تهديدات جندي ولاية الفقيه… تفليسة مقامر

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

عادت حليمة الى عادتها القديمة، في التهديد والوعيد ورفع الاصبع… هكذا بدا الأمين العام لـــ “حزب الله” حسن نصر الله في خطابه الأخير، بعد أن انتهى شغف متابعة ما يقوله الا من قلائل ممن لا حول لهم ولا قوة الا بالتبعية له، بعد أن تكشف وجه مقاومته وانكشفت لعبة سلاحه واستخداماته كلعبة إقليمية في يد حكم المرشد وليس لتحرير لبنان من الاحتلال، وهو الذي رعى عملياً مفاوضات السلام النفطي مع اسرائيل والتطبيع مع العدو.

في هذا الخطاب عبّر نصر الله بوضوح عما يريده من لبنان، فبعد تكتم دام 6 أشهر عن طرح اسم مرشح غير مستفز لرئاسة الجمهورية، بهدف التوصل الى مساومة مع مختلف الأطراف المعنية حتى لا يدخل لبنان في الفراغ، واعتماد الورقة البيضاء للقول ان لا حاجة الى النقاش حول أي مرشح مع الكتل النيابية لأن الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع تعود للحزب، الذي لم يقلها بسبب انتظارات الحوار النووي بين ايران والولايات المتحدة، ليتمكن بعدها من استثمار نتائجه للاعلان عن وضعية جديدة تخوله فرض شروطه وفقاً لمصالح ايران في المنطقة، عاد نصر الله الى خطاب شد العصب للقول نحن هنا، لأنه كان يعلم أن توقيع الاتفاق النووي المنشود وضع على الرف.

وبدا واضحاً أن “حزب الله” رسم طريق الفراغ ريثما تظهر نتائج مفاوضات النووي واستخدم حليف “مار مخايل” لخلق فوضى دستورية، ولذلك لم يجبر الرئيس السابق ميشال عون على توقيع تشكيلة حكومية جديدة تملأ الفراغ الرئاسي، على الرغم من الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه المواطن نتيجة الانهيارات الكبيرة التي تسبب بها الحزب. ولكن هكذا هو “حزب الله” يعطل، يدمر، يقتل، ويمنع تحقيق أي انجاز أو حل لقضايا مصيرية يواجهها الشعب اللبناني، ومن هنا انكشفت محاولاته للاستثمار في الحالة العونية بغية الانقضاض على الطائف لتحقيق الثلث المعطل، هو الذي وقف ضد الاعتراض على الاحتلال السوري ومنع الوصول الى قتلة الرئيس رفيق الحريري وفقاً لقرارات المحكمة الدولية التي كشفت بالأسماء عن عناصر الحزب الذين نفذوا عملية الاغتيال، وحمى كل عمليات ومحاولات الاغتيال التي طالت قيادات سياسية وفكرية واعلامية، تحت جنح سطوته وبواسطة سلاحه.

بنى “حزب الله” سرايا مقاومته في كل المكونات اللبنانية، للتخريب على الطائفة السنية، وحاول جعل طرابلس قبلة للارهاب لضرب المدينة الوطنية، واستثمر في جبل العرب بميليشيات وسرايا تابعة لمجموعات سورية وايرانية، وحصل من الطائفة المارونية بواسطة عون وصهره جبران باسيل على غطاء لسلاحه الارهابي غير الشرعي. وكان واضحاً في نهجه أنه يريد الانقلاب على الطائف وكلما كان يواجهه الآخرون بذلك كان يستخدم أبواقه من الحزبيين للادعاء أنه حزب مقاوم في الوقت الذي كان يدير السلاح في وجه الشعب اللبناني ويستبيح الحدود بالتدخل في سوريا والعراق تحت حجج واهية للدفاع عن الديكتاتوريين والفاسدين.

