انهيار نظام بوتين مجرد أمنية غربية؟

حسناء بو حرفوش

رأى تحليل في موقع “فوكس نيوز” الالكتروني الأميركي أن “من غير المرجح أن تؤدي حالة المعارضة الحالية في الداخل الروسي الى انتفاضة شعبية ضد الرئيس فلاديمير بوتين. ووفقاً للتحليل الموقع من ريبيكا كوفلر، وهي ضابطة استخبارات سابقة في وكالة استخبارات الدفاع، “مع دخول الصراع الروسي – الأوكراني شهره العاشر وغياب أي دلالة على انتصار حاسم لأي من الجانبين، يركز المراقبون الغربيون على الأداء الضعيف للجيش الروسي والمشكلات الداخلية في روسيا والضعف المزعوم لسيطرة بوتين على السلطة. وهذا يعكس بصورة مفهومة آمال البعض في أن تدفع هذه العوامل بطريقة ما بوتين الى وقف حربه على أوكرانيا.

لكن الاستنتاج القائل بأن أيام بوتين معدودة هو مجرد تمنٍ في أحسن الأحوال، للأسباب التالية:

لقد تدهور الوضع الداخلي لروسيا بالفعل، حيث تدفع التعبئة في أوكرانيا، الآلاف من الرجال في سن التجنيد الى الفرار من البلاد. ويشكو الجنود في الخطوط الأمامية من مشكلات تتعلق بالزي الرسمي وعدم كفاية التدريب والطعام غير الصالح للأكل. كما تدور احتجاجات مناهضة للحرب في الشوارع وبعض الأعمال التخريبية، لكن هذا ليس بالأمر الجديد في روسيا. فثقافياً، يتسامح الروس تماماً مع تجاوزات الحكومة والاجراءات القسرية والافتقار إلى التنظيم.

ومن غير المرجح أن يصل المستوى الحالي للمعارضة بين الشعب الروسي إلى الحجم الذي من شأنه أن يؤدي إلى انتفاضة شعبية. من ثم، ما الذي يخطط له بوتين وما هي مستجدات الحرب الروسية – الأوكرانية بعد تسعة أشهر من الغزو؟ بينما انخفضت نسبة تأييد بوتين بنسبة 8٪ تقريباً منذ آذار، لا يزال 75٪ من الروس يوافقون على أنشطته ويثق به 78.7٪، وفقاً لوكالات استطلاعات الرأي التي تتخذ من روسيا مقراً لها والتي يعتبرها محللون غربيون موثوقة. أما التقارير عن المعارضة الناشئة في الدائرة المقربة من بوتين فهي إما غير موثوقة أو مبالغ فيها. ففي تشرين الأول، ورد أن الرئيس جو بايدن تلقى معلومات استخباراتية حساسة، كجزء من تقريره الاستخباراتي الرئاسي، مما يشير إلى أن أحد أعضاء الدائرة المقربة لبوتين نسب سوء التعامل مع الحرب في أوكرانيا مباشرة إلى الرئيس الروسي. فسرّبت المخابرات الغربية هذه المعلومات على أنها علامة على الاضطراب في الكرملين. لكن من غير المرجح أن تكون المخابرات الأميركية قد اخترقت الدائرة المقربة لبوتين وأن تمتلك المقدرة على جمع معلومات سرية من أحد أعضائها.

أما دائرة بوتين فصغيرة للغاية، وتتألف من زملاء سابقين موثوق بهم. ويتمتع هؤلاء داخل فلك بوتين بأكثر بكثير مما يمكن أن تقدمه وكالة المخابرات المركزية لهم في الولايات المتحدة، مقابل أن يعملوا كجواسيس للحكومة الأميركية. تكون المخاطر عالية جداً وقد تكلف الشخص حياته. ويخضع الأشخاص داخل الدائرة المقربة لبوتين للمراقبة والحماية بصورة دائمة. وتراقب اتصالاتهم بواسطة نظام مراقبة تقني SORM.

وأخيراً، يبقى احتمال وقوع انقلاب ضعيفاً، فلم يتصور بوتين هذه الحرب بنفسه، وهو ليس حالة شاذة بل خط الأساس بالنسبة الى القيادة الروسية، ويمثل نموذج الحاكم الروسي النموذجي، ويستخدم استراتيجية القتال التي تستخدمها روسيا. ويمثل تدمير البنية التحتية الحيوية التي تركت 80% من أوكرانيا بدون تدفئة وكهرباء ومياه الشرب نتيجة لما يسمى بالعملية الاستراتيجية لهزيمة البنية التحتية الحيوية للخصم. هذه هي الطريقة التي تحارب بها روسيا، فهي لا تحاول تقليل الخسائر أو تجنب الوفيات بين المدنيين. وتعمد ستالين، على سبيل المثال، عدم إجلاء المدنيين من المدينة قبل معركة ستالينغراد لأنه كان يعتقد أن “الجنود سيقاتلون بقوة أكبر من أجل المدينة الحية أكثر من الموت”. بوتين ومعارضوه في الخندق نفسه.

لذلك، في العام 2016، أنشأ بوتين فرعاً خاصاً، هو الحرس الوطني لحماية نظامه، ويتألف من جنود النخبة الذين هم أكبر سناً ويمتلكون عقوداً من الخدمة في وكالات الأمن، وتتمثل مهمة الحرس في ضمان النظام العام والسلامة والتعاون مع وكالة الأمن الداخلي الروسية، للدفاع عن الدولة. ويشتهر عملاء هؤلاء الحرس بسمعة سيئة لناحية تفريق الاحتجاجات السلمية بوحشية واعتقال أعضاء المعارضة والنشطاء المدنيين وضربهم”.

اختار بوتين بنفسه حليفاً وثيقاً وزميله في المخابرات السوفياتية، فيكتور زولوتوف، لقيادةRosgvardiya . بدأ زولوتوف حياته المهنية في (الكي جي بي) في السبعينيات كحارس شخصي. في أوائل التسعينيات، عمل كحارس شخصي لأناتولي سوبتشاك، رئيس بلدية سانت بطرسبرغ آنذاك، والرئيس بوريس يلتسين، وبالطبع بوتين نفسه، الذي كان آنذاك نائب عمدة سوبتشاك. يعتبر زولوتوف أحد أقرب المقربين لبوتين، ومسؤول بصورة مباشرة عن سلامة بوتين الشخصية.

من الشائع للمحللين الغربيين أن يعرضوا معايير السلوك الغربية على روسيا ونظام بوتين وأن يتوصلوا إلى استنتاجات تستند إلى العقلية الغربية. يطلق عليه (تصوير المرآة) في الأعمال الاستخباراتية. لكن الشعب الروسي لا يفكر ويتصرف مثل الأميركيين”.

شارك المقال