هل قضت حرب أوكرانيا على الغاز الطبيعي؟

حسناء بو حرفوش

على الرغم من أن الحرب الأوكرانية تسببت بارتفاع أسعار النفط والغاز الأحفوري والمبيعات على المدى القصير، يرى البعض أن الصراع الروسي – الأوكراني يدق المسمار الأخير في نعش الهيدروكربونات. وهذا ما يؤسف دولاً مثل ألمانيا التي أصبحت تعتمد على الغاز الأحفوري الروسي بشدة حالياً، وهذا ما يدفعها الى التحول بسرعة إلى الغاز الطبيعي المسال، الذي تعمل على تأمين شحنه عن طريق البحر. ووجدت شركة أبحاث الطاقة المستقلة، “ريستاد” Rystad Energy، ومقرها في أوسلو، أن تركيب مزارع الطاقة الشمسية سيكلف أقل بعشر مرات على المدى الطويل، مقارنة بالاستمرار في تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز في أوروبا.

ومع ذلك، لا يترجم العرض العالمي للغاز الأحفوري، في الوقت الحالي حسب مقال في موقع znetwork.org، مرونة كبيرة، لذلك قد تبقى الأسعار مرتفعة. ويشكل ارتفاع هذه الأسعار أحد الأسباب وراء زيادة القدرة النسبية على تحمل التكاليف الضرورية لبناء محطات الرياح والطاقة الشمسية الجديدة. وتلعب الاعتبارات الجيوسياسية دوراً في جعل الانتقال إلى الطاقة الشمسية أكثر إلحاحاً. ولا تستطيع ألمانيا الاعتماد على موردين خارجيين، سواء أكانا من روسيا أو الجزائر، لقطاع حيوي من اقتصادها، لأن عالم الهيدروكربونات متقلب وعرضة للحروب والاضطرابات.

ولم يسبق أن سجل ارتفاع بهذا الشكل في أسعار الغاز الأحفوري هذا الصيف في أوروبا. ووصل السعر، في وقت ما من شهر آب، إلى حوالي 730 دولاراً لكل ميغاوات/ساعة، وهذا أكثر بعشر مرات من التكلفة القياسية للطاقة الشمسية. وتقدر “ريستاد” أن سعر الغاز سيستقر عند 156 دولاراً لكل ميغاوات في الساعة على المدى المتوسط​، ويساوي هذا الرقم ثلاثة أضعاف التكلفة القياسية للطاقة الشمسية. وبالتالي، قد يخطئ من لا يفكر تلقائياً في استثمار الكثير في الطاقة الشمسية الجديدة لتجنب إهدار المال.

ويدرك الأوروبيون بوضوح هذه الحقيقة. وحسب “ريستاد”، من المخطط أن يتم تشغيل 50 جيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة في العام 2023. وتشير التقديرات إلى أن منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية الحالية، والتي ارتفعت بنسبة 13٪ عن العام 2021، وفرت لأوروبا 11.46 مليار دولار من الغاز الأحفوري في ربيع وصيف هذا العام.

وتقدم “ريستاد” اقتراحاً مثيراً للاهتمام، يقضي بتحويل الأموال المكتسبة من الغاز الأحفوري واستثمارها في مزارع الطاقة الشمسية، كما تخلص إلى أنه بحلول العام 2028، ستغطى تكلفة الاستثمار وتؤمن بصورة فائضة أيضاً. وهناك قضايا أخرى تزيد من الاندفاع نحو مصادر الطاقة المتجددة بالطبع، بحيث تدمر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الكوكب وتقتل الآلاف في أوروبا هذا الصيف بفعل موجات الحر. كما تزداد صعوبة الحصول على قروض بنكية لمحطات الفحم الجديدة أو لحقول الغاز. فالبنوك تحب الحصول على ضمانات، وفي الأيام الخوالي كانت تأخذ قيمة مصنع الفحم أو حقل الغاز كضمان. ولكن من الواضح الآن أن مصادر القوة هذه يتم إيقافها بسرعة، وبالتالي لا تساوي الضمانات كثيراً على المدى المتوسط ​​إلى المدى الطويل. وعلى النقيض من ذلك، ستتواجد مزرعة الطاقة الشمسية على الأقل لمدة 30 عاماً.

ونظراً الى أن الشركات تتكلف بالفعل أثماناً باهظة في محطات الغاز، فإنها ستستمر في إنتاج كهرباء باهظة الثمن طالما يمكن نقل التكلفة الاضافية إلى المستهلك. وتلمح “ريستاد” إلى أن سياسة الحكومة ضرورية لمعالجة هذه الأزمة، باستخدام الحوافز لدفع الطاقة الشمسية وجعلها أكثر ربحية لبناء مزارع شمسية. وذكرت “يورونيوز” أنه في ما يتعلق بالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية، (حلّت هولندا وألمانيا وإسبانيا في المقدمة، بنسبة 23 في المئة و19 في المئة و17 في المئة على التوالي خلال صيف العام 2022). ولنا أن نتخيل عدد المليارات من اليورو التي ستوفر على فواتير الطاقة إذا تضاعفت هذه الأرقام، والشائعة في بقية أوروبا. وعلاوة على ذلك، من شأن الانتقال بسرعة إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والبطاريات أن يضعف الاتحاد الروسي بشدة ويحرمه من رافعة رئيسة للطاقة ومن مصدر للدخل”.

شارك المقال