عون والتعطيل صنوان

صلاح تقي الدين

كيف يمكن لمن يراقب مسار “التيار الوطني الحر” ورئيسه المؤسس الرئيس السابق ميشال عون وما أورثه للرئيس الحالي النائب جبران باسيل أن يصف ما درج على ممارسته من تعطيل على جميع المستويات، سوى أنه امتهن مهنة التعطيل عن سابق تصور وتصميم الى أن أصبحا صنوان؟ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لمصلحة من ينتهج هذه السياسة؟

منذ أن ارتكب الرئيس السابق أمين الجميل خطيئة تسمية قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون لترؤس حكومة انتقالية مهمتها الوحيدة تأمين انعقاد المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعون يعطّل كل المحاولات لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، تارة باحتجاز النواب ومضايقتهم في منازلهم ومكاتبهم، وطوراً بحل مجلس النواب واعتبار قراراته ونتائج انتخاباته الرئاسية كأنها لم تكن. لماذا؟ لأنه لم يصل إلى كرسي بعبدا في حينه، وهو ذهب بعيداً في أن عيّر الرئيس الراحل سليمان فرنجية بترشحه إلى انتخابات الرئاسة في ذلك العام، معتبراً أنه متقدم في العمر ولا يصلح لأن يكون رئيساً. وعاد وترشح عون عن عمر 81 عاماً يا للمفارقة!.

وبعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني “الطائف” باعتبارها دستوراً جديداً للجمهورية اللبنانية، لم يتوان عون، الذي حرم من ممارسة السياسة والتعاطي بالشأن العام لمدة 15 سنة كأحد بنود التسوية التي قضت بنفيه إلى فرنسا، عن العمل المباشر في السياسة من خلال فريق عمل مصغّر جمعه حوله في “هوت لا ميزون” وفريق آخر قاده باسيل من بيروت، والهدف إخراج “الاحتلال السوري” من لبنان، فكان دوره الذي اعترف به واعترف له الكونغرس الأميركي بفضله عليه، صدور قانون “محاسبة سوريا” التي كانت تعارضه ويعارضها، لكنه انقلب فجأة على ما كان يعتبرها “مبادئه” فهادنها وفاوضها لكي يعود إلى لبنان من ضمن الصفقة الشهيرة التي صاغها له الرئيس السابق اميل لحود.

ومع عودته وخوضه الانتخابات النيابية التي أفرزت نتائجها حيازته كتلة نيابية مسيحية وازنة، استغل عون هذه الكتلة لكي يعرقل جميع محاولات الوفاق الوطني والمسيرة السلسة لمؤسسات الدولة بحجة الحصول على حصة وازنة من التعيينات الادارية والحكومية، وهنا كانت الطامة الكبرى حيث أنه كان يفرض شروطه على كل رؤساء الحكومات المكلفين لكي ينال حصة وزارية وازنة أو “عمرها ما تتشكل الحكومة”.

وليس خافياً على أحد أن التاريخ أثبت صحة مقولة “الفساد مقابل السلاح” التي كانت العنوان العريض للاتفاق الشهير الذي عقده عون مع “حزب الله” في مار مخايل، فزاد من حجم شروطه التي كانت بمعظمها تعطيلية لمسار الدولة ومؤسساتها.

في الكهرباء التي كان يفرض عون أن يتولى صهره السلطان جبران حقيبتها، فشل في حلّ معضلتها بسبب سياسة جبران العشوائية والمصاحبة للفساد في ملف البواخر والهيئة الناظمة التي كان يمكن أن توفر على الخزينة العامة مليارات الدولارات التي أهدرت باعتراف الجميع، والتي راقبها المجتمع الدولي بدقة لدرجة أن الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات بتهمة الفساد على جبران نتيجة سوء ادارته واستغلالها لهذا الملف الذي أوكله الى مستشاريه الموظفين من بعده، فتوالوا على الوزارة واستمروا بتطبيق “رؤية” جبران له.

وفي حقيبة الخارجية التي عاد جبران وأصرّ على استلامها بدعم من عمه و”حزب الله”، كانت فضيحة الفضائح التي لم تجلب للبنان سوى الخراب نتيجة نسف علاقاته بمحيطه الحيوي والطبيعي مع دول الخليج العربي، فكان أن قاطعت هذه الدول لبنان بسبب سياسات جبران المتناغمة أو المتطابقة مع نظرة الحزب المعادية لهذه الدول.

ثم تحقق حلم العماد السابق بالوصول إلى قصر بعبدا بعد تعطيل الحياة الدستورية والبرلمانية لفترة سنتين وخمسة أشهر، ومن هذا المنصب حاول ونجح، عبر التمسك بما يسمّيه الصلاحيات الطبيعية لرئيس الجمهورية، في نسف كل محاولات الاصلاح والتغيير اللذين كان يرفع وتياره شعارهما، بدءاً من تعطيل صدور التشكيلات القضائية التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى بالاجماع، نزولاً إلى عدم الموافقة على تثبيت الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية لوظيفة مأموري الأحراج لأسباب طائفية بغيضة بحجة غياب المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بناء لطلب باسيل.

ولا يخفى على أحد أن عهد عون في رئاسة الجمهورية “تميّز” (إذا كانت هذه ميزة) بأنه شهد فراغاً حكومياً لمدة 696 يوماً من دون احتساب المدة التي سجلت منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الأخيرة في عهد عون، وكل تلك الفترات كانت بسبب شروطه وصهره التعجيزية أمام الرؤساء المكلفين، ولم يشأ مغادرة قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته سوى بإضافة “ميزة” إضافية على عهده التعطيلي بأن وقّع (لزوم ما لا يلزم) مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس ميقاتي.

في هذه النقطة بالذات، أراد عون أن يدخل البلاد في أزمة دستورية وتعطيل عمل حكومة تصريف الأعمال ناسياً أو متناسياً أن الحكومة اعتبرت مستقيلة بحكم الدستور بعد إجراء الانتخابات النيابية، وبالتالي فرئيسها لم يتقدم بكتاب استقالة لكي يقبله عون أو يرفضه، لكن الغاية الواضحة كانت تعطيل السلطة التنفيذية بعد دخول البلاد في شغور رئاسي.

ثم يخاطب عون أنصاره بشعار “معك مكملين”، السؤال هو “إلى أين”؟ بالاذن من رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي كانت هذه العبارة واحدة من أشهر تعليقاته وتساؤلاته، والحقيقة هي إلى أين يرغب عون في جر البلاد بعد أن أًصبح رئيساً سابقاً؟ هل يريد تقليد الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي اشتهر بمقولة إلى “ما بعد بعد بعد”، بجر البلاد إلى ما بعد بعد جهنم؟

هي طبيعة الجنرال عون، التعطيل، ومن يعتقد أنه مع نهاية عهده أًصبح البلد على سكة الأمان والسلامة وبداية الخروج من جهنم، يكون واهماً. فمع انتقال عون إلى الرابية والتصعيد غير المبرر الذي يمارسه جبران وظهر ذلك واضحاً في جلسة المجلس النيابي أمس، لن تشهد البلاد الهدوء الذي ينتظره اللبنانيون، كل اللبنانيين، والتعطيل قد يستمر بحجج واهية وشعبوية، والدعاء الوحيد إلى الله هو أن ينجّي البلد من مسار عون وباسيل، وهو السميع المجيب.

شارك المقال