المناورات الاسرائيلية: راحت السكرة وجاءت الفكرة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ يومين قامت اسرائيل بمناورات عسكرية على الحدود اللبنانية، وخرق طيرانها جدار الصوت وأطلقت القنابل المضيئة. مرّ الخبر مرور الكرام في وسائل الاعلام ولم يسترعِ انتباه من تبقى من أهل الحكم، وكأن الحدث أمر عادي، فيما أبدى بعض اللبنانيين والمراقبين تخوفاً مما قامت به اسرائيل بصورة مفاجئة عبر مناوراتها البرية على الحدود، بعد الاتفاق معها على ترسيم الحدود البحرية، وجرى تقديم التهنئة الى الجانب اللبناني على الانجاز الذي تحقق بعد مفاوضات دامت عشر سنوات، وحققت من خلاله اسرائيل هدفها في استخراج الغاز من “كاريش”، من دون معوقات واشكاليات مع الجانب اللبناني وبرعاية الولايات المتحدة، ورحبت به الدول الغربية والعربية.

وبعد سكرة النصر في الترسيم جاءت فكرة فوز تكتل بنيامين نتنياهو في الانتخابات البرلمانية بغالبية شبه مطلقة، ووصول اليمين المتطرف الى رأس السلطة التي كانت ترفض اتفاق الترسيم، وما فوز نتنياهو بنسبة كبيرة سوى تعبير عن الرغبة الشعبية الاسرائيلية، ووضوح الصورة بأن الاسرائيليين على المستوى الشعبي غير جاهزين لاتفاقات تسوية وتقبل مثل هذه القرارات التي قامت بها حكومة يائير لابيد. وواقع تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات في هذه الأيام ليس ظاهرة في اسرائيل، بل حصل أيضاً في ايطاليا والسويد والمجر والنمسا وغيرها من الدول.

أعلنت قيادة الأركان الاسرائيلية عن استمرار المناورات، ولكن ما حدث في الضفة الغربية من مشاكسات فلسطينية وعمليات نفذها فلسطينيون، أعاقت كما ادعت هيئة الأركان متابعة هذه المناورات على الحدود. لكن من الواضح أن السياسة العسكرية الاسرائيلية هي واحدة في كل الحكومات، فالتصرف العسكري واحد ان كان في حكومة بيني غانتس أو يائير لابيد أو بنيامين نتنياهو، واستباحة الأجواء وعمليات القصف على مواقع “حزب الله” والحرس الثوري الايراني في سوريا لا تسبب خلافاً سياسياً، فصوت التطرف لا يعلى عليه، ولذلك لا يمكن تمرير المناورات الاسرائيلية من دون التوقف ملياً أمامها كونها تعبّر عن الجهوزية العالية لاسرائيل والاعلان عن أنها مستعدة لمواجهة أي حدث، أو ضربة تتعرض لها، وهي سترد الصاع صاعين ولا أحد يعوقها عن استباحة المواقع الايرانية وضرب الصواريخ حتى في العراق وربما قد تحصل عمليات لاحقة في العمق الايراني.

ويرى متابعون أن “اللبنانيين أضاعوا فرصة فعلية في حشر التطرف الاسرائيلي من خلال القبول باتفاق الترسيم كما جاء عليه، وربما كان على المفاوض اللبناني عدم القبول بهذا الترسيم طالما أن هناك اشكالية فعلية بين اسرائيل ولبنان، واستغلال الطلب الأميركي الرسمي باستخراج النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، لتزويد أوروبا بالغاز، وكان على اللبنانيين أن يتمسكوا حتى بفرض عملية الترسيم عندما تنتهي المشكلة اللبنانية – الاسرائيلية حتى ولو كان لبنان لم يفتح مباشرة ملف التطبيع السياسي، الا أنه ساهم في التطبيع الاقتصادي الذي سيوصلنا حتماً الى تطبيع سياسي”.

