“عرين الأسود”… تتحدى الاحتلال

جنى غلاييني

“عرين الأسود” اسم لم يكن معروفاً حتى فترة قريبة جداً، لا تزيد على ستة أشهر، الا أن هذه المجموعة أصبحت مصدر قلق للأجهزة الأمنية الاسرائيلية، بسبب عملياتها المستمرة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، وهذا ما حدا بوزير الحرب الاسرائيلي بيني غانتس الى الاعلان أن نِصف جيشه بات يحتشد حاليّاً في شِمال الضفّة الغربيّة ومدينتيّ نابلس وجنين على وجْهِ الخُصوص، لمُواجهة كتائب “عرين الأسود”، كما أن جهاز “الشاباك” الاسرائيلي، أرسل رسائل تهديد الى قيادييها بتصفيتهم في الوقت القريب.

وعلى الرغم من ولادتها الحديثة، ذاع فعل “عرين الأسود” قبل اسمها كمجموعة مسلحة تجنَّد فيها عشرات المقاومين الذين اتخذوا من البلدة القديمة في نابلس مقراً لهم، وأخذوا على عاتقهم مقاومة الاحتلال أينما وكيفما وجد وبكل أشكاله من جنود ومستوطنين وغيرهم.

انخرطت هذه الجماعة الفلسطينية المسلحة عقب مقتل الناشط إبراهيم النابلسي على يد قوات الاحتلال في آب الماضي، بصورة منتظمة في نزاع مسلح مع قوات الأمن الاسرائيلية وإطلاق نار على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية في الضفة الغربية.

ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، فان تِعداد مُقاتلي “عرين الأسود” لا يزيد عن بضعة عشَرات، وشارك في تأسيس هذه المجموعة كل من أدهم الشيشاني ومحمد الدخيل وأشرف مبسلات وإبراهيم النابلسي، وكانوا جميعاً دون سن الخامسة والعشرين وقتلوا منذ ذلك الحين على أيدي قوات الاحتلال. أما أحد كبار قادة المجموعة حالياً، كما يقال، فهو مصعب اشتية الذي اعتقلته قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في أيلول الماضي، ما أدى الى اندلاع اشتباكات بين السلطة و”عرين الأسود”، التي كانت دعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية للانضمام إلى صفوفها أو وقف أي تعاون مع إسرائيل في الشؤون الأمنية، وهو ما أدى إلى اعتقال العشرات من مقاتلي المقاومة أو كشف تعرضهم للمخابرات الاسرائيلية.

وبحسب مصادر فلسطينية فان “عرين الأسود” مجموعة شبابيّة سِلاحها الأكثر فَتْكاً هو الارادة، وانبثقت من رماد الاستِسلام وترهّل الفصائل الفِلسطينية، وتراجع الرّوح القتاليّة للتنظيمين الرّئيسيّين، أيّ حركتيّ “فتح” و”حماس”، وتغليب الجانب السّياسي على الأولويّات القتاليّة، والهَرولة وراء الاعتِرافات السياسيّة الدوليّة، ووهم إقامة الدّولة الفِلسطينيّة بالشّروط الإسرائيليّة والأميركيّة، والرُّضوخ لضُغوطِ مُمَوّليها العرب والغربيين.

كما تلفت المصادر الى أن “عرين الأسود” تُقاتل الآن عدوّين شرسين: الأوّل هو دولة الاحتِلال وجيشها الجرّار، وأجهزتها الأمنيّة الحديثة، والثّاني السّلطة الفِلسطينيّة وقوّاتها الأمنيّة التي سلّحها الاحتِلال، ووظّفها لقمْع أيّ مُقاومة فِلسطينيّة، مُسلّحة أو مدنيّة، والتجسّس على العناصر المُقاتلة وتحديد هُويّاتها وأماكِنها وتقديم كُل المعلومات في هذا الشّأن إلى قوّات الاحتِلال لاعتِقالها أو تصفيتها تحت مُسَمّى “التّنسيق الأمني”.

مسلحو “عرين الأسود” يرتدون ملابس سوداً ويضعون شارة حمراء تغطي فوهة البندقية، في اشارة إلى أن الرصاص لن ينطلق سدى إلا لقتل المحتلين. وشعارهم دعم ثورة جماعية لاستعادة الحقوق ومحاربة نظام الفصل العنصري وازالته وإنهاء القهر والاحتلال ودعم رغبة كل الشعب الفلسطيني بلا استثناء.

