التعددية القطبية: افتراض قوي أم احتمال بعيد؟

حسناء بو حرفوش

لقد بات من الشائع افتراض أن نظاما عالمياً متعدد الأقطاب بدأ بالظهور تدريجياً وبالحلول محل النظام العالمي الذي تهيمن عليه حالياً الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والذي لم يواجه أي تحديات جادة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وتشير هذه النظرية، وفقاً لتحليل كندي، إلى أنه “مع ازدياد قوة دول البريكس (BRICS أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ومع ازدياد حدة الأزمة الامبريالية وفي طليعتها الولايات المتحدة، ستواجه الجهود الأميركية لإملاء الشؤون العالمية المزيد من المعضلات”.

وتشتمل الأدلة، وفقاً للقراءة في موقع canadiandimension، “على وجود عالم متعدد الأقطاب بصورة متزايدة، وتقدم على سبيل المثال، مبادرة الحزام والطريق الصينية (كمشروع طموح بشكل مذهل للاعتماد المتبادل يشمل آسيا الوسطى وأفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية) وتستلزم التعددية القطبية أيضاً من دول البريكس إرساء بدائل متعددة الأطراف لمؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية واستخدامها للتعاون مع بعضها البعض. على سبيل المثال، عززت الصين وروسيا علاقاتهما على المستوى الثنائي ومن خلال منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تعد الهند أيضاً من أعضائها.

ومن ثم، هناك التناقضات التي تواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي مايكل هدسون إلى أنه في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا أزمة طاقة في ظل العقوبات الأميركية على روسيا، سيقلل (انخفاض قيمة اليورو من قيمة الاستثمارات الأميركية في أوروبا وقيمة الدولار لأي أرباح قد تستمر هذه الاستثمارات في تحقيقها مثل الاستثمار الأوروبي). ومن هنا، انكماش الاقتصاد، لذلك ستنخفض الأرباح المعلنة للشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة”. وحسب هدسون، “لا تزال المواد الخام الدولية تُسعّر بالدولار بصورة أساسية، لذا سيرفع ارتفاع سعر صرف الدولار أسعار الواردات بشكل متناسب لمعظم البلدان. وتفاقمت مشكلة سعر الصرف هذه بسبب عقوبات الولايات المتحدة والناتو التي أدت الى ارتفاع الأسعار العالمية للغاز والنفط والحبوب. ووصلت دول أوروبية عديدة ودول الجنوب العالمي بالفعل إلى الحد الأقصى من قدرتها على خدمة ديونها المقومة بالدولار، كما أنها لا تزال تتعامل مع جائحة كورونا ولا يمكنها تحمل تكاليف استيراد الطاقة والغذاء التي تحتاج إليها للعيش إذا كان عليها سداد الديون الخارجية. لقد تجاوز الاقتصاد العالمي الآن حدود ديونه، لذا لا بد من تقديم شيء ما.

إذا قررت الدول الأوروبية الابتعاد عن الولايات المتحدة والبحث عن شركاء في مكان آخر (منظمة شنغهاي للتعاون، على سبيل المثال)، فسيسرّع ذلك من الميل نحو التعددية القطبية. وإذا أصبح النظام الدولي متعدد الأقطاب، فسيتشكل طابع هذا النظام بصورة عميقة من خلال صراعات القوة المستمرة داخل بلدان BRCIS في السنوات المقبلة ومواقفها المتعددة الأوجه على المسرح العالمي. على سبيل المثال، تترك البرازيل بقيادة لولا آثاراً دولية مختلفة عن البرازيل بقيادة بولسونارو. وفي الوقت نفسه، تتمتع الهند بحكومة يمينية شوفينية، لكن ميزان القوى الاجتماعية في البلاد في حالة تغير مستمر كما أظهرت احتجاجات المزارعين الضخمة العام الماضي. وطالما أن السياسات الداخلية لدول البريكس غير محددة، تبقى التعددية في الممارسة محل نزاع.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ المبالغة في تقدير المدى الذي يكون فيه العالم متعدد الأقطاب أو تأكيد حلول هذه اللحظة، بحيث لا يزال الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم. وتمتلك الولايات المتحدة ما يقرب من 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة على الأقل. كما تمتلك إلى حد بعيد النصيب الأكبر من إجمالي الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم: يمثل البنتاغون 38% بينما تبلغ حصة الصين 14% وروسيا 3.1% لروسيا. وهذا يقود إلى استنتاج أنه سيكون من الاختزالي افتراض أن مثل هذا التحول العالمي يعني بالضرورة استبدال إمبراطورية عنيفة واستغلالية بأخرى”.

شارك المقال