سباق الرئاسة والانهيار

صلاح تقي الدين

بعد انتهاء كابوس العهد القوي وعلى الرغم من الوعد الذي أطلقه الرئيس السابق ميشال عون في اليوم الأخير الذي أمضاه في ربوع قصر بعبدا بأن لبنان الذي أصبح بلداً نفطياً سيبدأ بالخروج من أزماته الاقتصادية والمالية نتيجة “الانجاز” الذي حققه بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، إلا أن الدولار يسابق على ما يبدو وعود “الجنرال” ولا يبدو أن في الأفق ما يبشّر باستقراره ما ينعكس سلباً على أوجه الحياة اليومية للبنانيين.

يتفق جميع الاقتصاديين على أن لا أسباب موجبة لارتفاع سعر صرف العملة الخضراء، وأن عمليات المضاربة التي تتعرض لها الليرة اللبنانية ليست سوى لعبة ذات أهداف سياسية وإن كانت نتائجها تأتي على حساب المواطن أولاً وأخيراً.

فمع ارتفاع سعر الدولار، ارتفعت كلفة المحروقات بصورة هستيرية خصوصاً سعر المازوت الذي يحتاج إليه المواطنون الجبليون ناهيك عن أصحاب المولدات الذي يستغلون هذا الارتفاع لزيادة قيمة الاشتراكات التي يجنونها، وكذلك أسعار المواد الغذائية في السوبرماركات معطوفة على جشع التجار، وأسعار الخضار والفواكه التي ترتفع بسببب ارتفاع أسعار النقل.

وبات مؤكداً أن الجلسة النياية الخامسة لانتخاب رئيس للجمهورية المقررة اليوم الخميس لن تكون مختلفة عن سابقاتها نتيجة استمرار فريق 8 آذار في اللجوء إلى الورقة البيضاء لغياب التوافق بين أفرقائه على تبني اسم رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية بسبب الموقف المعروف لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من هذا الترشيح، وعدم تمكن فريق المعارضة من توحيد كلمته وراء اسم النائب ميشال معوض لتأمين وصوله إلى قصر بعبدا.

يدرك المعارضون جيداً أن معوض لن يتمكن من الوصول إلى بعبدا، وكذلك فريق 8 آذار يدرك سلفاً أن “المايسترو” الذي يديره غير قادر على انتزاع موافقة باسيل على اسم فرنجية المفضل لديه، وبالتالي استحالة تأمين فوزه لا في الدورة الأولى ولا في الدورات التي تلي بسبب القدرة على تطيير النصاب إذا استمر يحتسب على أساس الثلثين في جميع الدورات الانتخابية.

هذا “الاحتباس” السياسي يجعل من البلد فعلياً من دون رأس للسلطة وهو ما ينعكس سلباً على جميع أوجه الحياة اليومية للمواطنين ويفتح المجال أمام استمرار لعبة المضاربة بالدولار وجني الأرباح على حساب المواطن العادي، والمطلوب فعلياً الشروع في تأمين التوافق على اسم مرشح لا يكون مستفزاً أو متحدياً لأي من الفرقاء السياسيين، لكي يعود الانتظام إلى الحياة الدستورية بدءاً من رأس هرمها.

وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن مسؤولية استمرار التدهور المعيشي والذي لا يمكن التنبؤ إلى أي مدى سيكون في قدرة اللبنانيين تحمله، تقع أولاً وأخيراً على عاتق أصحاب السعادة نواب مجلس 2022 وفي مقدمهم من أطلقوا على أنفسهم اسم “التغييريين” الذين أثبتوا لغاية اليوم، أنهم ليسوا تغييريين إلا بالاسم أما بالممارسة فهم لا يزالون في الصف الابتدائي الأول من الحياة البرلمانية والسياسية.

وحده من بين السياسيين كان رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي يتحرك في جميع الاتجاهات في مسعى جدي للوصول إلى توافق حول اسم مرشح مقبول ليفوز بمنصب الرئاسة. فبعدما شارك في لقاء إحياء الذكرى 33 لاتفاق الطائف ومن خلال مداخلته التاريخية، بدا واضحاً أنه مستمر في تأييد النائب معوض مرشح “السياديين”، لكن من دون أن يقفل الباب على أي توافق قد يستثني النائب الزغرتاوي، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الموقف الذي أدلى به عقب لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأحد في عين التينة.

ويدرك جنبلاط تماماً خطورة الوضع الاقتصادي والمالي وتدهور الحياة المعيشية للبنانيين، وكذلك يلاقيه في هذا الادراك الرئيس بري الذي حذر الاثنين الماضي من أن لبنان لا يستطيع تحمل الوضع الراهن أكثر من أسابيع، داعياً إلى “التوافق” للإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وأمام هذا الوضع، فإن لبنان يخوض سباقاً سريعأً ما بين الرئاسة والانهيار، فهل يدرك أصحاب السعادة ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويبادروا سريعاً وقبل فوات الأوان إلى التواصل والحوار أو التشاور مع بعضهم البعض بهدف التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، لن يكون محسوداً أمام المهمة الشاقة التي سيواجهها منذ اليوم الأول لانتخابه.

كان السائد في الماضي أن رئيس الجمهورية ينتخب نتيجة توافق إقليمي ودولي ونادراً ما كان للصوت الداخلي تأثير في عملية الانتخاب، غير أن أمام لبنان فرصة قد لا تتكرر وهي أن يكون الرئيس العتيد “صنع لبنان” بسبب الاهتمام الدولي المنصب حالياً على نتائج الحرب الروسية – الأوكرانية وما نتج عنها من أزمات طرقت أبواب القارة العجوز، وعدم وضع لبنان على لائحة أوليات المجتمع الدولي والدول المؤثرة، فهل نلتقطها لكي ننتزع من العالم ورقة “ثقة” تعيد بعضاً من اهتمامه إلينا؟

شارك المقال