شكلت “عرين الأسود” وحدة روحية وأخلاقية في الأراضي الفلسطينية المقسمة منذ سنوات. فالفلسطينيون مقتنعون أكثر من أي وقت مضى بأن من الممكن تحدي إسرائيل، وعلى الرغم من أجهزتها العسكرية الكبيرة يمكن أن يتعرض أمنها للخطر في جميع أنحاء فلسطين. وعلى ما يبدو فان الأجهزة الأمنية الاسرائيلية غير قادرة على مواجهة هذه الجماعة التي تطرح مفهوماً جديداً، ولا تعمل تحت راية معينة، تنتمي الى جيل شاب مستعد للقتال، ولا يتوسل بالمال أو لتحقيق مكاسب سياسية. وقالت الجماعة إنها تقاتل “عدواً لا يفهم إلا لغة القوة والردع ويتفوق في الخداع”.

لذا، فان نمو “عرين الأسود” المقاومة في الضفة الغربية، وجذب الشباب الفلسطيني للانضمام اليها، هو إشارة أخرى لاسرائيل بأنها لا تستطيع ابقاء القضية الفلسطينية تحت البساط. 

وعلى الرغم من تسليم القيادي محمود البنا نفسه الى الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلّا أنّه لا يعتبر استسلاماً. وأعلنت المجموعة في بيان، أنّ “مقاتلي عرين الأسود الحقيقيين انقسموا إلى ثلاثة أقسام، شهداء مضوا، وجرحى، وقسم ينتظر، هم جنود الله. ولو بقي فينا جندي واحد فسيموت لتبقى فكرة المقاومة مستمرة. فأي وطن هذا الذي نهادن فيه من يستبيح دماءنا؟ لا نامت أعين الجبناء، ولا أبقى الله بندقية لا تشتبك، ولا تفكر في الاشتباك”.

ولمزيد من المعلومات حول مجموعة “عرين الأسود”، كان لـ “لبنان الكبير” حديث مع الكاتب والناشط الفلسطيني محمد شكري الذي قال: “السبب في ظهور أي حالة مقاومة ابتداء هو وجود احتلال لفلسطين، هذا شيء لن ينقطع أو يتوقف طالما هناك احتلال لهذه الأرض، بما لا يمكن أيضاً فصل الأسباب عن مجريات الأحداث في مدينة القدس المحتلة منذ معركة سيف القدس وحتى هذه اللحظات. فعرين الأسود ليست بدعة من العمل المقاوم والحالات التي مثلته عبر تاريخ النضال الفلسطيني وهي امتداد للعمل المقاوم في مدينة نابلس وغيرها”.

وأوضح أن “تنظيم مجموعة العرين موجود بمفهومه العملي والدليل دقة الخطاب وتوقيته والحرص على وجود روايتها الخاصة ومنافستها لرواية الاحتلال، هذا الزخم والتأثير الاعلامي لا يكون من دون تنظيم وسيطرة”.

وعن احتمال ظهور مجموعات مقاومة أخرى، أكد شكري أن “ظهور مجموعات على غرار عرين الأسود ليس مستبعداً وخصوصاً في حالة الانصهار الكامل لكل مكونات الشعب السياسية تقريباً في الحالة الثورية في الضفة”.

‏أضاف: “لا شك في أن العرين تتلقى الدعم الكامل من حماس وغيرها وظهر ذلك في التأييد الاعلامي من حماس لها، وهذا واجب وطني وأخلاقي لكل فصائل المقاومة. وحماس لم تترك الضفة أصلاً لتدخلها من جديد ووجود قيادات في القسام ضمن صفوف العرين دلالة على رقي المنهج في إعطاء الحالة الثورية في الضفة الأولوية على أي هدف حزبي”.

‏واعتبر أن “تعاطي الضفة مع عرين الأسود كان غير مسبوق، التفاف جماهيري كبير، انتظار لبيانات العرين يومياً، وأمل كبير من أهل الضفة معلقاً على عرين الأسود ومقاتليها”.

شارك المقال