الشغور من بكركي… الى الفاتيكان؟

هيام طوق
هيام طوق

تكاد لا تخلو عظات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من المطالبة بإجراء الاستحقاقات الدستورية واحترام مواعيدها، لإعادة انتظام العمل السياسي وإنقاذ البلد، وأولها انتخاب رئيس جديد للجمهورية لملء الشغور في أسرع وقت ممكن، وتأليف حكومة إنقاذ قادرة على القيام بالمسؤوليّات الكبيرة المناطَة بها في بداية العهدِ الجديد.

وعلى الرغم من أن لا مرشح محدداً للكنيسة المارونية، ولا تطرح اسماً معيناً، إلا أن البطريرك الراعي يحدد مواصفات الرئيس الذي يجب أن يكون وطنياً ولبنانياً، يجمع حوله اللبنانيين، ويُخرج البلاد والعباد من فخ الانقسام والتشرذم والانهيار، محمّلاً البرلمان مسؤولية خراب الدولة وتفكيكها، وقال: “كم يؤلمنا عندما نرى المجلس النيابي يهدر الزمن خميساً بعد خميس، وأسبوعاً بعد أسبوع في مسرحية هزلية لا يخجلون منها، وهم يستخفون بانتخاب رئيس للبلاد في أدق الظروف. إننا نحمّلهم مسؤولية خراب الدولة وتفكيكها وإفقار شعبها”، بحيث يكرر وصف الجلسات الأسبوعية لانتخاب رئيس الجمهورية بـ “المسرحية الهزلية”.

وكان البطريرك الراعي قد طالب مراراً وتكراراً بمؤتمر دولي من أجل لبنان كما طرح مشروع الحياد الذي جوبه بموجة رفض من الفريق الممانع، وخطوة من هذا النوع يجب أن تحظى بتوافق وطني ومحلي واحتضان اقليمي ورعاية دولية غير متوافر أي منها حالياً.

وإذا كانت بكركي تواصل مسعاها في الداخل مع القوى علّها تتمكن من خرق جدار التعطيل والبدء بفكفكة العقد، فإن القضية اللبنانية تحظى باهتمام الفاتيكان حيث يعبّر الرسول الأعظم مراراً عن وقوفه الى جانب لبنان كما يحث عبر قنواته الديبلوماسية، قادة العالم على ايجاد حل للأزمة فيه.

ووصل البطريرك الراعي الى روما في زيارة تستمر لمدة أسبوع، حاملاً معه ملف الشغور الرئاسي، وتتضمن أجندة لقاءات اعتباراً من بعد غد الاثنين، وأكد مرجع روحي لموقع “لبنان الكبير” أن الهدف الأساس للبطريرك من الزيارة، كنسي بحيث سيشارك في التحضير للجمعيات السينودسية على مستوى القارات، إذ ستعقد الجمعية السينودسية القارية لكنائس الشرق الأوسط من 12 الى 18 شباط 2023، في بيت عنيا – حريصا، ويشارك فيها اكليروس وعلمانيون من بلدان عربية وسبع كنائس كاثوليكية شرقية. ويلتقي خلال زيارته أبناء الرعية في القداس الذي سيرأسه غداً الأحد في كنيسة مار مارون، في المعهد الماروني. لكن لا بد من أنه سيطرح الشغور الرئاسي مع المعنيين بالملف اللبناني هناك، اذ أنه يحمل هذا الهم معه أينما يذهب. مع العلم أن الدوائر في الفاتيكان على اطلاع بصورة واسعة على المشكلات والأزمات في لبنان، ومهتمة الى حد كبير ببلد الأًرز، وبمستقبله الغامض خصوصاً في ظل الشغور والفراغ في المؤسسات الدستورية، وتستمر في تواصلها مع قادة العالم، وتحثهم على إنقاذ هذا البلد. مع التأكيد هنا أن زيارة البابا الى لبنان تحددها الدوائر الفاتيكانية، لكنها غير واردة حالياً في ظل هذا الوضع السيء، المتزامن مع شغور في الرئاسة الأولى.

ولفت مصدر مطلع الى أن “كل الجهود منصبة اليوم على انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لا يجوز أن نحمّل الزيارة أكثر من حجمها. الزيارة تساعد في إبقاء شعلة انتخاب رئيس جمهورية انقاذي، اصلاحي وسيادي، قائمة، والبطريرك الماروني يلعب دوراً أساسياً في هذا الاطار. الواضح لدى الفاتيكان أن هناك مشكلة أكبر بكثير من رئاسة الجمهورية، وهي هوية لبنان وكيانه ورسالته، لكن أحد المداخل الأساسية للعملية الانقاذية، انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم بالدستور، ويطبق الاصلاحات التي وردت في اتفاق الطائف. أكثر من يفكر بهذا العمق هو الكرسي الرسولي والبطريركية المارونية معاً”، مؤكداً أن “التسوية التي يتم الحديث عنها في الاعلام، بأن بكركي متجهة الى تسوية مع حزب الله، وأن الفاتيكان يتواصل مع الحزب، غير صحيحة، ولن تحصل. الفاتيكان يعمل بصمت تام، ولا ينغمس في السياسة المحلية انما يؤكد على الثوابت، ويصغي الى القوى الفاعلة مع العلم أنه يؤخذ على بكركي أنها تستمع الى القوى التقليدية فقط”.

وأوضح المصدر أن “البطريركية المارونية لديها ثوابت تاريخية للحفاظ على هوية لبنان الحضارية، وهوية الحريات والانسان والعيش معاً، وهوية لبنان العربية وانتمائه الى المجتمع الدولي. والبطريرك الراعي يؤكد على هذه الثوابت كل أحد في عظاته، وكل مواقفه تقول ان ما يعيشه لبنان في هذه المرحلة هو أزمة كيانية خطيرة تهدد هويته ورسالته. وهنا يتلاقى مع ما قاله البابا فرنسيس ان لبنان في خطر داهم. من هنا تقوم الديبلوماسية الفاتيكانية بعمل صامت لانقاذ لبنان بالتعاون مع كل أصدقائها في العالم”.

وقال: “الزيارة كما قيل رعوية للمشاركة بأحد المجامع، وهذه زيارات دورية روتينية يقوم بها أي بطريرك يتابع هم الكنيسة المحلية، ولكن أيضاً هم الكنيسة العالمية خصوصاً أن الراعي كاردينال”. واعتبر أن “البروباغندا التي تتحدث عن خلاف في المواقف بين البطريرك الراعي والفاتيكان، تدل على أن هناك ماكينة اعلامية غير مرتاحة للتوجهات الفاتيكانية والبطريركية المارونية الواضحة التي تقول: أي رئيس مقبل يجب أن يطبق اتفاق الطائف بما يعني أن هناك رفضاً لما يسمى بمؤتمر تأسيسي كما هناك تأكيد لبكركي والفاتيكان على صيغة العيش معاً في لبنان، وهذا يزعج الحزب وبعض الأطراف، وهناك انزعاج من استمرار البطريركية في المطالبة بمؤتمر دولي لو أن الفاتيكان يسأل عن خارطة الطريق لهذا المؤتمر”.

وشدد المصدر على أن “كل التوجهات في البطريركية المارونية واضحة، وتلاقيها الفاتيكان مع المجموعة الدولية، وهذا ما عبّر عنه البيان الأميركي – الفرنسي – السعودي”.

شارك المقال