خسارة المنتخب الايراني… بين قمع النظام وتشويش “الأعداء”

تالا الحريري

في المباراة الأولى التي لعبها المنتخب الايراني ضد منتخب إنجلترا خسر بنتيجة 6 – 2 لصالح الأخير. وهذه الخسارة لم تعتبر عادية أي بسبب أخطاء رياضية أو صحية أو حتى توتر، بل اعتبرتها وسائل الاعلام الايرانية نتيجة الاحتجاجات التي انطلقت في الأساس منذ مقتل مهسا أميني في 16 أيلول الماضي على يد شرطة الأخلاق ولا تزال مستمرة، متهمة أعداء ايران الأجانب، ومن بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، بإثارتها لاخراج المنتخب الوطني عن تركيزه. وكتبت صحيفة “كيهان” التي يعيّن رئيس تحريرها المرشد الأعلى علي خامنئي، أن هزيمة إيران “جاءت بعد أسابيع من الحرب النفسية غير العادلة وغير المسبوقة على الفريق من الخونة المحليين والأجانب”.

بينما المشجعون في الملاعب كانوا يحملون شعارات تضامناً مع الثورة والمرأة الايرانية وارتدوا قمصانا عليها شعارات احتجاجية وأطلقوا صيحات استهجان خلال عزف النشيد الوطني. وبدا المشجعون في حيرة ما اذا كانوا سيدعمون منتخبهم رياضياً أم سيتخذون موقفاً نتيجة حملات القمع العنيفة القائمة في بلدهم ضد المتظاهرين.

الأمين: ما يجري في إيران له تأثير على المنتخب

في هذا الاطار، أشار رئيس تحرير موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ مقولة تحميل الاحتجاجات في إيران مسؤولية ما جرى من خسارة للمنتخب الايراني “يمكن أن تقال بشكل آخر وهي قمع النظام وطريقة معاملته للشعب الايراني اللذان قد يكونان سبباً في خسارة المنتخب الايراني. لكن لا يمكننا أن نعتبر أنّ الخسارة سببها الاحتجاجات فقط أي الجانب السياسي، بل هناك أبعاد فنية وغير فنية إلى جانب طبيعة المباريات والمنتخب المنافس، يعني هناك عناصر عديدة، لكن لا شك في أن ما يجري في إيران له تأثير على المنتخب الايراني لأنّه من الشعب وبالتالي يتأثر بهذا الموضوع نفسياً ومعنوياً”.

وعن عدم ترداد المنتخب الايراني النشيد الوطني قبل بدء المباراة، رأى الأمين أنّه “كان فعلاً أمراً مفاجئاً على الأقل بالنسبة لي، لأن عدم القيام بهذه الخطوة كشف لي مدى عمق الأزمة التي تعيشها إيران وبالتالي أن يتجرأ لاعبو المنتخب في بلد مثل ايران المعروف بنظامه وأيديولوجيته وسطوته وقوته على القيام بمثل هذه الخطوة التي تعتبر مستفزة للسلطة الايرانية، دلالة على مدى عمق الأزمة داخل إيران وأن قدرة النظام على لجم الشعب وإسكاته تتراجع. وهذا ما يدل على مخاطر حقيقية يمكن أن تتعرض لها السلطة الايرانية إلى درجة أنّه بات من الصعب معالجة الأزمة القائمة في إيران بالبطش فقط”.

وبالنسبة الى إلقاء اللوم على الدول الخارجية في تأثيرها على الاحتجاجات، أوضح الأمين أنّ “هناك دائماً محاولة في التعامل مع أي احتجاجات شعبية أو انتفاضة داخلية او أي تحركات لالقاء اللوم على الخارج وكأن الأمور في أحسن أحوالها داخل إيران وأن الخارج هو الذي يتدخل فقط. بالعكس يمكن أن نرى لأول مرة أنّ هناك تحركات داخل ايران من دون أي دعم خارجي لها وإلا كنا لاحظنا أنّ الحدود مع أفغانستان وأذربيجان والعراق متفجرة”.

