هل انتهى عهد جهنم… وماذا ينتظر اللبنانيين؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ودّع اللبنانيون رئيس “عهد الجحيم”، بعضهم من البرتقاليين اختار توديع الجنرال في قصر الشعب، وكأنه لم يعانِ ما عاناه غيره من مآسي انقطاع الكهرباء وحجز الأموال والانهيار والتفجير والدمار والغلاء والفساد والأمراض التي ليس من دواء متوافر لمعالجتها وتعطيل البلد بأمه وأبيه وبيعه في سوق النخاسة العالمي ما بين ايران واسرائيل والولايات المتحدة.

اما البعض الآخر ممن بقي في رؤوسه قليل من العقل، فكان مندهشاً لقدرة العونيين على ازاحة وجوههم عن الحقائق التي يعرفها العالم عن العهد المشين، أثناء مشاهدة حفل جنون مواكبة الرئيس الى الرابية، والاستماع الى خطبة عون وهو يتباهى بانجاز تعطيل تشكيل الحكومة ويدّعي البطولة، في رمي ما وجب حصوله على مجلس النواب ليخلق خلافاً دستورياً، علماً أن لا معنى لتفريغ الفراغ، سوى زيادة النكد السياسي.

اليوم أصبح اللبنانيون على مفترق طرق مع انتهاء عهد عون، وبداية الفراغ الذي خطط له “الرئيس القوي” وحزب مرشد السلطة (حزب الله) وحليفه “التيار الوطني الحر” عن سابق تصور وتصميم، بهدف الاطاحة بإتفاق الطائف وأخذ الجميع إلى تسوية جديدة أو إلى توافق على رئيس قريب ينفذ شروط الحزب ويضمن التلاعب والتغطية للتيار بحجة أهمية تمثيل الفريق المسيحي القوي. ومن هنا طرح السؤال: هل أقنعت خطبة عون الوداعية اللبنانيين بأن هذا الرئيس الذي أتى بتسوية ايرانية ودفع فواتير لـ “حزب الله” على مدى السنوات الست من حكمه كان يهمه حقيقة تعديل الدستور لصالح حقوق المسيحيين المهمّشة كما يدّعي تياره؟

تفسر مصادر سياسية لــ “لبنان الكبير” هذا الوضع بالقول: “لقد جرت صراعات عديدة خلال السنوات الست وحصلت تنازلات بعد المناكفات التي قام بها عون وفريقه، ولم يكن يعمل على إدراج مشاريع قوانين في المجلس النيابي لتعديل فقرات في الدستور تهمّش المسيحيين ودورهم، علماً أنه يفاخر بأن أكبر كتلة فيه هي كتلة (الوطني الحر)، وكان بإمكانه القيام بذلك بدل المساجلات السياسية والصراخ بشعار (ما خلونا)، مع أنهم أكلوا البيضة والتقشيرة في الوزارات عبر عقد الصفقات والقيام بمشاريع لم تحل أي مشكلة من مشكلات اللبنانيين بدءاً من الطاقة والمياه وصولاً الى البيئة وغيرها مع تعميم مشاريع وهمية في بروباغندا جبرانية مضحكة – مبكية، وهذا الواقع يبيّن حجم إخفاقات العهد وفشل المشاريع التي سميت زوراً إنمائية وكلفت الخزينة أكلافاً مضاعفة من دون نتائج، ويكفي أن نذكر هنا مشاريع السدود، ومشاريع أخرى لم يكتب لها النجاح أيضاً بسبب عدم الاتفاق على تقاسم الحصص، فكان العونيون يختبئون خلف صراخهم بأن دور المسيحيين مهمش، علماً أن المشكلة في عدم استخدام الرئيس صلاحياته في قيادة البلد وانما استخدمها فقط للاستحواذ على أموال وتأمين مصالح فئة صغيرة من المسيحيين التي يدّعي أنه يعيد اليها الاعتبار”.

وتشرح المصادر: “بما أن كتلة الرئيس لم تقدم أي مشروع قانون في المجلس النيابي، يمكن الاستنتاج أن مصالحه تقاطعت مع مصالح حزب الله، فعون يريد اعادة السيطرة وحكم الفرد وجعل لبنان جمهورية مسيحية يتم توارثها بالممارسة التي شهدناها، وحزب الله يريد المثالثة ليتحكم بمفاصل البلد من خلال اثارة المناكفات حول الطرح العوني، وهو بحساباته يدفع نحو تسوية جديدة وتعديل للدستور وفقاً لطروحاته ومن أجل ذلك كان الفراغ خياراً ريثما تتضح صورة الوضعين الاقليمي والدولي ويصبح بالامكان وضع صيغة جديدة للدستور لصالح فريقي مار مخايل”.

