باسيل في مأزق… فهل يحسن الاختيار؟

هيام طوق
هيام طوق

قبل ساعات من انعقاد الجلسة السادسة لانتخاب رئيس الجمهورية، يبدو أنها ستكون شبيهة بالجلسات السابقة مع إمكان حصول مفاجأة بناء على نتائج لقاء عدد من نواب المعارضة عقد أمس، اذ ليس مستبعداً أن تتوسع دائرة المصوتين للنائب ميشال معوض خصوصاً أن بعض الاجتماعات والمشاورات حصلت في الأيام القليلة الماضية بين كتل المعارضة للتنسيق في الشأن الرئاسي.

أما على خط الموالاة، فإن الاتصالات لا تزال قائمة بين تكتل “لبنان القوي” وحلفائه، للسير برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، لكن حتى الساعة لم يتمكن “حزب الله” من اقناع النائب جبران باسيل بالتصويت لفرنجية، إذ أشارت المعلومات الى أن الحزب بدأ جدياً بإزالة العوائق من أمام مرشحه، وهذا ما أبلغه الى النائب طوني فرنجية ليكون بذلك وفق أحد المحللين، حشر باسيل في الزاوية خصوصاً بعدما تبين أن حظوظه الرئاسية ضئيلة. وإذا قبل بفرنجية بديلاً من الورقة البيضاء، فهو يشترط ضمانات تبقي حصته السياسية والادارية، وعلى صعيد تعيينات الفئة الاولى، وازنة. أما باسيل، فلديه قناعة بأنه لا يزال قادراً على المناورة في الجلسات الانتخابية، وكسب المزيد من الوقت قبل تجرع كأس القبول بفرنجية خصوصاً أنه يحاول بصورة حثيثة رفع العقوبات الأميركية عنه بوساطة قطرية .

وفيما يخشى الحزب خسارة باسيل الذي قد يذهب إلى خيارات أخرى إذا وجد نفسه محشوراً، فإن الاخير غير قادر على فك حلفه مع الجانب الشيعي خصوصا أنه على خصومة مع غالبية الأطراف والقوى السياسية. وبالتالي، سيعمد باسيل الى إبعاد كأس العزلة السياسية عنه، لذلك لا بد من أنه سيبدل في مواقفه الرئاسية لأن معارضته وحيداً خارج السرب لن تجدي نفعاً.

على أي حال، باسيل يدرس خياراته، ويقوّم حسابات الربح والخسارة، والكل ينتظر إن كان سيلتقي فرنجية قريباً، اذ أن المعلومات تقول ان الاخير على استعداد لزيارة الرئيس السابق ميشال عون في الرابية، وفي حال حصلت الزيارة يبنى عليها في الاستحقاق الرئاسي.

وبغض النظر عن آلية إخراج الانتخابات الرئاسية من عنق الزجاجة وسط الأحاديث عن تسويات في الداخل والخارج، وبعيداً عن حظوظ هذا المرشح أو ذاك، هل يمكن الموافقة مع القائلين على أن باسيل في مأزق لا يحسد عليه؟

أشار المحلل السياسي حسن الدر في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الانتخابات الرئاسية تزداد تعقيداً، وكل فريق يجمع أوراق قوّته ليضعها على الطاولة، المعارضة تحاول جمع أكبر عدد من الأصوات لميشال معوض بهدف المقايضة عليه لاحقاً بشروط أفضل، أمّا فريق المقاومة، فيواجه مشكلة حقيقية بامتناع جبران باسيل عن تأييد المرشح الأوفر حظًاً سليمان فرنجية. إذاً، باسيل بين نارين: نار القبول بفرنجية وتعريض نفسه وتياره لخطر التآكل أمام فرنجية الرئيس، وسمير جعجع المنافس، ونار التمسك برفض انتخاب فرنجية وخسارة التفاهم مع حزب الله، فيصبح معزولاً داخلياً بفقدان آخر حلفائه”.

أنا المحلل السياسي الياس الزغبي، فإعتبر أنه “بعد انتهاء عهد الرئيس عون، لا يحسد باسيل ولا عون على وضعهما السياسي خصوصاً بعدما تبين أن المغطس الشعبي الذي ودّع عون، تفكك أو تبخر بشكل أو بآخر الى درجة الاضطرار الى اللجوء لاستخدام أسلوب ميليشيوي ضيق الأفق كما جرى في الاعتداء على قناة MTV. لذلك، فإن عون وباسيل يسعيان الآن الى التخفيف من الأضرار الكبيرة والموجعة التي لحقت بهما بعد انتهاء العهد، ويحاولان التعويض بشكل أو بآخر في الادارة السياسية المقبلة، وهذا ما يعملان عليه الآن مع حزب الله تحديداً لأنهما وضعا نفسيهما في حالة عزلة واقعية بحيث أنهما خسرا حلفاءهما، ولم يربحا من خلال أسلوب التهويل والتهديد بالفوضى الدستورية وأبعد منها أي الفوضى الأمنية. لا الفوضى الدستورية حصلت، علماً أن الحكومة الحالية تقوم بعملها بصورة طبيعية، ولا الفوضى الأمنية نجحا في التسبب بها بعد محاولتهما الفاشلة في النقاش. لذلك، الخاسر الأكبر في هذه المرحلة السياسية الدقيقة هو التيار العوني خصوصاً أنه يعاني من أزمة داخلية سواء داخل التكتل النيابي أو داخل الخيارات والانتخابات والتعيينات، ولا يمكن أن نرى في العراضة السياحية التي قاما بها في البترون سوى تعويض معنوي مثير للشفقة. فليست السياسة نزهة في مركبة كهربائية ولا في الايحاء بالارتياح السياسي في غمرة الأزمة الكبرى”.

