فرنسا تشغّل محركات “الرئيس التوافقي”… وحوار بري بلا رأس سني

رواند بو ضرغم

لم تحمل الجلسات الأربع لانتخاب رئيس الجمهورية أي خرق في التوازنات، لا بل رسخت الانقسامات وأثبتت القدرة التعطيلية لدى الفريقين.

الوضع السياسي الداخلي المتأزم، معطوفاً على الظروف الخارجية التي لم تنضج بعد، جعل من جلسات انتخاب الرئيس تدور في حلقة مفرغة وتحكمها المراوحة وتكرار السيناريو ما بين تمسك فريق بالورقة البيضاء، واصرار الفريق الآخر على اسم ميشال معوض.

وفق معلومات موقع “لبنان الكبير”، لم يعد المجتمع الدولي مهتماً بتأليف حكومة في لبنان، لئلا تطيح بالاستحقاق الرئاسي وتطيل الشغور. بينما انحصر اهتمام أهم السفارات بتقديم النصائح والحث على انتخاب رئيس للجمهورية، من غير الدخول في غمار الأسماء أو تفضيل اسم مرشح على آخر، بحيث نُقل عن السفيرة الفرنسية آن غريو أنها تدفع باتجاه التوافق على رئيس، على قاعدة أن من استطاع التوحد من أجل الترسيم البحري، يستطيع التوافق على تسيير المؤسسات واحترام الاستحقاقات الدستورية وقطع الطريق على الشغور الرئاسي. هذا الموقف ينسحب على الأميركي والسعودي أيضاً، فالاهتمام الدولي بلبنان لم يبلغ بعد مستوى “الحلحلة”، ولا يزال تحت سقف “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”.

أما على المستوى الداخلي، فلن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، لأن المشهد الانتخابي سيتكرر وبات أقرب الى مسرحية هزلية، لذلك يتجه الى كسر الرتابة والمراوحة بالدعوة الى طاولة حوار بعد انتهاء العهد، ببند وحيد هو رئاسة الجمهورية، على قاعدة أن يجمع الرئيس اللبنانيين لا أن يقسمهم، ولا يكفي أن تكون له حيثية مسيحية أو حيثية إسلامية، إنما أن يتمتع بحيثية وطنية جامعة، وقد بدأ اتصالاته مع الكتل النيابية مع مراعاة التمثيل الطائفي وتحقيق التوازن.

يرغب الرئيس بري في أن يبدأ الحوار سريعاً، إنما من غير تسرّع. والكتل النيابية وُضعت أمام استحقاق أساس، يُنتظر منها أن تتعاطى معه بمسؤولية وبانفتاح على حوار بنّاء للتوافق على رئيس. وما إن يحصل الحوار، يكون رئيس المجلس قد نجح في قطع الطريق أمام تغيير النظام والعبث بالطائف، وخصوصاً أن الساحة السياسية ضجّت بمواصفات ومعلّقات رئاسية تؤدي الى إطالة أمد الشغور وعدم انتخاب رئيس.

الا أن المعضلة الوحيدة التي تواجه الدعوة الى الحوار تتمثل في التشرذم والتشتت السني الذي نتج عن غياب الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي عن الساحة النيابية، وتعليق عمله السياسي مرحلياً. فمن يمثل السنة في الحوار النيابي؟ وأين أصبحوا في التركيبة الوطنية؟

الفراغ السني ظهر جلياً في جلسات التشريع والانتخاب، حيث لم يستطع نواب السنة إثبات وجودهم وسد فراغ المرجعية السنية التي لا يزال الحريري ممسكاً بها على الرغم من غيابه عن مجلس النواب. لذلك يسعى الرئيس بري الى تدوير الزوايا واستنباط حل لهذه الأزمة، الا أن مهمته لن تكون سهلة وخصوصاً أن النواب السنة مشتتون وغير موحدين ومن اتجاهات مختلفة، ويصعب انتداب شخصية تمثلهم في الحوار. وكل اللقاءات السنية بدءاً من لقاء دار الفتوى الذي حاول لملمة الوضع السني، وصولاً الى المبادرات النيابية الجامعة التي نظمها النواب كإيهاب مطر (وضع مبادرته تحت مظلة دار الفتوى) وفؤاد مخزومي ونواب بيروت وغيرهم، كلها لقاءات حُمّلت أكثر مما تحتمل، وكانت محصورة بالهمّ المعيشي والتمسك بالطائف والوحدة الوطنية والسلم الأهلي. هذا اذا ما وضعنا جانباً الطموحات المستقبلية عند البعض وحلم تبوؤ منصب رئاسة الحكومة، كالنائب مخزومي الذي يسعى جاهداً الى فتح باب مع الرئيس بري والحصول على موعد للقائه.

هذا الواقع السني المشرذم، ينسحب على تمثيلهم في الحوار، اذ يُسجل أنه للمرة الاولى في تاريخ الحوارات يغيب الصف السني الأول بغياب الرئيس سعد الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين، على الرغم من أن الرئيس نجيب ميقاتي سيحضر الحوار بصفته رئيس حكومة تصريف الأعمال، وانسجاماً مع تقليد حضور رئيس الحكومة الى جانب رئيس المجلس في الحوارات. أما النواب السنة فلا رأس لهم ولا نائب ينوب عن آخر وكل منهم يسعى الى تزعّم طائفته. هذا الضياع السني تتحمل مسؤوليته أيضاً رئاسة الجمهورية بفرعيها الأصيل (جبران باسيل) والوكيل (ميشال عون) لاستقوائهما على موقع رئاسة الحكومة ومحاولة إضعافه، بشكلٍ ضرَب التوازن الوطني من خلال ضرْب مكون أساس في بنيان البلاد والحياة السياسية، فضربا أكثر مكون التزاماً بمشروع الدولة، لضرْب الطائف من خلاله.

أما باقي الكتل السياسية فمنفتحة على الحوار، ومن ضمنها كتلة “تجدد” التي تضم المرشح ميشال معوض. ويبقى السؤال: كيف ستتصرف قوى التغيير مع هذا الاستحقاق؟ وهل ستشارك مجتمعة أم ستتوزع على أكثر من مجموعة، خصوصاً أن جلسات الانتخاب أظهرت التباين في آرائها وعدم اتفاقها على آلية لاتخاذ قراراتها وتوحيد موقفها؟

فهل ينجح هذا الحوار في إنتاج رئيس تحت قبة البرلمان وعودة النواب اليه موحدين متعاونين لانتظام المؤسسات؟ أم يكون الحوار نسخة عن جلسات الانتخابات التي أدت الى “صفر” رئيس؟

شارك المقال