وليس غريباً على الحزب أنه اثر التسويات التي كان يعقدها باتفاقات اقليمية أو دولية، كان الفساد يستشري ويشارك الفاسدين ويحميهم بسلاحه ويقف في وجه الدولة ويعطل الحياة السياسية والاقتصادية لصالح الدويلة، ومنذ اغتيال رفيق الحريري يطعن بكل التسويات السنية ويخرّب العلاقات مع رؤساء الحكومات من فؤاد السنيورة الى سعد الحريري الى تمام سلام الى نجيب ميقاتي، لأنه لا يريد مشاركة الكتلة السنية الأكبر انما بناء حكم الولي الفقيه، الذي يعتبر خادمه، ولا يمكن للبنانيين أن ينسوا مجاهرة نصر الله بأنه وحزبه وجماعته ومن يؤيدونه يتنفسون الهواء من ايران وسلاحهم وأموالهم منها وهو جندي في جيش ولاية الفقيه، وهذا ما جعل الشارع أكثر توجساً من طموحات الحزب والعونيين للوصول الى المثالثة.

كان لافتا أيضاً تهجم نصر الله على انتفاضة 17 تشرين، وتوعد اللبنانيين بحرب أهلية اذا ما فكروا بالثورة مرة ثانية وتمردوا على سلاحه، وطالبوا بالحياة الكريمة والتغيير الاجتماعي وتحقيق الاصلاحات، ومحاسبة الطبقة الفاسدة وتثبيت سلطة القانون، وهو أمر غير مستغرب فـ “حزب الله” تصدى للثورة واتهم الثوار بالعمالة للسفارات ولاسرائيل وبأنهم حركة مأجورة، وأحرق ودمر واغتال لأنه كان يعلم أن هذه الثورة كانت ضده في الأساس بكل معنى الكلمة، فيما لم يخفِ أبداً أنه يقبض من إيران ويدفع لجيشه وعناصره بالدولار.

في السنوات الثلاث الأخيرة عاش “حزب الله” على أنقاض الدولة كجرثومة فطرية يستفيد من أموالها لرعاية أعمال التهريب والكبتاغون ويسطو على المشاعات ويفاوض العدو بالواسطة على ترسيم الحدود البحرية لأنه يعتبره استثماراً لايران في الملفات الأميركية، وحاول القول انه يحمي المياه الاقليمية بصواريخه اذا لم يكن هناك اتفاق عرابه ميشال عون، وظهرت كذبة مقاومة اسرائيل، لأن السكوت عما ورد في الاتفاق هو علامة الرضا.

سمح نصر الله لعون بأن يسوّق صهره للرئاسة حتى بلغت الوقاحة به الى الدعوة لانتخاب باسيل رئيساً حتى تزال عنه العقوبات في تحدٍ واضح لارادة الأكثرية اللبنانية التي لا ترى في الصهر الميمون سوى “مخرّب” على الجميع بضوء أخضر من “حزب الله”، وما حادثة الـ “ام.تي.في” التي قام بها “الحرس القديم” سوى دليل على سياسة التهريب والهدف الأساس منها كان ضرب الجيش وإبعاد قائده عن أي فرصة للوصول الى الرئاسة، لأن الجيش هو القوة المسلحة المنظمة التي تستطيع مواجهة جيش “حزب الله”.

هدد نصر الله في نهاية خطابه اللبنانيين بالحرب عندما قال “السلام عليكم” وكأنه يقول “لقد أعذر من أنذر”، أليس هو المرشد الأعلى للجمهورية ولا صوت يعلو فوق صوت حزبه، وهو الذي يفرض الرئيس الذي يريده للسنوات الست المقبلة وعليه أن يكون على شاكلة عون وليس هناك سوى الصهر في هذه الحالة؟ فهل سيتحمل اللبنانيون ذلك؟ السؤال برسم التطورات التي يبدو أنها ليست في صالح رغبات نصر الله ومرجعية ولاية الفقيه لا سيما في ظل تطورات الانتفاضة الشعبية في ايران وتحقيق أوكرانيا انتصارات جديدة ونتائج الانتخابات الأميركية، وما تهديده بحرب أهلية وتوعده الثوار إن نزلوا الى الشارع كما في ايران، الا دليلاً على تفليسة مقامر.

شارك المقال