هل تمنح الهزيمة الأميركية النصر لبوتين؟

حسناء بو حرفوش

بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط الماضي، أثارت الحرب الشرسة غير المبررة رد فعل في الداخل والخارج تجاوز حتى توقعات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأكثر طموحاً للانتقام، حسب مقال في موقع “ديلي بيست” الأميركي. ولكن بعد أن دخلت الحرب شهرها التاسع، بدأ التأييد الكامل للناخبين الأميركيين بالتلاشي، وبدأ التأييد الواسع في الكونغرس بالانهيار. وانخفضت نسبة الأميركيين الذين كانوا يعبّرون عن قلق كبير بشأن أوكرانيا من 55% إلى 38% ما بين شهري أيار وأيلول، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة “بيو” للأبحاث.

ويشق هذا التردد بشأن أوكرانيا طريقه عبر قاعات الكونغرس بعد أسبوعين فقط من انتخابات التجديد النصفي، مما يمهد لخلافات حول ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة الدعوة الى مضاعفة المساعدات. ويحذر الجمهوريون من تهميش المساعدات الأوكرانية، بينما حذر بعض الديموقراطيين التقدميين هذا الأسبوع من أن دعمهم لمساعدة أوكرانيا قد لا يكون بلا حدود أيضاً.

وتدفع الحسابات السياسية المضطربة والمتطورة المحيطة بالمساعدات الأوكرانية في واشنطن، الخبراء الى التساؤل عن احتمال الانقسام حول الدعم الأميركي لأوكرانيا، وحول حاجتها إلى كل المساعدة الممكنة. وبدأت القوات الأوكرانية بإحراز تقدم في المساعدات العسكرية التي تلقتها من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين. وبعد شن عدة هجمات مضادة الشهر الماضي، بدأت أوكرانيا باستعادة مساحات شاسعة من أراضيها، الأمر الذي دفع فلاديمير بوتين الى المسارعة لحشد المزيد من القوات.

واستنفدت أوكرانيا الكثير من أسلحتها التي تعود إلى الحقبة السوفياتية وبدأت بالاعتماد بصورة شبه كاملة على المساعدات الغربية لمواصلة القتال. وبالنسبة الى موسكو، التي لم تظهر أي علامات على التوقف عن القتال، قد يمثل التعثر الأميركي ما يحتاجه بوتين بالضبط للفوز بالحرب، كما تمثل العقبات الوشيكة اختباراً رئيساً للتفاوض، تحديداً بعد مرور أكثر من عام بقليل على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والذي خلف أزمة لاجئين واستيلاء “طالبان” على السلطة.

واعترف زعيم الحزب الجمهوري كيفن مكارثي الأسبوع الماضي بأنه في حال عاد الجمهوريون إلى مجلس النواب في الانتخابات النصفية، فمن المرجح أن يصعب الحزب الجمهوري تمرير المساعدات الأوكرانية. وأعرب مكارثي عن اعتقاده أن الناس سيواجهون ركوداً ولن يبدوا استعداداً لتقديم المساعدات الى أوكرانيا. وقال جمهوريون آخرون لصحيفة “ديلي بيست” سابقاً إنهم لن يوافقوا “مطلقاً” على المزيد من المساعدات الأوكرانية، مشيرين إلى مخاوف بشأن التضخم وتمويل المساعدات التايوانية.

كما يدفع بعض الديموقراطيين التقدميين إدارة بايدن الى تعديل موقفها من روسيا والسعي بقوة أكبر للتوصل إلى حل ديبلوماسي. لكن تشكل أحدث موجة من الشكوك حول المسار في أوكرانيا إشارة مهمة لبايدن ومساعديه؛ فالتراجع هو تلميح إلى أن الخطة الحالية لمساعدة أوكرانيا مهما طال الوقت، وحتى لو حصل النصر، قد تكون غير مقبولة سياسياً حتى بين الحلفاء على ما يبدو في “الكابيتول هيل”. وأشار التقدميون بدورهم إلى مخاوف من أن الحرب تسبب لهم مشكلات رئيسة مباشرة: لقد ساهمت الحرب في ارتفاع أسعار الغاز والغذاء في الداخل، مما أدى إلى زيادة التضخم وارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، حسب ما يقول الديموقراطيون.

ومن الواضح أنه يتوجب على بايدن الآن التأكد من دعم المشرعين لأجندته، وفقاً لتاونسند، الذي قال إنه “من الصعب على هذه الادارة التعامل مع الخطر الذي نواجهه الآن مع روسيا، في حين أننا نواجه مثل هذه الاضطرابات في الداخل ولدينا مثل هذه البيئة المحتدة في موسم الانتخابات. نحن في حالة استقطاب. وها قد أصبحت أوكرانيا جزءاً من الخطاب السياسي”.

وفي الخارج أيضاً، سمع بعض الديبلوماسيين الأميركيين بالفعل تذمراً من الحكومات الأجنبية حول التردد إزاء الدعم الموحد للدفاع الأوكراني. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن ما يحصل في الولايات المتحدة ينطبق على كل الدول الحليفة (…) أما القلق فهو أنه إذا بدأ الدعم الأميركي بالجفاف، فقد يشتم بوتين رائحة الدم ويزيد قوة في أوكرانيا بمجرد تعثر المساعدة الأميركية الرئيسة. وحذر تاونسند من أنه إذا تراجعت المساعدات الأميركية، فقد يستنزف بوتين وقته ويخطط لملاحقة بلدان أخرى في أوروبا أيضاً.

وتصاعدت المخاوف في جميع أنحاء العالم منذ شهور من أن بوتين قد يكون بانتظار تغير المد السياسي في واشنطن. وحذرت أجهزة الاستخبارات الأميركية سابقاً هذا العام من أن عمليات النفوذ الروسية تركز على إقناع الجماهير الغربية بأن مساعدتهم كانت تساهم في استمرار الحرب، في محاولة لدفعهم على ما يبدو الى تخفيف الدعم لأوكرانيا. وهذا يعني حسب البعض أنه يتعين على إدارة بايدن وعلى المشرعين في الكونغرس تقديم حجة لمساعدة أوكرانيا “مراراً وتكراراً” وعرضها على الشعب الأميركي للحصول على موافقته أيضاً.

شارك المقال