رصيد فريق 8 آذار يرتفع في طرابلس؟

إسراء ديب
إسراء ديب

تُثبت الأحداث اليومية السياسية منها والأمنية، أنّ الواقع السياسي في مدينة طرابلس قد تغيّر ليتبيّن أنّ الميزان السياسي قد اختلّ، خصوصاً مع خروج قوى بارزة كانت قد أحدثت ثباتاً سياسياً جزئياً، لكن بعد خروجها من المشهد “السنيّ” ولو بصورة مؤقتة، يُمكن القول إنّ المدينة ستُواجه انقساماً واضحاً وحاداً على المستوى السياسيّ لترجّح الكفة لصالح فريق الممانعة.

يُمكن التأكيد أنّ قوى 8 آذار لم تكن مقبولة على الاطلاق بالنسبة إلى معظم الطرابلسيين منذ سنوات، لكنّ المدينة التي واجهت تحدّيات عديدة، لم تعد تتمسك بمستوى الرفض عينه، بل اعتاد الكثير من أهلها على دخول هذه القوى بطرق عدّة، وقد ازداد حجم التقبّل بصورة كبيرة بعد خروج زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي أخيراً، وهو الذي كان رمزاً للوسطية والاعتدال السياسي السنّي بوضوح، الأمر الذي أحبط هذا الشارع الذي بات مرهقاً من الكمّ الهائل من الابتلاءات التي ضربته.

وقد يكون افتتاح مكتب حزب “البعث العربي الاشتراكي” في جبل محسن والذي تزامن مع إحياء “الحركة التصحيحية” في سوريا، من أبرز المشاهد التي تلفت إلى هذا التقبّل، فهذا المكتب الذي حرق في طرابلس عام 2008 عاد بعد 14 عاماً، لكن هذه المرّة من جبل محسن الذي يُؤيّد الخطّ الذي يتبعه الحزب.

قد يرى البعض أنّ افتتاح المكتب من جبل محسن، وسيلة للحدّ من الفتنة التي قد تحدث في مدينة كطرابلس والتي لا يُمكن إنكار وجود مناصرين لهذا الحزب فيها، نظراً الى ارتباط فئة من أهلها بالقومية العربية وحتّى بسوريا، ولكن يُشير مرجع طرابلسيّ لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ “هذا الافتتاح لم يكن سوى عملية جسّ نبض، فإذا مرّت عملية الافتتاح من الجبل (الذي لا يُمكن أن يحرق هذه المكاتب) بسلام من دون انتقاد أو تعدّ أو رفض، ستتم روتينياً إعادة افتتاح المكتب من طرابلس”.

وهذا ما أكّده الأمين العام لحزب “البعث العربي الاشتراكي” علي يوسف حجازي الذي حضر عملية الافتتاح وتطرق في كلمته الى ملفات عدّة أبرزها مرتبط بأهمّية إنصاف طرابلس وانتشالها من الحرمان، مذكّراً بقوارب الموت الناتجة عن الاهمال والفقر، وأخرى مرتبطة بالنظام السوري ودمشق أيّ بوصلة القوميين التي حاول “داعش” و”النصرة” التخلّص منها وفق حجازي، الذي نسي ربما أنّ المنظمتين الارهابيتين كانتا وصمة عار في فترة زمنية اتهمت معها طرابلس بأنّها الحاضنة الرئيسة لهما، وأنّها عانت ما عانته بسبب الملفات والروايات الأمنية التي زجّت أبناءها بسببها في السجون أو المعتقلات حتّى اللحظة من دون معرفة مصيرهم، وقد تغافل أيضاً أمين الحزب السوري، أنّ طرابلس ومهما بلغت معاناتها لا تنسى كلّ “كف” وكل لحظة غدر مرت بها مع النظام السوري في زمن الوصاية “المنحوس”، فتذكير حجازي خير من تصريحاته التي يتباهى بها أمام الجميع.

وعموماً، فإنّ عودة رئيس تيّار “الكرامة” فيصل كرامي إلى النيابة في طرابلس، لا تنفصل عن الخطط التي تُعطي الفريق الممانع حظوظاً سياسية وانتخابية قريبة وسهلة له، خصوصاً وأنّ كرامي يتمتّع بثقل وطني لا يخفى على أحد، لكنّ في الوقت عينه، العيون ستكون شاخصة نحو الاجتماعات الدورية التي يعقدها نواب طرابلس، تحديداً في ظلّ حضور النائب إيلي خوري من “القوات اللبنانية” والتي يُؤكّد كرامي أنّه لا يتعامل معها، ما يُرجّح غياب خوري المستمرّ عن هذه الاجتماعات أو تسليط الضوء من جديد على تصريحات تظهر الانقسام السياسي بين الطرفين، لاسيما وأنّ وجود كرامي (الذي يسعى الى خلق حالة سياسية مختلفة وجديدة وفق مقرّبين منه) في هذه الاجتماعات، سيكون داعماً لها لأنّه يبقى من نسيج هذه المدينة.

ومن باب تعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، ظهرت جمعية “تعاونوا” المدعومة من “حزب الله”، بوضوح بعد تفجير التليل العكاري لتقديم السند والمساعدة، وهي موجودة في طرابلس أيضاً لتدعم دار مسنين تارة، أو مريضاً تارة أخرى، كما أثبتت وجودها بعد ظهور حالات كوليرا في أحياء فقيرة في المدينة، وهو ما تراه أوساط شمالية اختراقاً ستظهر نتائجه مع قرب حلول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما وأنّ بعض المواطنين الذين تلقوا هذه المساعدات لا يُظهرون رفضاً قاطعاً لها، الأمر الذي يُشير إلى المشهد السياسي الذي لا يُعدّ مستقراً أبداً.

وفي المدينة، سيُحاول النائب أشرف ريفي الحفاظ قدر المستطاع على الصورة السياسية المعادية للحزب في ظاهرها، أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فسيبقى في دائرته الحكومية التي تبقى وطنية أكثر منها طرابلسية، بينما سيُحاول كرامي استغلال غياب تيار “المستقبل” بزعيمه عن الصورة لرفع رصيده طرابلسياً على الرّغم من تمتعه بشعبية واسعة تخصّه، كما سيُركّز على بعض مبادئ التغييريين ليُؤكّد بخلقه لمحور منفتح، سنيّ وطرابلسي مختلف اختلافه عن السابق وأنّه لن يكون مصدر استفزاز لأحد كعادته، فيما لن يتمكّن النواب الآخرون لا سيما الجدد منهم، من خلق المحور الخاصّ بهم كغيرهم، لأنّهم غير مستعدّين للانخراط في هذه الدوائر السياسية المغلقة، إذ لم يعتد أيّ منهم عموماً على اعتبار طرابلس “قطعة جبنة” يتقاسمونها مع كلّ دورة سياسية جديدة أو حدث يقلب المعادلة، فكانت تدخلاتهم السياسية “محاولة” لخلق جوّ سياسيّ طرابلسيّ جديد، لكنّها ستبقى محاولة مكبّلة ومقيّدة في ظلّ تحكّم منظومة سياسية متخبّطة بزمام أمور البلاد والعباد.

شارك المقال