كان الرئيس عون طوال فترة حكمه يخالف الدستور والقوانين، ومارس سياسة ابتزاز رؤساء الحكومات في عهده، كما تقول المصادر، لافتة الى أن “المثال الأخير كان تعامله مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي كان يسعى الى حكومة انتقالية تعود لها صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال كان مجلس الوزراء مجتمعاً بأعضائه كافة ريثما ينتخب رئيس جديد للجمهورية، كما نص الدستور، لكن عون لم يرد ذلك وقال علناً: اذا ساعدتم جبران في الوصول الى رئاسة الجمهورية فإننا نحميه من العقوبات الأميركية، وهذا يعني أنه لمصلحة الصهر مستعد لتعطيل البلد، وفي السابق عطل تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري وقال: اذا عاد الحريري يجب أن يعود معه جبران. كما عطل التشكيل في السابق وقال علناً: من أجل الصهر ريتو ما يكون في بلد”.

من هنا تؤكد المصادر نفسها أن عون اليوم “يحمل الشعار نفسه ويحاول ابتزاز القوى السياسة: اذا أردتم عدم الفراغ فعلينا أن نذهب الى مرشح وحيد هو جبران. وكأن الصهر المقدس هو الجنرال الفيتنامي جياب الذي سيخوض حرب تحرير ضد الولايات المتحدة، وهذه معادلة صعبة. كما أنه يحاول ابتزاز ميقاتي في موضوع امضاء صفقة مرسوم التجنيس الذي وعد عون بإنجازه، ويثير هذا الملف بلبلة بما يضم من أسماء تخالف القوانين وبعضها قد يكون أسماء ملاحقة دولياً بسبب ارتكاب جرائم من السوريين والعراقيين والايرانيين، وبهذا التجنيس المدفوع ثمنه سلفاً يريد البعض حماية نفسه والحرية في تنقلاته وإبعاد الشبهات عنه، وهناك أعداد كبيرة مدرجة في المرسوم وقد تحدث فضيحة كبيرة لا سيما بعد أن ظهرت فيلا عون في الرابية وكلفتها العالية والتي جرى تجهيزها من ايطاليا. وهناك كثيرون طالبوا ميقاتي بفك قيد التجنيس لأنهم دفعوا أموالاً للرئيس، وقد تكون المعلومات المتداولة عن هذا الموضوع غير مؤكدة، الا أن الواقع يدل على أن الرئيس يريد فرض قرار التجنيس على ميقاتي ولم يحصل توافق وبالتالي أصبح موضوعاً خلافياً، حتى أنه كان خلافياً داخل بيت عون مع احدى بناته التي حاولت تمرير أسماء عدد كبير من معارفها”.

وعن فرض عون شروطه في الحكومة، تشير المصادر الى محاولته “ايجاد طاقم سياسي يتم توزيره للتحكم بقرارات مجلس الوزراء الجديد، ولم يقبل ميقاتي أن يكون مجرد كومبارس فيها، وبدا أيضاً من خلال التهيؤ الفعلي لقيادة الحكومة من رئيس حكومة الظل جبران باسيل، لفرض حكومة سياسيين ويكون جبران اللاعب السياسي في تشكيل الحكومات المقبلة بغض النظر عن وصوله الى كرسي بعبدا أم فشله في ذلك”.

أما عن السجال الذي حصل حول الدعوة الى الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري، فترى المصادر أن عون “كان يحاول التصويب على رئاسة المجلس من خلال عدم تأييده للحوار الذي دعا اليه بري حول تعثر تشكيل الحكومة واجراء الانتخابات الرئاسية، ومارس كيدية سياسية لا لزوم لها استهدفت حكومة ميقاتي المستقيلة أصلاً عبر توقيع مرسوم استقالتها واعلان ذلك وهو يغادر بعبدا، وهذا أمر لا يقدم ولا يؤخر ومحاولة لذر الرماد في العيون، والحكومة المستقيلة سوف تقوم بدورها الدستوري في تصريف الأعمال شاء أم أبى”.

وتستغرب لأن “الرئيس بري فتح باباً للحوار من 2006 الى 2008 وكان عون شخصياً ممثلاً على الطاولة، ولم يقل حينها ان بري يسيطر على صلاحيات رئاسة الجمهورية، واليوم حماية للوجود المسيحي وللكيان اللبناني كان لا بد لعون من أن يمنع الفراغ ويسهل انتخاب رئيس جديد بدل وضع العصي في الدواليب، وهو وصهره فشلا في حوار اللبنانيين لا بل أنهما تفوقا في ايجاد الخلافات ونالا علامات ممتازة لدى مشغلهما، لذلك عندما خرج عون من القصر لم يجد سوى بعض المصفقين والمؤيدين وحماته من أقلوية بينما معظم اللبنانيين اعتبروا أنهم تحرروا من جهنم التي عاشوا فيها ولم يأسفوا لخروج هذه الشخصية المريضة التي لن يسمحوا لاحقاً لمن يشبهها بالوصول الى كرسي الرئاسة”.

وتختم المصادر: “في النتيجة يبدو أن الفراغ سيطول ويبقى لبنان في حالة انتظار، وسوف يعاني اللبنانيون أكثر فأكثر من الأوضاع، فالتسوية اليوم أصبحت في الخارج بعد إقفال عون أبوابها والتوصل الى انتخاب رئيس جديد، وبما أنه ليس لعون وحزب الله القدرة على فرضه لأن أي طرح لشخصية مستفزة لن يكون مقبولاً، فإن عيش اللبنانيين المفروض من محور الممانعة في المستنقع سيستمر في الأفق المنظور”.

شارك المقال