وقال: “لا شك في أن ما قام به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالتقدم خطوة كبيرة نحو اعلان مواصفات مرشحه للرئاسة من دون أن يذكر اسمه، أدى الى اعادة خلط الأوراق خصوصاً داخل فريقه السياسي والنيابي، وأسس لمرحلة تتبلور فيها الخيارات بصورة أوضح وأكثر حسماً. لم يعد يخفى على أي مراقب أن نصر الله سمّى فرنجية من دون حرفي اسمه الأولين كي يترك شيئاً من الفرصة الأخيرة لحليفه الآخر باسيل قبل أن يعلن نهائياً وبصورة رسمية اسم فرنجية كمرشح لفريق الممانعة. ما أقدم عليه نصر الله وضع باسيل في خانة سياسية ضيقة جداً، اذ لم تعد أمامه مساحة واسعة للمناورة، تارة بتقديم أوراق اعتماد الى الولايات المتحدة لرفع العقوبات عنه، وتارة أخرى بالاستنجاد بمن يعتبره مرجعية فرنجية أي الرئيس بشار الأسد. ولعلها الخطوة الأخيرة التي سيقوم بها باسيل في محاولة اقناع الأسد بإزاحة فرنجية من الطريق نحو بعبدا كي تخلو له الساحة ضمن فريق الممانعة، لكن هذا الأمل يبدده مدى قدرة طهران ومعها حزب الله على ابقاء الأسد ضمن دائرة خيارهما السياسي في لبنان”.

أضاف الزغبي: “باسيل سيحاول استخدام ورقة أخيرة هي محاولة التودد الى فرنجية، مستخدماً ورقة عمه الرئيس السابق عون في دفع فرنجية الى تقديم ضمانات وتنازلات للمرحلة المقبلة كي يقبل بالانضمام الى فريق الممانعة بتزكية فرنجية للرئاسة. ولعل هذا ما بدأ القيام به الرئيس عون من خلال مد بعض الجسور مع فرنجية نفسه من جهة، ومع حزب الله كي لا تحترق أوراق وريثه السياسي نهائياً من جهة أخرى، فيحصل على تعويض سياسي وازن في حال الانضمام الى موكب فرنجية الرئاسي. لكن كل هذه الحسابات التي يقودها نصر الله، معززة بأمل أو رهان على دور معين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التسويق لفرنجية لدى الرياض من جهة ولدى واشنطن من جهة ثانية، تصطدم بموقف صلب لدى المملكة العربية السعودية، ما يجعل هذه الرهانات غير ثابتة وغير مضمونة فضلاً عن أن حسابات فريق الممانعة لا تأخذ في الاعتبار العقبات الداخلية الفعلية التي تحول دون وصول فرنجية الى الرئاسة الأولى”.

ورأى الزغبي أن “أهم هذه العقبات، تشكيل مجموعة نيابية وازنة، تفوق الثلث المعطل في مجلس النواب، وهي نواة كبيرة وصلبة لا يمكن أن ترضخ للمؤثرات السياسية الخارجية ولو كانت باريس وراءها. من هنا، يمكن الاستنتاج أن هذا الخطاب العالي السقف الذي اعتمده نصر الله، ووضع مواصفات الرئيس الجديد بين إميل لحود وميشال عون، هو في عمقه دليل على ارتباك وعجز أكثر مما هو دليل على القوة في اعادة عقارب الساعة الى الوراء أي اعادة انتاج مرحلة 2016 لأن متغيرات كثيرة طرأت منذ ذلك الحين، ولم يعد حزب الله في موقع الفرض بل ربما كل ما يستطيع فعله هو الرفض أي تعطيل انتخاب رئيس جمهورية لا يكون بمواصفات لحود وعون. ولعل نصرالله ومن ورائه طهران، يدرك أن رفع السقف الى هذا المستوى يفتح باب التفاوض على مرشح يسميه مرشحاً توافقياً، فيتخلى عن ورقته المعلنة أي فرنجية لمصلحة مرشح تكون له حصة ما في اختياره. وفي هذه الحالة، يدخل البازار السياسي الذي تشترك فيه قوى اقليمية ودولية، وينال فيه حزب الله واجهة اعلامية بمعنى أن يتكرر الترسيم البحري على مستوى الترسيم الرئاسي، فيعلن نصر الله وفريقه انتصاراً، لا يكون في عمقه سوى تنازل ورضوخ للأمر الواقع ولموازين القوى الفعلية على المستوى الاقليمي والعالمي. ومعلوم أن ايران ضمن موازين القوى هذه ليست في موقع الأقوى ولم تعد لها اليد الطولى في فرض مشيئتها السياسية في العواصم العربية، ومنها لبنان”.

شارك المقال