صلاحيات الفراغ الملغومة

هدى علاء الدين

تستمر المخالفات والمغالطات بحق الدستور في كل محطة سياسية انسجاماً مع الغاية المراد تحقيقها في ظل فوضى غير مسبوقة يشهدها لبنان من دون أي رادع يحمي الدستور من الانتهاكات المتكررة، حتى باتت المصالح والاجتهادات الملغومة تطغى على القوانين وتأخذ من الصلاحيات غطاءً لما هو أبعد منها بكثير. آخر هذه المغالطات حديث المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير بُعيد إقفال مكتب رئيس الجمهورية وقاعات مجلس الوزراء والاجتماعات والاستقبال وجناح إقامة الرئيس، والذي أشار فيه إلى أنه استناداً إلى المرسوم الاشتراعي الرقم 111/1959، فإن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية تُعدّ على رأس الأجهزة المركزية للدولة كونها مرتبطة بالرئيس مباشرة، وعليه ستبقى قائمة كمؤسسة تعمل ولديها دورها، مضيفاً أنه في حالة الشغور الرئاسي، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية تُناط بمجلس الوزراء، استناداً الى الدستور، وبما أن المديرية تُشكل الجهاز التنفيذي لرئيس الجمهورية، فستُصبح بدورها الجهاز التنفيذي لمجلس الوزراء.

وعن مشاركة المدير العام لرئاسة الجمهورية في جلسات مجلس الوزراء في حال انعقاده، أوضح شقير أن حضوره هذه الجلسات هو لاستمرارية العمل الاداري في المديرية العامة ومن أجل ألا يكون لديها أي نقص، وأن تكون على معرفة بما يتم التوصل اليه في الملفات الادارية، لافتاً إلى أنه متى انتخب رئيس للجمهورية فسيتابع ما تم إقراره، وعليه تكون المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الجهاز الذي يتابع.

وتعليقاً على ما ورد على لسان شقير، اعتبر أستاذ السياسات والتحديث الاداري في الجامعة اللبنانية الدكتور برهان الخطيب أن ملاك الجهاز البشري للمديرية العامة لرئاسة الجمهورية محدود، وهو جهاز يعاون الرئاسة في تأدية مهامها. أما المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء فتبرز في كونها تتخطى بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها نطاق مهام مديرية عامة عادية وصلاحياتها، وهي المحور الأساس الذي تتقاطع وتلتقي فيه وظائف التنسيق والاتصال بين الادارات والمؤسسات العامة. وانطلاقاً من ذلك، فإن شقير أعطى لنفسه وللمديرية العامة لرئاسة الجمهورية صلاحيات ليست منوطة بها خصوصاً لناحية منحها دور الجهاز التنفيذي لمجلس الوزراء، وهو أمر مخالف للقوانين لاسيما المرسوم الاشتراعي رقم 111 الصادر عام 1959 والذي ينص على أن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية هي جهاز يُعاون الرئيس في تأدية مهامه حصراً وليس جهازاً وفق الهيكلية التنظيمية للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية يقوم بتحضير وإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء الذي ليست له أي علاقة به. فالمسؤول عن أعمال مجلس الوزراء هو المديرية العامة لرئاسة المجلس كما نصت المادة 1 من المرسوم الاشتراعي رقم 111، ولا يمكن إسنادها الى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية.

وبحسب الخطيب، فإن حضور المدير العام للرئاسة جلسات مجلس الوزراء وإن كان بوجود رئيس الجمهورية، ليس من ضمن القوانين والأنظمة لأنه لا توجد أي صلاحية للمدير العام لرئاسة الجمهورية في هذا الاطار بل دوره محصور فقط بمعاونة الرئيس في تأدية مهامه. لذا، فإن الحضور يكون بناء على طلب من رئيس الجمهورية وهو ليس ضرورياً على عكس المدير العام لمجلس الوزراء الذي لديه دور قانوني وأساس في متابعة جلسات مجلس الوزراء لجهة كتابة المحاضر وتحضير القرارات الناتجة عنها. فهيكلية الأمانة العامة لمجلس الوزراء تتضمن فرعاً للشؤون الوزارية وهو على مستوى فئة أولى ويضم ثلاثة مصالح على مستوى الفئة الثانية تشمل: مصلحة متابعة تنفيذ القرارات، مصلحة أعمال مجلس الوزراء، والشؤون المشتركة مع مجلس النواب، وذلك وفقاً للمرسوم رقم 10618 تاريخ21/8/1975، والمرسوم رقم 13292 تاريخ 27/10/1998، والمتعلق بتعديل ملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء. في المقابل، لم يُظهر القرار رقم 46 تاريخ 28/11/1998 المتعلق بتنظيم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أي وحدة تتولى مهاماً مرتبطة بأعمال مجلس الوزراء.

واستشعر الخطيب نية المدير العام لرئاسة الجمهورية محاولته نسب صلاحيات الى إدارته لا سند قانونياً لها، آخذاً من انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء حجة لاعتبار المديرية جهازاً تنفيذياً لمجلس الوزراء، مؤكداً أن هذه المقاربة ليست صحيحة، لأن هذا الدور حصري للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، مع الأخذ في الاعتبار أن المدير العام لرئاسة الجمهورية يتبع إدارياً بجميع أعماله الى رئيس مجلس الوزراء بسبب عدم وجود أي سلطة تنفيذية وإدارية لرئيس الجمهورية. لذلك يُلاحظ أن رئيس الحكومة يُفوض بعض صلاحياته المرتبطة بالمديرية العامة لرئاسة الجمهورية الى مديرها العام.

ورأى الخطيب أن “كلام الدكتور شقير سيُسهم في خلق نوع من الازدواج في الصلاحيات مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء”.

شارك المقال