الدستور وجهات نظر… تعطيل التشريع مقابل تعطيل الانتخاب؟

هيام طوق
هيام طوق

رفعت الستارة على مسرح البرلمان، وانطلق العرض الخامس الأسبوعي لانتخاب رئيس الجمهورية، لتعود وتسدل مرة جديدة من دون نهاية سعيدة أو حزينة لأن السيناريو أعدّ سلفاً للوصول الى هذه النتيجة أي التعطيل وتطيير النصاب، والتمديد لولاية الشغور الرئاسي عبر الأوراق البيض.

عروض انتخابية متكررة، ملّ اللبنانيون من مشاهدتها، لكن أبطالها غير آبهين لتداعياتها وانعكاساتها على البلد المنهار والذي لا يمكنه تحمل المزيد من الشغور والفراغ والتعطيل وانسداد الأفق، لا بل تشير المعطيات الى أن الأمور متجهة نحو التعقيد أكثر وأكثر بحيث أن هناك بعض الكتل والنواب يدرس خياراته في عدم حضور أي جلسة تشريعية قد يدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري على اعتبار أن الأولوية اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي، ربما نكون أمام باب جديد من الخلاف والانقسام في المجلس النيابي.

وفي هذا السياق، سأل رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل، رئيس المجلس عن المواد الدستورية المعمول بها لتحديد سير الجلسات من حيث الانتخاب، وتحديد النصاب، فأجابه بري: “اقرأ الدستور”. فرد الجميّل: “سبق وقرأته جيداً جدا”. ليرد بري: “سأفسر لك لاحقاً”.

كما اقترح النائب ملحم خلف جلسة انتخاب مفتوحة لا تنتهي الا بانتخاب رئيس للجمهوريّة ولو تطلّب الأمر عدّة أيّام لأن لا وقت ولا رفاهيّة لانتظار أيّ تسوية، ومن الضّروري استنباط حلول من المواد الدّستوريّة لانتخاب رئيس جديد. فردّ عليه الرئيس بري: “ما بدي كتّر الاستنباطات، عم تعطيني شي مش وارد، بلا محاضرات”.

وذكر بنص المادة 74 من الدستور التي تنص على أنه “إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف، يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون. وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تدعى الهيئات الانتخابية من دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”. كما تنص المادة 49 على أن “رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”.

أما النائب نديم الجميّل، فقال: “مع احترامي للمجلس الكريم، فمن يشاهدنا منتظراً انتخاب رئيس يسأل ما اذا كانت الجلسات (مسخرة) أو مجرد فولكلور لأنّ الشعب اللبناني يدفع ثمن التراخي الذي يحصل اليوم”. فردّ برّي قائلاً: “إذا بدكن انتو بتعملوها مسخرة”.

وفي الجلسة الخامسة، جاءت النتيجة اثر انتهاء الدورة الأولى على الشكل التالي: 44 صوتاً للنائب ميشال معوض، 6 لعصام خليفة، صوت لزياد حايك، صوت للوزير السابق زياد بارود، 6 “لبنان الجديد”، صوت “لأجل لبنان”، وصوت “خطة ب” (ملغاة) و47 ورقة بيضاء. ثم طيّر نواب 8 آذار النصاب، ورفعت الجلسة وحدد بري موعداً جديداً للجلسة السادسة لانتخاب رئيس، يوم الخميس المقبل في 17 تشرين الثاني الجاري.

وفي قراءة دستورية لمسار جلسات انتخاب الرئيس، أوضح الخبير الدستوري سعيد مالك أن “من الثابت أن رئيس مجلس النواب، عملاً بأحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي، تحديداً المادة 54 و 55 منه، يتمتع بسلطة اجرائية في اطار إدارة جلسات مجلس النواب، لكن يفترض بالرئيس بري أن يستند الى مواد دستورية من جهة والى مواد النظام الداخلي من جهة ثانية. اليوم، يوجد خلاف حول موضوع النصاب اذ هناك من يقول إن النصاب يجب أن يبقى 86 نائباً، وهناك سوابق على ذلك، والبعض يقول ان النصاب ممكن أن ينخفض الى 65 نائباً. اعتمد عرف دستوري منذ العام 1976 حتى تاريخ اليوم، بنصاب الثلثين دائماً في كل دورات الانتخاب. وبالتالي، ليس هناك من نص دستوري صريح وواضح، والمادة 49 ملتبسة، وعند وجود الالتباس، نذهب الى التفسير والى العرف. كما أن المادة 49 لا تتضمن النصاب انما أكثرية الفوز، وتماهياً مع نصاب الفوز، ذهب الفقه الدستوري الى اعتماد نصاب الثلثين دائماً في كل دورة اقتراع. هذا نتاج اجتهاد دستوري وعرف دستوري. ما يقدم عليه الرئيس بري هو انفاذ لعرف دستوري واجتهاد اتبعه مجلس النواب منذ العام 1976 حتى اليوم”.