أضاف: “إذا كنا نتحدث عن تدخل خارجي فكان هناك إمكان لاحداث اختراقات مهمة، لكن رمي المسؤولية على الخارج هي محاولة للهروب من الأسئلة الحقيقية التي يواجهها الشعب الايراني ضد هذه السلطة، وتعكس أيضاً العجز عن حل الأزمات التي يواجهها النظام الايراني على الأقل في ما يتصل بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وموضوع الحريات وغيره. إعادة رمي الكرة في ملعب الخارج أنّه السبب في خسارة المنتخب هو نوع من البروباغندا غير المقنعة والهروب من المشكلة الحقيقية التي يواجهها الداخل الايراني إلى محاولة تحميل الخارج مهما كانت نواياه، لكن واقع الحال يقول إن هناك أزمة حقيقية داخل ايران وهي عنصر داخلي بالدرجة الأولى”.

عبد الساتر: البعض ذهب كثيراً في التفسيرات

أما الاعلامي والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر فاعتبر أنّ “من المنطق في مكان ما أن تصدر مثل هذه التصريحات عن بعض المسؤولين الايرانيين، باعتبار أن ما يجري في إيران هو جزء من حرب مركبة، إضافة إلى بعض الأنواع من الاحتجاجات المشروعة والتي لها أسبابها الخاصة وهذا ما ساهم ربما حالياً في إظهار صورة ما عن الواقع في إيران لا يريد أي مواطن إيراني أن يحدث بهذه الطريقة التي نراها، خصوصاً أن بعض الأمور قد خرجت عن إطار الاحتجاج إلى ما يشبه عملية إستهداف لاستقرار ايران وأمنها، لاسيما أن هناك مجموعات تطلق النار على بعض المارة والمدنيين في أكثر من مكان على غرار ما حصل في مدينة إيزي وأصفهان وبعض الأماكن الأخرى. وهذا بالتالي سينعكس سلباً بطبيعة الحال على أي مواطن إيراني سواء كان يريد تمثيل بلاده في أي مكان في العالم أو حتى على المنتخب الوطني الايراني الذي يمكن أن تشكل له هذه الأزمة حالة نفسية مركبة”.

وأكد أن “البعض ذهب كثيراً في إعطاء تفسيرات لما حدث مع المنتخب الايراني في موضوع النشيد، لكن في متابعة بسيطة قد يكون هذا الأمر عادياً في بعض الأحيان. يمكن أن تكون هناك دمدمة للنشيد بصوت منخفض أو أن لا يظهر بصورة واضحة على العلن. بالطبع لا أريد أن أقدم تبريرات يعني هذا الأمر غير مقبول لكن البعض قد يرى في مثل هذا الأمر شيئاً عادياً أي أنّه يعبّر بطريقة أو بأخرى عن إحترامه لنشيد بلاده من دون أن يتفوه بالكلمات أو الجمل التي يتألف منها”.

أمّا عن كون الخسارة بحد ذاتها نتيجة لما يحدث في إيران، فقال عبد الساتر: “قد يكون هذا الأمر في مكان ما له تفسير لكن أنا لا أميل إلى مثل هذا النوع القطعي في الجزم بأن الخسارة سببها ما يحصل في إيران فقط. نعم قد يساهم هذا الأمر في إضعاف نفسية اللاعبين وروحهم الرياضية، وهذا طبيعي على أي منتخب آخر إذا كان يحصل في بلده مثلما يحصل في إيران”.

من جانب آخر، احتفل محتجون في ايران بهزيمة بلدهم، ورددوا هتافات في المقاهي عندما سجلت إنجلترا أهدافاً، وأطلقوا أبواق السيارات فرحاً بعد المباراة. وانتشرت لقطات من وسط طهران تظهر سائقي دراجات نارية يطلقون النار ويهتفون “ستة”، في إشارة إلى أهداف إنجلترا الستة ضد إيران. وسارعت السلطات الى إغلاق مقهى في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد بسبب تشجيع مرتاديه إنجلترا.

شارك المقال