ويعتبرون أن “اسرائيل تستخدم حالة وجود حزب الله والتهديد الايراني من أجل ابقاء الشارع الاسرائيلي في حالة استنفار دائمة لأنها محاطة بالخطر من ايران والجهة الشمالية ومن جهة غزة والشمال الغربي لاسرائيل بسبب وجود ميليشيات تهدد استقرارها وتشكل خطراً أمنياً عليها، لذلك قام الطيران الاسرائيلي فعلياً باستباحة مناطق غزة منذ أيام وهذه رسالة وجهت الى الطرفين اللبناني والفلسطيني، بأن اسرائيل لا يهمها أي شيء في حال كان هناك تعد على أمنها القومي، وجاءت في ظل صعود نجم نتنياهو نحو الحكومة وكأنه بدأ ينفذ برنامجه الانتخابي ووعوده للناخبين بحماية أمن اسرائيل، وما المناورات الحدودية الا تعبيراً عنها، تحسباً لأي عمل من جانب حزب الله، سواء من حدود لبنان أو سوريا، وفي ظل حرب استخباراتية ما بين اسرائيل وايران التي تتهمها مع أميركا وبريطانيا والسعودية بأنها تدعم المحتجين في ايران لتغيير النظام الاسلامي القائم، وأن هناك اغتيالات وقعت لمسؤولين في الحرس الثوري نتيجة خلق الفوضى”.

ويشير المتابعون الى أن “النظام الايراني سيعمل لافراغ الشحنات التصعيدية من قبل المحتجين والطلاب من أجل أذية (العدو) الاسرائيلي في مواجهات عسكرية قد تحدث بالواسطة من خلال مجموعات الحرس الثوري والحشد الولائي في سوريا، أو من خلال حزب الله في لبنان أو الجهاد الاسلامي وحماس لمضايقة اسرائيل وإثبات قدرتها على الرد، وقالت طهران انه في حال تعرضت لأي أذى فسيكون الرد من جنوب لبنان وجنوب فلسطين وهذا يعني أن القضية الفلسطينية باتت غير منظورة لكون هذه الجبهات صارت لحماية أمن ايران في حال تعرضه للخطر، وهو اليوم في حالة خطرة بسبب انتفاضة الشعب الايراني التي تتوسع يوماً بعد يوم”.

لا شك في أن التحركات الشعبية في الشارع الايراني باتت تهدد فعلياً النظام القائم، ولذلك لا بد له من أجل البقاء أن يهرب الى الخارج كونه فشل في معالجة الوضع الداخلي ووقف الاحتجاجات التي تطالب باسقاط النظام والديكتاتور خامنئي.

يقول وزير الاسكان الاسرائيلي في حكومة لابيد المستقيلة ان برنامج نتنياهو هو التصعيد والضرب بغض النظر عن أي اتفاق، وسبق له أن أعلن أيضاً أن أي اتفاق بين الرئيسين الأميركي والايراني حول النووي لن يكون معنياً به، وواضح أنه نهج تصعيدي ويفسر المتابعون ذلك بأن نتنياهو يسعى الى أن تؤمن الولايات المتحدة له في حال ذهبت نحو توقيع النووي الضمانات التي تشعره بأن برنامج ايران النووي مقيد، سلمي غير مستفز أو يهدد الدولة العبرية عبر التخصيب، وثانياً عبر اطلاق المسيرات والصواريخ البالستية التي تحاصر بها اسرائيل من غزة ولبنان وسوريا لأن المعركة الفعلية هي معركة نفوذ ما بين تل أبيب وطهران.

معركة النفوذ الجيو – السياسي في المنطقة ما بين اسرائيل وايران، يظهر من خلال عمل الأخيرة على تثبيت قوتها بواسطة الصواريخ والمسيرات في هذه المناطق ومحاصرة اسرائيل، التي يعتبر عملها على الرد حتى بشن هجمات انتقامية على علماء ومواقع، عاملاً مساعداً للحرس الثوري على نشر قواعد تابعة له في المنطقة وهي نقطة خلاف بينها وبين الادارة الأميركية، كونها لم تدرج على جدول المفاوضات النووية، وكذك موضوع انتشار الأذرع الايرانية التي تشكل تهديدا لاسرائيل على الرغم من أن وجود هذه الأخيرة خط أحمر بالنسبة الى أميركا وهي داعمة للتطرف الاسرائيلي في كل حين.

شارك المقال