ثلاثي عون – باسيل – جريصاتي… وطبخة الرئاسة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كثيرة هي المواقف التي يطلقها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وتثير الاشمئزاز في نفوس اللبنانيين ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله إنه يسعى الى رئيس توافقي، بعد إعلانه في باريس أمام أنصاره رفضه ترشيح سليمان فرنجية، الذي يعمل الرئيس نبيه بري على تسويقه ضمن تسوية مراهناً على قدرته على استقطاب صديقه وليد جنبلاط ورضا “حزب الله” والرهان على نواب مستقلين متفلتين من التزامات السياديين والمعارضين.

كان واضحاً باسيل حين قال بصلافة: “لن نسجّل على أنفسنا أنّنا انتخبنا أحداً مثل فرنجيّة”. وأشار إلى أنّ “انتخاب فرنجيّة سيعيدنا إلى التّسعينّيات، وثلاثية بري – الحريري – الهراوي، تعود بنسخة ثانية، ميقاتي – بري – فرنجية الآن”.

وهذا ما استدعى رداً من مكتب بري اعتبر فيه أن “ما كان عليه الأمر في العام 1990 أفضل مما قدم لنا في السنوات الست الماضية والذي يتلخص: عون – باسيل – جريصاتي”.

لاحقاً، حاول التيار التذاكي وأوضح في تعميم على كوادره أنه في مرحلة مدّ جسور وتواصل مع كل القوى الراغبة، وأن رئيس التيار لم يتهجّم على أحد بل أوضح أسباب عدم تأييد فرنجية لعدم العودة “الى زمن ١٩٩٠ – ٢٠٠٥”.

كذلك، سليم جريصاتي مستشار رئيس عهد الجحيم الآفل، ومرشد الجمهورية العونية رد على بري بالقول: “يشرّفني أن ما تعيّرني به هو هذا المثلث، الذي لم يضعني يوماً في خصومة مع قيمي الأخلاقية والوطنية والعلمية التي تعرف جيداً ماضياً وحديثاً. الذم والجحود ليسا من شيم الكبار”.

هذه المواقف النارية تؤكد عملياً أن عملية انتخاب رئيس للجمهورية بتوافق داخلي أمر مستبعد، فالهوة كبيرة بين الأطراف السياسية وتباعد المواقف لا يوحي بامكان التوصل الى تسوية رئاسية داخلية، وانتخاب رئيس صنع في لبنان، وعليه لا بد من انتظار التطورات الخارجية التي تفرض قراءات جديدة لمستجدات الواقع السياسي لاسيما بعد فوز الجمهوريين في الولايات المتحدة والانتفاضة الشعبية في ايران وخسائر موسكو في أوكرانيا.

وفي تحركات باسيل البهلوانية، من قطر الى فرنسا الى اطلاق المواقف في لبنان، رسالة واحدة “أنا الرئيس والا لا أحد”، وبالطبع لن تمر نتائج الزيارتين مرور الكرام. وتلفت مصادر سياسية لــ “لبنان الكبير” أن “زيارة باسيل الى قطر كانت شبه سرية، فلم تؤكد قطر أو تنفي أن باسيل زارها لجس نبضها من دعم ترشحه لرئاسة الجمهورية، بعد طلب التيار الوطني الحر أن تكون هي الوسيط في نقل النفط وبيعه الى الخارج اثر اتفاق ترسيم الحدود، ولم يأتِ هذا الطلب بالصدفة إنما جاء بمعرفة سابقة. كما أن باسيل يملك حسابات كبيرة في البنوك القطرية وهو أمر أثير في الاعلام وطرح تساؤلات عما اذا كانت الأموال من رصيد باسيل الذي تم تهريبه أم من العمولات التي نالها على المشاريع أم هي عمولات كانت تدفعها له قطر؟”.

كما تشير المصادر الى تعهد قطر “رفع دعوى في المحاكم الأميركية وتكليف مكتب محاماة قطري موجود في الولايات المتحدة للبحث في كيفية رفع العقوبات عن باسيل عبر طرق قانونية، وهنا السؤال: اذا كانت قطر تسعى الى تبييض صورة باسيل وملفه عالمياً، فان القضية يشتم من خلالها رائحة تطبيع مع اسرائيل بعد الترسيم ليكمل باسيل المشوار الذي أنهاه عمه ميشال عون باتفاق الترسيم، لاخراج رئيس ومقايضته برئيس جمهورية مقابل فرض تطبيع اسرائيلي مباشر”، متسائلة هل “حزب الله معني بايصال هذا الرئيس (لحماية ظهر المقاومة)، واعلان حسن نصر الله في خطابه الأخير عن مواصفات هذا الرئيس التي تطابقت في السابق مع اميل لحود وميشال عون؟ ولكن هل ينفعه باسيل في هذا أيضاً؟”.

اما عن زيارته الى فرنسا فتؤكد المصادر أن باسيل التقى مستشارين في الخارجية والاليزيه “وأراد القول إنه لا يزال يملك علاقات واسعة استفاد منها حين كان وزيراً للخارجية سمحت له بهامش واسع، وإنه لا يأبه بالعقوبات الأميركية كونها عقوبات سياسية فرضت عليه وعلى تياره لأنه مع المقاومة ولأن أميركا تحاول تركيعه وتدفيعه ما قدمه اليها، من خلال النهب والسرقات والامتيازات الخاصة التي تمتع بها خلال فترة وجوده الى جانب حزب الله”.

