخايل” على أجهزة الدولة والمؤسسات، وتحول لبنان الى مزرعة، اذ أصبح الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية ملاحقة منتقدي سياسة الرئيس ومعاقبتهم ومصادرة حرية الرأي والكلمة والتعبير، ما شكل ضربة للدستور اللبناني.

ليس هذا وحسب، فأي مراقب يكتشف سريعاً كيف سخّر العهد امكانات لبنان لخدمة حاشية الرئيس، وأنهى حلم اللبنانيين بدولة العدالة الاجتماعية. ست سنوات وبيد التيار العوني معظم مرافق البلد الحيوية ومع ذلك لم يتخلَّ عن شعار “ما خلونا”، لأن طموحاته كانت كبيرة الى حد تعطيل عمل كل الحكومات وتعطيل البلد والحياة من أجل نصرة الصهر وتأمين مستقبله السياسي ولو على حساب شعار إعادة حقوق الميسحيين الذي تغنى به، وقد طرح ظلماً وعدواناً لخدمة جبران باسيل و”التيار الوطني الحر” وحسب، وليس لخدمة المسيحيين.

كان واضحاً أن عون مع موجهه يسعى الى تسوية جديدة بين اللبنانيين تقوم على المثالثة، مقابل أخذ نصيبه من المغانم وتوزيع الثروات، وهو ما بدا ظاهراً في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، حيث الرهان على نتائجه في تأمين تعويم الصهر على الرغم من العقوبات اذا أمّن عون لـ”حزب الله” مطالبه بضرب إتفاق الطائف وهو ما هدف اليه عشاء السفارة السويسرية المؤجل، ومن ورائه فتح باب النقاش على تعديل دستوري يطيح بالطائف ويحقق للحزب نجاحاً بعدما ظل عاقلاً بتوجهات من راعيه الايراني الذي حصد ما يريده من الولايات المتحدة لصالح اسرائيل وعلى حساب لبنان.

بدا العهد في الأسبوع الأخير من ولايته يصارع من أجل قطف ثمرات نهاية وجوده، وتحرك في اتجاهات عدة لـتأمين مصالحه، أراد الذهاب الى سوريا ليرسم الحدود البحرية لكنه تلقى صفعة من السوريين. شنّ باسيل هجوماً مكثفاً على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي محملاً إياه المسؤولية عن عدم تشكيل الحكومة، علماً أن العهد يريد إكمال حكمه بواسطة تشكيلة وزارية يدخل اليها سياسون، أي يدخل جبران من الشباك بعدما أخرج من الباب بحكم نتائج انتفاضة 17 تشرين التي عرّته وكشفت فساده، ويحاول اليوم أن يكون المفاوض وهو المعترض على الحلول ويساجل كل الأطراف ويفتعل المشكلات، بحجة أنه يمتلك الكتلة النيابية الأكبر، بينما هو الخادم الفعلي لـ”حزب الله” ويتقصد فتح الصراعات والهجوم على كل الأطراف والقوى، لتعويم نفسه وفرض شروط يضمن من خلالها فتح طريق بعبدا أمامه.

لا يختلف إثنان على أن الخطأ الكبير الذي ارتكبه الشعب اللبناني في العام 2019 أنه لم يتحرك باتجاه بعبدا لانتزاع رئيس العهد من القصر، اذ أن البطريرك الماروني بشارة الراعي لم يبارك هذه الخطوة ووضع حرماً، فالخوف على هذا المكان المقدس بالنسبة الى الطائفة المارونية، دفع االبنانيون ثمنه لاحقاً في الاستسلام لمشروع “حزب الله” وطموحات باسيل الذي كان يذهب الى تسويات من تحت الطاولة لضرب اتفاق الطائف والمناصفة من أجل بناء جمهورية المثالثة وليس هناك أي ربح للمسيحيين.

ومن ممارسات عون في أيامه الاخيرة أنه لم يوقع على الموازنة التي نوقشت في مجلس النواب، مهدداً بعدم وجود ميزانية علماً أنه بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية بعد ارسالها من المجلس بشهر تصبح سارية المفعول بحسب الدستور، لكن عون أراد وضع العصي في الدواليب، عبر تأخير دفع رواتب موظفي القطاع العام.

كذلك، فان من ممارسات العهد الميمون الذي لا تنسى “أفضاله” السماح لاسرائيل بقضم الثروات البحرية للبنان، ووضع القرار 2433 في درج القصر وعدم ارساله الى الأمم المتحدة لتعديل الخط 23 نحو الخط 29 الذي صادقت عليه حكومة حسان دياب وأرسل اليه لكي يبعث به عبر رئاسة الوزراء أو عبره شخصياً أو عبر وزير الخارجية الى الأمم المتحدة ليثير قضية حق لبنان، لكنه فضّل منح اسرائيل حقل “كاريش” واستخدمه للتفاوض مع الولايات المتحدة على فك العقوبات عن صهره وتخفيفها عن تياره وحاشيته.

وآخر ما فُضح ثمن الفيلا التي سينتقل اليها عون في الرابية والتي قدرت بحوالي 6 ملايين دولار، في الوقت الذي يعيش لبنان حالة انهيارات، ولا دخل له من الدولة سوى راتبه، مما يفسر أنه اشتراها من الصفقات والسمسرات التي كانت مضمونة في بنوك خارجية ويستطيع التصرف بها ساعة يشاء.

وبالطبع سيغادر عون من دون تشكيل حكومة تدير الفراغ الرئاسي، فهو لا يزال يريد ابتزاز حكومة ميقاتي بثلاث نقاط: أولاً توزير سياسيين من التيار كأمل أبو زيد وإيلي المعلوف اللذين سقطا في الانتخابات النيابية ويستطيع باسيل ادارتهما كيفما يشاء وساعة يريد، وهذا التوزير يعني اليوم أن أي حكومة مقبلة، ستأخذ في الاعتبار أن لبنان عرف وليس قانوناً لأن حكومة ميقاتي أدارت الفراغ من خلال وجود سياسيين، لذلك يطمح باسيل الى عودة ميمونة لاحقاً أيضاً تؤمن له الحصة الكبيرة في الحكومة المقبلة ويفرض معادلة أن السياسة هي التي تديرها وليس التكنوقراط.

كما أن هدف عون ابتزاز ميقاتي عبر مطالبته له بالتوقيع على مرسوم التجنيس الذي يضم أسماء سوريين وايرانيين وعراقيين مفروضة عليهم عقوبات دولية وهم يحاولون أخذ جنسيات جديدة للتهرب منها، وهذا التجنيس سيؤمن لعون وحاشيته ملايين الدولارات، الا أن ميقاتي رفض علناً التوقيع على المرسوم وهذا ما عقد العلاقة بينهما.

فتح عون أيضاً بازار الفراغ، فـ”حزب الله” لا يريد حالياً انتخابات رئاسية ووجود رئيس، وينتظر تسوية خارجية، وطالما لا توجد طروحات تتفق أطراف الممانعة على أن الفراغ الرئاسي هو الأفضل، بانتظار فرصة ثانية تساعد عون و”التيار الحر” و”حزب الله” على الضغط لتعزيز فكرة البحث في مرشح للرئاسة وقد يكون باسيل الأوفر حظاً في الفترة المقبلة، الا أنها ستطول ريثما تتفق الأطراف على انتاج تسوية سيكون فيها الكثير من الأخذ والرد ولن يسمح لأحد المس بالطائف وعروبة لبنان والمناصفة، ومن هنا فليستعد اللبنانيون لمرحلة طويلة من الفراغ بانتظار التسويات الكبرى في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية وتدخلات ايران فيها.

شارك المقال