أبعاد زيارة سفير أستراليا إلى طرابلس غداً

إسراء ديب
إسراء ديب

تستعدّ مدينة طرابلس لاستقبال السفير الأسترالي في لبنان أندرو بارنز الذي سيقوم بجولة طرابلسية يوم غد الأحد ضمن فعاليات “اليوم الطرابلسي” الذي لن يقتصر على زيارة معلم واحد ثقافي، تاريخي أو سياحي دون آخر، بل سيلعب دوراً مهمّاً يُعيد طرح قدرات هذه المدينة ونقاط قوّتها، وتُعدّ جاذبة للكثير من الراغبين في اكتشاف القيمة التاريخية الكبيرة في هذه البلاد، التي أغرقها الاهمال الرسمي في ظلّ الحكومات المتعاقبة التي لم تصنع معروفاً للفيحاء، اذ كانت ولا تزال تصلح نفسها بنفسها وبقدرات أبنائها الذين يُثبتون بعد كلّ ضربة أو أزمة أنّهم قادرون على مواجهة كلّ الصعاب بسواعدهم.

في الواقع، إنّ هذه الزيارة التي ستحصل بمبادرة من النائب إيهاب مطر وهو مغترب طرابلسي إلى أستراليا منذ أكثر من 20 عاماً، تستهدف نقل الصورة الحقيقية عن المدينة التي أغرقتها الشائعات عن أمانها وأمنها، وبالتالي فإنّ أيّ زيارة ديبلوماسية أو سياسية تُقدّم رسالة لا يُستهان بها تُفعّل دورها محلّياً، وتتمكّن أيضاً من “نقل العدوى” بين الديبلوماسيين الذين قد تدفعهم هذه الزيارة إلى إجراء زيارات أخرى تدعم الإنماء والسياحة في طرابلس. فمنذ أيّام زار السفير السعودي في لبنان وليد بخاري المدينة، وقبله السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وجولة السفير الأسترالي التي ستستقطب الوسائل الاعلامية المحلّية، ستلعب دوراً مهمّاً، خصوصاً وأنّ أستراليا تُعدّ من الدّول الأكثر طلباً للهجرة، إذْ أن أعداد الطرابلسيين الموجودين فيها لا يستهان بها، وهم يُرسلون أموالاً طائلة شهرياً لا سيما مع تفاقم شدّة الأزمات في لبنان، وحتّى في المناسبات الدينية وتحديداً شهر رمضان المبارك والأعياد، تُعدّ الجالية “الطرابلسية” في أستراليا، من العناصر الداعمة مالياً شمالاً، وهذا ما تُشير إليه جمعيات ومؤسسات إنسانية عدّة ترصد غالباً مصادر دعمها.

وستشمل زيارة السفير كلّاً من: مؤسسة عبد الرحمن الحلاب، معرض رشيد كرامي الدّولي، قلعة طرابلس، سكّة الحديد وبرج السباع في الميناء، كما قهوة فهيم في ساحة التلّ وغيرها من المواقع، فيما الكثير من المتابعين لا يُدركون خلفية هذه الأماكن التي تبقى محطة أساسية لكلّ الزائرين يومياً.

ويُمكن ذكر أبرز التفاصيل عنها، إذْ لا يُمكن إخفاء أهمّية مؤسسة عبد الرحمن الحلاب وشهرتها الكبيرة التي اتخذتها بعد سنوات من الجهود المتواصلة في المحافظة على جودة المأكولات والحلويات العربية والغربية، وحتّى مع أقسى الأزمات الاقتصادية، تُحافظ هذه المؤسسة الطرابلسية الرائدة في عالم الحلويات اللبنانية والطرابلسية منذ العام 1881، على المعايير الدّولية التي تحفظ الأمن الغذائي السليم وتحترمه بشهادات عالمية.