وقال: “الظاهر أن طبخة انتاج رئيس جمهورية لم تنضج بعد. وبالتالي، هناك ضرورة لابقاء مجلس النواب منعقداً ولدورات متتالية ومتعاقبة وصولاً الى الاتفاق على اسم رئيس لأن الدستور لا ينص على جلسات انما على دورات. ويفترض برئيس مجلس النواب أن يعقد جلسة للمجلس، وتستمر في اطار دورات متتالية على أن يتخللها امكان التشاور بين الكتل النيابية على الأسماء بين دورة وأخرى، لكن على أن تبقى الجلسة مفتوحة وصولاً الى انتخاب الرئيس. وربما يوم واحد غير كاف لانجاز كل الدورات التي قد تستغرق أياماً قبل الظهر وبعده أي يخصص مجلس النواب نفسه فقط لانتخاب الرئيس. وبالتالي، الرئيس بري يحاول أن يحافظ بهذا الأداء على عدم السماح لغالبية معينة بالتحكم في انتخاب الرئيس، ويحاول الابقاء على نصاب الـ 86 من أجل عدم السماح لرزمة من النواب بايصال رئيس جمهورية بـ 65 نائباً”.

وأكد مالك أن “المخرج يكون بدورات متتالية حيث يبقى مجلس النواب في حالة انعقاد حتى انتخاب رئيس الجمهورية، اذ ليس هناك من أولوية قبل انتخاب رئيس الدولة.”

وصف النائب بلال عبد الله ما يجري في الجلسات الانتخابية بـ “الاستعصاء السياسي”، معتبراً أنه “بلوك سياسي لم نتمكن بعد من حلحلته بحيث أن التموضعات لا تزال على حالها. الفريق الآخر يصوّت في الجلسة الأولى بالورقة البيضاء، ويخرج من القاعة قبل انطلاق الدورة الثانية. ونص الدستور واضح في هذا الاطار”. وأشار الى “أننا نحرص على حضور الجلسات الانتخابية، وممارسة حقنا في الاقتراع، وكنا نتمنى لو يكتمل النصاب في الدورة الثانية، وننتخب رئيساً بـ 65 صوتاً، ومن يربح يربح”، آملاً “عدم الاستمرار في هذا السيناريو التعطيلي لفترة طويلة لأن البلد لا يحتمل الفراغ، وهذا الجو المحبط.”

ورأى أن “التسويات بين بعض الأطراف دون سواهم تكون فاشلة بعكس التسويات الوطنية”، لافتاً الى “أننا لا نفهم مقاطعة الجلسات التشريعية في حال عقدت خصوصاً اذا كانت هناك من مشاريع ملحة”.

أما النائب زياد حواط فاعتبر أن ما يحصل في جلسات انتخاب الرئيس “جريمة بحق لبنان وبحق الشعب، وأبطالها النواب الذين يعطلون النصاب أو ينتخبون بورقة بيضاء. اليوم الأولوية لانتخاب الرئيس، واعادة انتظام السلطة”، متسائلاً: “لماذا التشريع طالما ليست هناك من سلطة تنفيذية تنفذ التشريعات؟”.

وشدد على أن “المهم اليوم اعادة انتظام السلطة من رئيس الجمهورية الى الحكومة وصولاً الى كل مؤسسات الدولة. أي جلسة عامة لمجلس النواب يجب أن يكون هدفها الأول انتخاب رئيس للجمهورية. وفي حال تمت الدعوة الى جلسة تشريعية لن نشارك فيها، لكن ليس هناك من قرار نهائي بانتظار التشاور مع بعضنا البعض ومع الأفرقاء الآخرين”، منبهاً على أن “الاجتهادات الدستورية تزيد من فترة الفراغ، وكأن الدولة يمكنها أن تكمل مسارها بصورة طبيعية مع رئيس للجمهورية أو بدونه”.

ودعا النواب الى “تحمل مسؤولياتهم، وعدم اللجوء الى تعطيل النصاب أو الانتخاب بالورقة البيضاء، ويجب أن يقفوا اليوم وقفة أخلاق وضمير ووطنية، وعلى الشعب المراقبة والمحاسبة”، قائلاً: “لننتخب رئيساً يعمل على انتشال البلد من وضعه المأساوي، ويعيده الى موقعه الطبيعي ويطلق يد القضاء لنبدأ بالاصلاحات. لماذا نذهب دائماً نحو التسويات ومخالفة الدستور الواضح والصريح؟”.

شارك المقال