لكن باسيل الطامح الى رئاسة الجمهورية محاصر لبنانياً من كل الأطراف، والسجال الأخير الذي دار بينه وبين بري كان مؤشراً على أن الأخير من يتحكم بمجلس النواب وباسيل لن يكون الا وحيداً في مواجهة كل القوى، وهنا تذكر المصادر بأن “بري استطاع، خلال فترة العهد القديم، أن ينتصر على توجهات حزب الله والافادة من فشله وتدخل باسيل وممارسته غير الطبيعية التي لم يستطع حزب الله المجاهرة بها وحمل باسيل على أكتافه كمرشح محتمل له، تبين بعدها أن التلميحات شيء وفرض رئيس شيء آخر، فخرج عون من القصر وترك حزب الله وحيداً في صراع مع حليفين الأول التيار الوطني الحر والثاني حركة أمل التي تعتبر غطاء فعلياً ضمن الثنائية الشيعية في لبنان، ولهذا السبب حزب الله اليوم واقع في أزمة من هو الرئيس الذي سيحمله وعلى ماذا سيكون الاتفاق الذي سوف يبرم ومن سيغطيه؟ وبري يعلم جيداً بأن حظوظ باسيل للرئاسة في لبنان وفي المحيط هي صفر ودور حزب الله لم يعد كبيراً، وقد تبين أن خطاب أمينه العام الذي حدد فيه مواصفات الرئيس هو خطاب مأزوم في الاقليم، ولذلك رفع سقف الخطاب للوصول الى التفاهم على حد أدنى”.

وتتوقف المصادر نفسها عند الموقف الفرنسي الملزم بما ورد في البيان الأميركي – السعودي – الفرنسي حول لبنان والذي تم توضيحه لباسيل بأن الرئيس لن يكون رئيساً استفزازياً، “وهذا يعني أن حظوظ باسيل صفر حتى وإن كان يعتبر أنها كبيرة بسبب دعمه المطلق من حزب الله وتمتعه بكتلة كبيرة سياسية مسيحية وفقاً للمعادلة السابقة التي فرضها البطريرك الماروني أي أن الرئيس الأقوى شعبياً هو صاحب أكبر كتلة في البرلمان، الا أن هذه المعادلة انتهت، ومن هنا باسيل ذهب ليستشف الآراء لكنه لم يجتمع بالرئيس الفرنسي، الذي بدا أن مستشاره ومستشار الخارجية قد أبلغاه أن لا حظوظ له في الرئاسة، ولن تستطيع فرنسا إنجاز ما يمكن إنجازه من دون المملكة العربية السعودية التي حددت أن لبنان اطار ثابت لاستراتيجيتها السياسية ولن تتخلى عنه، ومن هنا عاد باسيل الى لبنان بخفي حنين يعني حصد الفشل تلو الفشل”.

كما تشير المصادر الى “الاجتماع البارد بينه وبين نصر الله، وعلى أثره جاء موقفه من باريس بمهاجمة بري بأنه يسعى الى تسوية رئاسية تعيدنا الى سنة 1990، معلناً أنه سيقف بالمرصاد لثلاثية فرنجية – بري – ميقاتي وهذا يعني الفوضى السياسية في لبنان، وتموضع ثلاثية باسيل – جريصاتي – عون الهادفة الى المشاكسة القانونية والاستمرار بالفراغ وتحضير الشارع لهبات وأزمات سياسية يستخدم فيها القانون للانقضاض على المرجعيات السياسية، وتهديد حزب الله نفسه بأنه اذا لم يسر في اتفاق تثبيت رئاسة الجمهورية لباسيل سيكون الغطاء الماروني مرفوعاً عنه، لا سيما وأن الحزب يسعى الى حماية الأقليات وتحالفاتها، وهنا معادلة جديدة في المشاكسة والتي كانت مستترة في السابق بفعل وجود المثلث العوني في بعبدا، وكانت تغطى بقوانين استفتائية من المرشد جريصاتي الذي يمرر سياسات خاصة به من خلال التلاعب بالقانون ووفقاً للقراءات السياسية واستغلالها لمصلحة هذه الترويكا وشهدنا كيف رد باسيل على بري بطريقة فجة”.

وتلفت المصادر الى “سياسة ميشال عون طوال السنوات الثلاث التي جوّعت الشعب اللبناني وتسببت بالانهيار وتخريب العلاقات بين لبنان والدول العربية ومع الناس الذين دعاهم الى التفتيش عن وطن جديد اذا لم يعجبهم العيش في جهنم، واليوم يحاول أن يمارس دوره من الرابية مع مجموعة المستشارين المشاكسين أنفسهم والادعاء بأنهم يمثلون الضمير المسيحي، والترويج لكاريزما عون الديكتاتورية والفراغ المطلق وهو لا يزال يعيش مرحلة ما قبل الهروب الى فرنسا ويظن أنها ستؤمن له الاستمرارية في تقديس سره”.

وترى المصادر أنه “اذا جرت صفقة ما أوصلت الى انتخاب باسيل رئيساً، فهو أمر سيكون ثمنه الفعلي المخطط له من عون وجريصاتي التطبيع المباشر مع اسرائيل وتوقيع معاهدة رسمية بينها وبين لبنان وبالتالي سيكون الحزب مجبراً على تغطيتها والسكوت عنها، وقد تكون هذه الفكرة ايرانية محض لأن ايران في مأزق وتريد أن تحمي نظامها، ولذلك لا ترى مشكلة في توقيع اتفاق بين لبنان واسرائيل اذا تمت حماية النظام الايراني والمرشد من السقوط، وبذلك يتحول لبنان الى جمهورية موز تحكمه أقلية ديكتاتورية محمية من اسرائيل وبتوافق مع ايران، وهنا لا بد من السؤال هل يقبل العرب بذلك؟”.

شارك المقال