اما معرض رشيد كرامي الدّولي الذي تحتضنه طرابلس منذ الستينيات، فلا يُمكن أن نغفل قيمته الهندسية التي تزداد أهمّية عاماً بعد عام، كما يتمتّع بأهمّية كبيرة لا سيما من حيث موقعه الجغرافي القريب من البحر وسوريا. وهذا المعرض الذي يقع مباشرة تحت وصاية وزارة الاقتصاد والتجارة، صمّمه المهندس المعماري البرازيلي الشهير أوسكار نيماير عام 1962، أمّا عملية البناء فبدأت عام 1967، وتوقفت خلال السبعينيات بسبب اندلاع الحرب الأهلية. ويحتاج إلى دعم كبير لترميم بعض أبنيته، ويتضمّن: المسرح المكشوف، المسرح التجريبي، أقسام المجمّع، صالة المؤتمرات، الجناح اللبناني، صالة العرض المقفلة، الفندق، المكاتب ومركز الأعمال والمطعم والتراس.

وقد تكون قلعة طرابلس التي تختزل تاريخ المدينة بقوّته وصموده، من أكثر المعالم التي تحتاج إلى تغطية إعلامية وتسويق مستمرّ لأهمّيتها ودقة بنائها، فهي من أضخم وأقدم القلاع التاريخية والعسكرية التي تمثل طرابلس، وكانت شاهدة على حقوب تاريخية مختلفة ومهمّة، وبعد أن كانت حصناً عسكرياً ومن الأبراج التي تحمي المدينة، تحوّلت إلى ثكنة عسكرية للجيش اللبناني لاسيما بعد المعارك العنيفة التي وقعت بين جبل محسن وباب التبانة، إذ انعكست أحداث طرابلس الدامية على هذه القلعة التي “تتألّف من مبنيين داخلي وخارجي، مع خنادق عدّة، كل خندق له وجهة سير تختلف عن الأخرى وأحد هذه الخنادق يصل إلى شاطئ البحر قرب المرفأ، كما يوجد في القلعة عدد من الأبراج وتتزين قاعاتها بالقناطر”.

وعن سكة الحديد، فهي لا تزال “حسرة” في قلوب أبناء هذه المدينة لا سيما بالنسبة الى من عاصروا هذه الحقبة الزمنية المرتبطة بـ “الزمن الجميل”، فهذه السكة التي دفع الطرابلسيون ثمنها عام 1908 انطلقت أولى عجلاتها باتجاه حمص السورية عام 1911، ومع حرب السبعينيات والمشكلات التي ضربت اقتصاد المدينة، توقفت هذه السكك عن العمل ولم يقم المعنيون بإعادة تفعيلها من جديد على الرّغم من تركيز الكثير من الخبراء الاقتصاديين والماليين على انعكاساتها الكبيرة على المدينة، خصوصاً في حال بدأت مشاريع إعادة إعمار سوريا والتي ستكون طرابلس جزءاً لا يتجزأ منها نظراً الى موقعها الجغرافي ومرافقها الاقتصادية الحيوية.

إلى ذلك، وفي مسافة قريبة من السكك، يظهر برج السباع وهو قلعة صغيرة تقع في الميناء مقابل المرفأ، وسمّي بهذا الاسم نظراً الى وجود الزخارف على جدرانه والتي تصوّر أسوداً، وهو واحدٌ من “سبعة أبراج اندثرت بفعل التوسع العمراني عبرَ الزمن”، وكانت تستهدف حماية المدينة عسكرياً.

وأخيراً، لا بدّ من ذكر ساحة التلّ التي تختزن المئات من الأسواق والمحال التجارية المعروفة، كما تتضمّن أبرز المعالم الثقافية، التاريخية والسياحية التي تُشير إلى تاريخ طرابلس لا سيما بكلّ ما يرتبط بالتراث العثماني الذي تتعلّق به المدينة بصورة وثيقة. ومن أبرز هذه المعالم قهوة فهيم التي كانت ولا تزال ملتقى للبنانيين وغير اللبنانيين بعدما كانت مركزاً لالتقاء أهم العائلات في المدينة منذ العام 1906 إلى يومنا هذا، إذ باتت مركزاً لافتاً للسياح الأجانب هندسياً واجتماعياً، ومهما تأسست مقاه أو مطاعم جديدة في طرابلس، يحتفظ هذا المقهى بقيمته وجاذبيته للطبقات الاجتماعية المختلفة، لا سيما الشعبية منها أو المتوسطة.

شارك المقال