رسائل الفريق الايراني الى الغرب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

شاهد العالم افتتاح مونديال 2022، وترتيب الفرق في المجموعات، وكالعادة في مثل هذه المناسبات تحصل مفاجآت كثيرة في متابعات اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وبالطبع لفت أنظار الجميع التنظيم الرائع من دولة قطر وقدرتها على تقديم افتتاح مبهر وناجح بكل المقاييس.

وفيما كانت الـ”فيفا” تدرس مشاركة ايران في المونديال وتطرح التساؤلات بناء على دعوات من دول غربية اعتراضاً على قمع النظام الايراني للانتفاضة وقتل الشباب والأطفال والنساء وضرب الحريات وقمع الأقليات والانتقام منها، جاء موقف الفريق الوطني الايراني لكرة القدم ليسجل سابقة بعدم أدائه النشيد الوطني لبلاده باعتباره نشيداً لتمجيد الولي الفقيه، وتعبيراً عن رفضه لممارساته الاجرامية بحق الشعب الايراني الذي لم يعد يطيق العيش في ظل نظام يكبت الحريات ويمارس كل أصناف القمع والتعذيب على مرأى من العالم.

كان لافتاً أن دولاً أوروبية عدة صوّبت سهامها نحو قطر وانتقدت ما اعتبرته خرقاً لحقوق الانسان، وهذه الدول نفسها لم تنتقد ايران وممارساتها الفظيعة للانسانية وخرقها لحقوق الانسان بدءاً من الاعدام الى التعذيب والارهاب والتخويف الجنسي والاغتصاب وعمليات الابتزاز التي يمارسها الأمنيون الايرانيون بحق المحتجين والمنتفضين رجالاً ونساءً، حتى أنها لم تُدن ما يحصل في السجون والاعدامات، لكأن الغرب أقفل عينيه.

جاءت مفاجأة الفريق الايراني مختلفة عما شهدناه من الفريق الألماني الذي اختار تكميم أفواه لاعبيه تعبيراً عن التضامن مع حقوق المثليين في اطار الحملة التي تقودها ألمانيا، التي حاولت ارسال طائرة عليها رسم المثليين وشعارهم ورفضت قطر استقبالها. كما كان الانتصار الذي سجله الفريق السعودي على منتخب الأرجنتين، موضع اعتزاز كل عربي وتعبيراً عن المستوى العالي لهذا الفريق، الذي تغلب على فريق عالمي متمرس ومرشح دائم للفوز بكأس العالم. وفي المقابل شهدنا تعادل فريقي تونس والمغرب مع فريقين كبيرين هما الدنمارك وكرواتيا، وهو إنجاز أولي يوحي بالثقة ويعزز مكانة الفرق العربية في عالم كرة القدم ويؤكد قدرتها على أن تكون نداً قوياً، ودليل على أنها لم تعد مجرد ضيفة على المونديال وانما لها قدرة على المنافسة بروح رياضية عالية وهو انعكاس لاهتمام دول عربية عدة بتحسين أداء فرقها وتحضيرها للعب على مستوى الفرق المشهورة.

لقد بات من المسلمات أن العرب قادرون على تنظيم حدث عالمي ولهم أحقية في استضافته، بعد نجاح قطر الباهر في التنظيم وفوز السعودية وأداء المغرب وتونس وهو بالطبع أمر مبشر للمستقبل.

وتبقى مشهدية الفريق الايراني حاضرة، في تعبيرها الاعتراضي على ممارسات النظام بحق الشعب المنتفض من أجل لقمة العيش والحرية وتعبيراً عن رفض القمع والقتل والتعذيب وأسلوب التعامل بشدة مع المحتجين والمتظاهرين، لكأن هذا الفريق جاء الى هذه المناسبة العالمية ليقول لا لنظام ولاية الفقيه، ونحن فريق وطني نلعب من أجل إيران الدولة الموجودة على خارطة العالم ونريد الحفاظ على حضارة شعبها بكل مكوناته وعلى ثقافته، وسنخوض المباريات بروح رياضية وسنتقبل نتائجها.

من غير الواضح كيف إستطاع هذا الفريق أن يتمرد وأن يعلن ذلك أمام شاشات العالم برفضه أداء نشيد النظام، لكنه كان معبّراً جداً عن التمرد ورسالة واضحة الى العالم الذي يدّعي أنه ضد أنظمة القمع والارهاب والديكتاتوريات الدينية بأن يدعم الشعب الايراني في انتفاضته من أجل الحرية وحقوق النساء والانسان، والسعي الى تغيير النظام القائم.

يحاول الايرانيون في الخارج المشاركة في كل التجمعات الدولية ويمارسون حياتهم العادية مستمتعين بلحظات من الفرح والمسؤولية، ويظهرون اعتراضهم على تصرفات دولة ولاية الفقيه في قمع شعبهم وقتل أبنائهم واغتصاب نسائهم، ورفضهم لهذا النظام التوليتاري والقمعي والقاتل، لذلك تجرأ الفريق الايراني على إيصال رسالته الى العالم والقول للغرب كفى “تمسيح جوخ” لهذا النظام المرفوض من شعبه وآن أوان الوقوف في وجهه وفضح قمعه وعدم السكوت على ممارساته كما تفعلون، محاولين كسب الأموال وتغليب مصالحكم على حساب عذابات الشعب الايراني الذي يسجل في تاريخة انتفاضة تلو الأخرى، ويواجه أعتى ديكتاتورية قمعية في هذا العصر وأكبرها، سلاحها القتل والضرب. لكن العجيب أن العالم يدرك ذلك ويسكت عن انتهاكات حقوق الانسان في ايران واضطهاد النظام للأقليات العرقية والاثنيات من “الحرس الثوري” الذي يفتح قنوات اتصال مع الغرب الذي يدعي دوماً أنه يدافع عن حقوق الانسان والأقليات وحقوق المراة والمثليين الذين حاولوا تحطيم مونديال دولة قطر، لكنها حافظت على التزام قوانينها واعلان مواقفها من موضوع المثليين وأجبرت العالم على الالتزام بها وبتوجهاتها.

رسالة الفريق الايراني هي أنه لم يعد جائزاً للغرب السكوت على ما يجري في ايران، والسؤال: ألم يحن الوقت للتخلي عن هذا النظام القاتل الذي صبَّ لعناته على المنطقة بأكملها من العراق إلى لبنان الى سوريا واليمن وغزة؟ ألم يرَ الغرب صواريخه ومسيراته في أوكرانيا وفي الامارات والسعودية؟ ألم يشاهد ماذا فعلت طهران منذ اتفاقها النووي أيام باراك اوباما وحسن روحاني وكيف دخلت الى المنطقة العربية؟ يقولون بالتحلي بالصبر، فأي صبر هذا، وكيف يمكن أن يكون هناك شتاء وصيف على سطح واحد؟

شارك المقال